رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خيل الحكومة.. غالى والتلاوى وشظف العيش

ألف باء إنعاش اقتصاد أي دولة هو زيادة دخل الفرد فيها «أجور ومعاشات» ليتمكن الفرد وأسرته من زيادة استهلاكه ومشترياته، لذلك نرى ارتفاع مستوى الدخول في كل البلدان المتقدمة اقتصاديًا بلا استثناء وسعيها الدائم لتخفيض عبء الضرائب على المواطن (كما حدث أخيرًا في إنجلترا بتخفيض ضريبة القيمة المضافة من 2% إلى 5% فقط.

في مصرنا الحبيبة، ورغم كوارث تبعات كورونا، فإن معدل النمو بها لا يقل عن 7% وهو رقم تحسدنا عليه معظم الدول الكبري التي لا يتجاوز الرقم عندها الـ2%.
لماذا إذن تتدنى عندنا أجور العاملين في مصر؟ ولماذا تنهار المعاشات ولا تتناسب إطلاقًا مع ما يستحقه ويحتاجه المواطن الشريف ليواجه صعوبات المعيشة وقسوة المرض وارتفاع أسعار العلاج والدواء في سنه الكبيرة، خاصة أن تجربة التأمين الصحي الشامل لا زالت تعاني من البيروقراطية الشديدة؟. 

تقول السفيرة ميرفت التلاوي، الوزيرة الأسبق للتأمينات الاجتماعية، إن المشكلة تكمن في سوء إدارة موارد المعاشات الضخمة، وإنها أثناء فترة توليها مقاليد الوزارة استثمرت موارد التأمينات في ثلاث شركات استثمارية ناجحة بنسبة الربع، وهي أول شركة للاتصالات عام 79، وشركة حديد الدخيلة، ومجمع الألومنيوم بقنا، وكانت الأمور تسير إلى الأفضل إلى أن جاءت قوانين الخصخصة وبيع القطاع العام.

قررت الوزيرة شراء باقي الـ75% من شركة الاتصالات وجعلها شركة مساهمة لأصحاب المعاشات، وراهنت على أن ذلك سيزيد دخل المواطن عند بلوغه سن المعاش عن راتبه الأصلي لأنها شركة تحقق أرباحا بالمليارات.. تقدم أحد المستثمرين بعرض لشراء شركة الاتصالات بمبلغ مليار و700 ألف جنيه، فتقدمت الوزيرة بعرض 2 مليار جنيه، لكن الحكومة آنذاك رفضت وباعت الشركة للمستثمر بل وأجبرتها على بيع حصصها في الشركات الأخرى الناجحة.

أصابع الاتهام تشير لوزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي بأنه استولى على المعاشات وأضافها لميزانية الدولة، والحقيقة التي ذكرتها وزيرة التضامن السابقة غادة والي تنفي مسألة الاستيلاء هذه، بل وأكدت سيادتها أن أموال المعاشات موجودة بالكامل دون أي انتقاص.

ولو قرأنا قانون التأمين والمعاشات رقم 79 لسنة 75 سنجده ينص صراحة على أن كل فوائض صناديق التأمينات تحول مباشرة إلى بنك الاستثمار القومى، أى إلى وزارة المالية، وذلك لتمويل الموازنة الاستثمارية للدولة، وهنا لم يكن هناك شىء ليستولى عليه الوزير عندما ضم الصناديق إلى وزارة المالية.
الحقيقة أنه ضم عجز هذه الصناديق إلى عجز الموازنة حتى لا تتأخر المعاشات على المؤمن عليهم تنفيذا لاحكام القانون، حتى الحكم الذي صدر في يونيو الماضي بحبس الوزير الهارب بطرس غالي ثلاثين عامًا، كان لسبب آخر تمامًا، وهو تورطه في تمويل انتخابات الحزب الوطني من خزينه الدولة.

المشكلة تكمن في الاستثمار الأمثل لموارد التأمينات، وحلها لا بد أن يكون سريعًا للغاية حتى لا يشعر المواطن المحال للمعاش بأنه أصبح مثل «خيل الحكومة» يجب قتله بعد خوار قوته ومجهوده.. إنه يعاني من الموت البطئ أمام عجزه ومرضه وحاجته لأولاده ليموت مستورًا وهو يدعو من قلبه على كل من لم يقدروا شيخوخته من الناحية الإنسانية على الأقل.. وللحديث بقية.