رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تغير المناخ.. مخاوف وطموحات

التأثير البشرى السلبى فى النظام المناخى لا جدال فيه. ومع زيادة هجمات الكوارث الجوية، بدءًا من الفيضانات الشديدة وليس انتهاءً بحرائق الغابات، تستضيف مدينة جلاسكو البريطانية، الدورة السادسة والعشرين لقمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، COP٢٦، بمشاركة أكثر من ١٢٠ رئيس دولة وحكومة، من بينهم الرئيس عبدالفتاح السيسى.

أملًا فى إبطاء وتيرة التغير المناخى، ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحرارى، تحمل «قمة جلاسكو» برنامجًا طموحًا، دفع كثيرين إلى وصفها بأنها «نقطة تحول للبشرية»، أو المحاولة الأخيرة لتجنب وقوع كارثة. وتكتسب مشاركة مصر فى تلك القمة أهمية مضاعفة، بعد الإعلان رسميًا عن ترشيحها لاستضافة القمة المقبلة، أو الدورة السابعة والعشرين، ممثلة لقارة إفريقيا، على ضوء الدور المصرى النشط، إقليميًا ودوليًا، فى مفاوضات تغير المناخ.

وفقًا لآخر تقييم للأمم المتحدة، فإن العالم يتجه نحو «ارتفاع كارثى» لدرجة الحرارة يبلغ ٢.٧ درجة مئوية، وفى أفضل الأحوال ٢.٢ درجة مئوية. وهنا تكون الإشارة مهمة إلى أن تجاوز عتبة الدرجتين يعنى تعريض أكثر من ٢٠٠ مليون شخص لـ«موجات حرّ قاتلة»، وإضافة ٨٠ مليونًا إلى المهددين بالجوع، بحسب تقديرات خبراء أممين، شددوا على أن الأسوأ قادم.

تعى مصر جيدًا الخطر الذى يمثله تغير المناخ على كل مناحى الحياة، وعلى مستقبل الأجيال القادمة. وتلبيةً لدعوة رئيس الوزراء البريطانى، بوريس جونسون، الذى تتولى بلاده الرئاسة الحالية للقمة، يشارك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أعمال «قمة جلاسكو». وسيركز، كالعادة، على الموضوعات التى تهم الدول النامية بشكلٍ عام، والإفريقية على وجه الخصوص، وسيجدد تأكيده على ضرورة التزام الدول الكبرى «الغنية» بتعهداتها فى إطار اتفاقية باريس.

أمام الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة السادسة والسبعين، طرح الرئيس السيسى رؤية مصر لأزمة المناخ، وإسهاماتها فى معالجتها، وأشار إلى ما يمثله العمل متعدد الأطراف من أهمية بالغة، تتضاعف مع مرور الزمن، نظرًا لزيادة التحديات وتنامى المخاطر، وظهور مصاعب مستجدة. و«من منطلق مسئولياتنا الأخلاقية المشتركة تجاه الأجيال القادمة، مع أهداف رؤيتنا الوطنية والتزاماتنا الدولية»، أكد الرئيس أن مصر تبذل قصارى جهدها لتعزيز التنسيق إزاء قضايا المناخ تفاديًا للوصول إلى لحظة قد تصعب فيها العودة إلى الأوضاع المناخية الطبيعية بعد أن يكون تغير المناخ قد بلغ مداه، وبات ظاهرة عصية على المعالجة.

مصر، كما قال الرئيس، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقعها الإفريقى، الذى تعتز به كثيرًا، والذى لا يرتبط فقط بموقعها الجغرافى، ولكنه يتصل عضويًا بوجودها. ولأن القارة السمراء، هى أكثر القارات تأثرًا بسياسات الدول الكبرى، المتسببة فى حوالى ٨٠٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، كان طبيعيًا أن تتبنى مصر مطالب دول القارة، التى تتحمل فواتير سياسات، هى ليست شريكة فيها، وأن تركز على المسئولية الأخلاقية للدول الكبرى ومؤسسات التمويل الدولية، التى تفرض عليها دعم الدول الإفريقية فى التحول الأخضر ومواجهة التغير المناخى.

انطلاقًا من تلك المسئولية، أو تسديدًا لديونها، كانت الدول الكبرى «الغنية» قد تعهدت سنة ٢٠٠٩ بتقديم ١٠٠ مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول ذات الدخل المنخفض، بحلول سنة ٢٠٢٠، لكن هذا التعهد لم يتم تنفيذه. كما لم يتم حسم قضايا فنية خاصة باتفاقية باريس، التى توصف بأنها «تاريخية ودائمة وطموحة»، مع أنها لم توقف حماقات، أو سياسات، دول ما يوصف بالعالم الأول، التى قد تنهى الحضارة البشرية، حال استمرارها على ما هى عليه.

بموجب اتفاقية باريس للمناخ، الموقعة سنة ٢٠١٥، التزم كل الدول تقريبًا، على الورق، بخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وحصر الاحترار فى أقل من درجتين مئويتين، وصولًا إلى درجة مئوية ونصف درجة، إذا أمكن، مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية، غير أن باتريشا إسبينوزا، مديرة الشئون المناخية فى الأمم المتحدة، أكدت خلال افتتاح دورة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أواخر يوليو الماضى، أن العالم يسير فى طريق معاكس، قد يؤدى إلى تجاوز عتبة الـ٣ درجات مئوية. 

ما قد يُطمئن قليلًا، هو أن قادة دول «مجموعة العشرين»، الذين اجتمعوا فى العاصمة الإيطالية روما، أمس وأمس الأول، اتفقوا، بحسب مسودة بيان قمتهم الختامى، على حصر الاحترار المناخى بـ١.٥ درجة، وعلى وضع حد لدعم أو تقديم منح تمويل إنشاء محطات طاقة تعمل بالفحم، على المستوى الدولى، بحلول نهاية العام الجارى.

.. وأخيرًا، لا يبقى غير ترجمة هذا الاتفاق إلى إجراءات ملموسة، وإيجاد آلية لمحاسبة الدول الكبرى عن سياساتها أو حماقاتها، والبحث عن وسائل أو «كروت ضغط» تدفعها إلى تقديم خطط جادة تحقق أهداف «قمة جلاسكو»، التى من المقرر أن يتفق عليها القادة والزعماء اليوم وغدًا.