رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طبول الأفارقة... «أبوإلياس» أول مصرى يدمج الكلمات العامية مع «السواحلى» فى أغنية

حققت الموسيقى الإفريقية نجاحات كبيرة على مدار تاريخها، لأنها لم تستهدف تحقيق التسلية فقط، بل استهدفت- أيضًا- نشر المحبة وسرد الأوجاع، ونقلت أحلام فقراء القارة السمراء بصدق، لذا وصلت إلى العالمية، وأصبحت للمطربين الأفارقة شهرة عابرة للحدود.

احتفاءً بالموسيقى الإفريقية، وإيمانًا بأهمية تبادل الثقافات والتكامل بين دول إفريقيا، تسلط «الدستور» أضواءها على موسيقى القارة السمراء، وعلى فنانين حاولوا نشر السلام والمحبة باستخدام الموسيقى، وعلى محاولة جادة لصناعة عمل موسيقى يمزج بين اللغتين العربية والسواحيلية.

أسرار نجاح موسيقى القارة السمراء.. نابعة من الطبيعة وتعتمد على السلم الخماسى

منذ فجر التاريخ، انشغل الإنسان الإفريقى بالتعرف على أصوات كل ما يحيط به، باحثًا بأذنيه عن الجمال فى الأشياء، واستخدم الأخشاب والجلود والمعادن لصناعة موسيقى بدائية تعبر عما يشعر به، كان أبرز ما يميزها أنها نابعة من الطبيعة.. صادقة وحقيقية وأصيلة.

وحتى الآن، نرى أطفال إفريقيا فى كل دول القارة يستخدمون العلب الفارغة لصناعة آلات موسيقية، تسمح لهم بإنتاج إيقاعها الخاص.

على سبيل المثال، نجح الشاب المصرى شادى رباب فى صناعة موسيقى باستخدام أشياء حصل عليها من القمامة، ونجحت موسيقاه وتجاوزت حدود أرض النيل، لتصل إلى الوطن العربى والعمق الإفريقى. من الأقصر خرج «شادى» بفنه، علّم الأطفال كيفية تحويل المخلفات البلاستيكية لآلات موسيقية جميلة.

«الدستور» التقت «شادى»، كان فى شرق إفريقيا حينها، يحتفى بتكريمه كفائز بمسابقة الأمم المتحدة للبيئة، بمشروعه «موسيقى الزبالة».

بالطبع هناك اختلافات فى تلقى الموسيقى بين شعوب إفريقيا، فهناك مناطق، مثل شرق القارة، يعتبر سكانها الرقص جزءًا من الموسيقى، أو رد فعل للاستماع لها.

حينما كنت فى العاصمة الكينية نيروبى، دعيت لحضور حفل عشاء رفقة مجموعة من الباحثين فى مجال حقوق الطفل، وخلال الحفل وقف الجميع فى توقيت ما وأدّوا رقصة جميلة على أنغام إفريقية، وكانت حركاتهم متماهية مع الموسيقى بشكل مدهش، حاولت أن أشاركهم لكننى فشلت.

سألت أحدهم، يُدعى «أوموندى»: «لماذا لم أستطع الرقص مثلكم؟»، فأجاب: «أنتم يا معشر الشماليين تميلون للوتريات، أما نحن فى العمق الإفريقى فنميل ونتفاعل مع الدقّات.. أى الطبول».

قلت له إن الشماليين، مثل سكان مصر، يتميزون بالرقص الشرقى، فرد: «الراقصات الشماليات يتمتعن بأذن تميل للدّقات، مثل أهل العمق الإفريقى». ابتسمت بعدما فهمت ما يقصد تحديدًا.. استطاعت الموسيقى تقريب وجهات النظر كعادتها. 

الموسيقى حولت جلسة عادية إلى ذكرى جميلة، حاولنا تبادل ثقافاتنا، دون تعصب، كنا جميعًا أفارقة نغنى ونضحك ونحلم بغد أفضل.

ولفهم الاختلاف بين موسيقات إفريقيا، تواصلنا مع الدكتور محمد أبوزيد، المدرس بقسم الموسيقى العربية بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، وقال إن موسيقى العمق الإفريقى محصورة فى صورة نمطية قدمها بعض الأفلام.

وأوضح «أبوزيد»، لـ«الدستور»، أن الموسيقى تتكون من عنصرين، هما نغم وإيقاع، ثم زاد عليهما عنصر التوزيع الموسيقى، مؤكدًا: «تلك العناصر الثلاثة تشكل ملامح أى موسيقى على ظهر هذا الكوكب».

وأضاف: «أما الغناء فهو العنصر الرابع، الذى يسمح لصناع تلك الأعمال الموسيقية بالوصول إلى جمهورهم، خاصة فى المجتمعات التى تتسم بالثقافة الغنائية القائمة بالأساس على النص الشعرى، مثل ثقافة المجتمع العربى».

وتابع: «أولًا، فيما يخص عنصر النغم، تعتمد الموسيقى الإفريقية على السلم الخماسى، وهو نفس السلم الموسيقى المستخدم فى موسيقى بلاد النوبة والحضارات القديمة فى آسيا، وهو ذاته المستخدم فى موسيقى الجاز العالمية، أمريكية الأصل، إذ يعتبر هذا السلم أول سلم عرفته البشرية، وتمكنت من خلاله من التعبير عن مشاعر الحزن والفرح».

وأكمل: «اعتمد الفنان الإفريقى على هذا السلم الخماسى فى صنع ألحان بسيطة، تحبها الأذن ويرددها اللسان دون تعقيدات».

أبوإلياس

إيقاعات معقدة بأداء بسيط.. «البولى ريتم» سر الصنعة المدهش

قال الدكتور محمد أبوزيد: «أما فيما يتعلق بعنصر الإيقاع، فإن الإيقاعات الإفريقية مختلفة بشكل مدهش عن أى إيقاعات أخرى، من حيث مواضع الضغوط وحركات الإيقاع وانتظامها وعشوائيتها فى بعض الأحيان، ومن حيث تعقيد أشكالها، إذ تنتج عن تداخل عدد من الإيقاعات التى تعزف بواسطة أكثر من عازف فى وقت واحد، وهى طريقة تعرف باسم (البولى ريتم)، ويحتاج تنفيذها إلى موسيقيين محترفين».

وأشار إلى أن العازف الإفريقى يمكنه عزف إيقاع سريع ومعقد بسهولة شديدة، معتمدًا على فطرته فقط، وهذه الفطرة النقية جعلت الفنان الإفريقى يتفوق على أى فنان آخر»، مؤكدًا: «مؤلفو الموسيقى الكبار من كل دول العالم يستعينون بالعازفين الأفارقة، حينما يحتاجون تقديم مقطوعة موسيقية صعبة، كما يستعينون بهم كمصدر إلهام».

وتابع: «أما فيما يخص عنصر التوزيع الموسيقى، فإن بساطة الحياة فى إفريقيا جعلت التوزيع الموسيقى هناك بسيطًا، إذ استغل الفنان الإفريقى الأصوات البشرية كآلات موسيقية، وهذا هو إيقاع (أكابيلا) الشهير، وذلك لحل أزمة عدم توافر آلات موسيقية»، موضحًا: «نرى ذلك على شاشات التلفاز وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، إذ نشاهد مجموعة من الفنانين الأفارقة المنتمين لقبيلة ما، يتعاونون لتقديم مقطوعة موسيقية صعبة جدًا، بشكل جميل وبسيط».

وتابع: «أؤكد أن الفطرة هنا هى كلمة السر، هى التى تجعلنا نتخطى حواجز اللغة ونشعر بما يشعر به الإخوة فى الإنسانية، حتى إن اختلفت الدول».

ولفت إلى أنه «مع مرور الزمن، انتشرت الآلات الموسيقية الأوروبية الحديثة، كالجيتار مثلًا، فى ربوع إفريقيا، كنتيجة غير مقصودة للاستعمار، فبدأ الشباب الإفريقى فى استخدام الآلات بشكل أدهش أصحابها الأصليين».

وتجدر الإشارة إلى أن هناك أغنية، تسمى «جورسالما»، وصلت إلى جميع القارات، وهى من إبداعات المطرب «Master KG»، وحققت نجاحًا كبيرًا رغم أنها خرجت من جنوب إفريقيا، بلغة محلية.

يقول «أبوزيد» عن هذه الأغنية: «إن اللغات الإفريقية ذكية، وتستطيع أن تصل إلى قلوب الناس مهما اختلفت ثقافاتهم»، مؤكدًا: «الأغنية الإفريقية تتميز باللغة الجذابة والإيقاع الجميل، وهى متأثرة بالاستعمار وبالطبيعة.. حقيقية وغير مصطنعة، وقادرة على نشر المرح ودفع أى شخص للرقص». 

 

أبوإلياس

اللغة العربية تصل إلى سكان كينيا من وحى مبادرة «اتكلم عربى»

لا يزال الفنانون الأفارقة يحرصون على التعاون لتبادل الثقافات ونشر السلام، وهناك مثال حى، نجح فى تحقيق هذه المعادلة، هو شاب مصرى يُدعى «أحمد»، اشتهر بلقب «أبوإلياس»، واستطاع مزج العامية المصرية باللغة السواحيلية، ويعيش- حاليًا- فى شرق إفريقيا، تواصلت معه «الدستور» لمعرفة تفاصيل نجاحه. 

قال «أبوإلياس»: «حينما تعاملت مع الإخوة فى شرق إفريقيا، لاحظت التشابه الكبير بين اللغة السواحيلية ونظيرتها العربية، كما لاحظت تشابه الإيقاع فى موسيقى شمال إفريقيا وشرق القارة، فأحسست أننى أريد أن أخبر المصريين بأن هناك من يتحدثون بلغة شبيهة بلغتهم».

وأضاف المطرب: «هناك عدد كبير من الناس يتحدثون اللغة السواحيلية، فى ٣ دول مختلفة ترتبط مع مصر بنهر النيل، لكن طول المسافة يمنع التعاون»، لافتًا إلى أن هناك من يتحدثون السواحيلية فى اليمن وعمان والسودان والصومال.

وتابع: «كما أردت أن تصل لغة وموسيقى العرب لسكان كينيا، خاصة بعدما أطلقت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، مبادرة (اتكلم عربى) التى لمست وجدانى وحمستنى لتنفيذ فكرتى».

ولفت إلى أن سكان شمال إفريقيا وإخوانهم فى شرق القارة يتشاركون فى تفاصيل حياتية كثيرة، موضحًا: «فى كينيا أرى الكثير من المغتربين مثلى، تركوا أوطانهم من أجل تحقيق حلم ما».

وأشار إلى أنه قرر صناعة أغنية احترافية تحقق ما يحلم به من تعاون، فبحث عن استوديو فى كينيا، ولأنه يعيش فى مكان فقير وجد استوديو بسيطًا بصعوبة بالغة.. يقول: «كان الاستوديو بدائيًا جدًا، لكنه يفى بالغرض».

وأضاف: «تحدثت مع مسئولى الاستوديو، وطلبت من الموزع الموسيقى أن يعرض علىّ مجموعة من أصوات المطربين الذين تعامل معهم قبل ذلك، لأختار منهم من سيشاركنى فى الأغنية»، مشيرًا إلى أنه انبهر بصوت «كيا»، الفنان الذى أطلق أغنيات كثيرة اشتهرت جدًا فى مومباسا.

وتابع: «هاتفت المطرب الزميل واتفقنا على أن نعقد جلسة عمل لكتابة كلمات الأغنية وتنفيذ المشروع، وسجلنا الأغنية بالفعل وأطلقناها عبر المنصات الإلكترونية».

وأكد أن أغنيته «ولا فكرة» حققت نجاحًا كبيرًا فى كينيا، ويسمعها الناس حاليًا فى المقاهى الشعبية، وهذا الأمر أبهره جدًا، لأن الشعب الكينى يحب الاستماع إلى موسيقى محلية ونادرًا ما يرحب بالأصوات الأجنبية.

وقال: «أرى أن سر نجاح الأغنية هو أنها واقعية.. تحدثت عن الغربة التى يعرفها كل بيت فى كينيا، إذ إن كل أسرة ترسل أحد أفرادها للعمل فى دولة أخرى، لإرسال المال، وكل أسرة تعرف معنى الغربة.. الأغنية تتحدث عن هذه المعاناة».

وأوضح: «أقول فى الأغنية (يا ليل حاكم على عينى ماشفش النور.. يا غربة حافرة فى جبينى سنين بتدور.. سنة تجرى تجر سنين.. خطوط ماشية على وشى)، لكن الأغنية ليست محبطة، ففى مقطع آخر يقول المطرب (كيا) بلغته (اصبر يا صاح.. فالغد أحلى)».

وتابع: «أردت توصيل رسالة للأجيال المقبلة، وهى أن الموسيقى قادرة على تقريب وجهات النظر، ونشر المحبة والسلام.. وأن التعاون هو الطريق الوحيد لنجاة البشر».