رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تتابع علاج المدمنين من سكان المناطق «بديلة العشوائيات»

علاج المدمنين من
علاج المدمنين من سكان المناطق بديلة العشوائيات

لم يكن نقل سكان المناطق العشوائية مجرد «تغيير محل السكن»، بل كان مشروعًا متكاملًا لـ«حياة جديدة» من جميع النواحى، ومن هنا لم تكتف الحكومة بمجرد منح سكان المناطق غير الصالحة للحياة وحدات سكنية جديدة، بل إنها عملت، إلى جانب ذلك، على تغيير واقع هؤلاء الناس ورعايتهم اجتماعيًا وصحيًا ورياضيًا واقتصاديًا.

ولأننا نعرف طبيعة هذه المناطق، ولا يحتاج الأمر إلى شرح، فإن مشكلة تعاطى المخدرات بين عدد من الأهالى تبدو على رأس تحديات «الحياة الجديدة»، ومن هنا تنفذ وزارة التضامن الاجتماعى أنشطة وبرامج وحملات توعوية مكثفة حول مخاطر الإدمان وتعاطى المخدرات داخل المناطق السكنية الجديدة التى يطلق عليها «بديلة العشوائيات»، التى نفذتها الدولة للنهوض بمعيشة سكان الأماكن الخطرة، وتستهدف تلك الحملات حماية الشباب والمحافظة على صحتهم باعتبارهم كنزًا قوميًا. 

أما كيف يحدث ذلك، فهذا ما ترصده «الدستور» عبر جولة ميدانية فى المناطق الجديدة، مثل أحياء الأسمرات والمحروسة وغيرها، عاينت خلالها جهود الدولة فى تحويل حياة المدمنين من مجرد مرضى يعانون شبح الفقر والمرض وضياع المستقبل إلى أناس يحيون حياة سوية ونافعين.

 

استقبال الحالات داخل العيادات.. برامج طبية متخصصة.. دعم وتأهيل نفسى.. وتوفير فرص عمل
 

أعلنت الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى رئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، عن تنفيذ حملات مستمرة للتوعية بخطر الإدمان فى المناطق السكنية المطورة «بديلة العشوائيات» مثل «الأسمرات والمحروسة وروضة السيدة وبشاير الخير وحى الضواحى بمحافظة بورسعيد».

وقالت «نيفين» إن خطة الكشف المبكر التى يتبناها صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى أسهمت فى علاج آلاف الحالات، ما أسهم فى تراجع ملحوظ فى نسب تعاطى المخدرات بين شباب المناطق بديلة العشوائيات.

من جانبه، قال عمرو عثمان، مساعد وزيرة التضامن مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، إن الصندوق يركز على تقديم البرامج التوعوية بمخاطر الإدمان والتعاطى وآليات العلاج للأسر المقيمة بالمناطق السكنية البديلة للعشوائيات، مشيرًا إلى أن هذه الخدمة من المخطط لها الاستمرار بشكل دورى، لتحقيق التواصل الفعال مع الأهالى بما يسهم فى تحقيق الهدف العام للمشروع نحو تشكيل ثقافة رافضة للمخدرات.

وذكر «عثمان» أنه جرى تنظيم زيارات منزلية لأهالى منطقة حى الأسمرات وصبحى حسين والمحروسة وبشائر الخير وروضة السيدة وحى الضواحى، بهدف التوعية وتشجيع مرضى الإدمان على تلقى العلاج، مضيفًا: «تعتمد منهجية استدامة الأنشطة الوقائية على تدريب متطوعين من المناطق المستهدفة وتدريبهم على آليات الوقاية والاكتشاف المبكر ومهارات الاتصال لنشر رسائل التوعية بين أقرانهم بما يسهم فى إذكاء روح المشاركة المجتمعية بين الشباب».

وأشار إلى أنه جرى تجهيز عيادات تابعة للخط الساخن «١٦٠٢٣» لاستقبال طالبى الخدمات العلاجية بالمناطق المستهدفة وتقديم المشورة وإحالة المرضى لتلقى العلاج فى المراكز التابعة للصندوق أو الشريكة مع الخط الساخن، مع وضع برنامج عمل للفريق العلاجى بالخط الساخن داخل العيادات التى يوجد بها بشكل يومى عدد من الإخصائيين النفسيين المؤهلين لهذا الغرض.

ولفت «عثمان» إلى أن ٨٤٪ ممن تقدموا للعلاج تعرفوا على الخدمة العلاجية من خلال حملات الزيارات المنزلية بما يشير للتأثير الإيجابى لتلك الزيارات، فى حين تعرف ١٦٪ على الخدمة من خلال الوسائط الدعائية، ومنها «إعلانات الطرق» بتلك المناطق.

وخصص الصندوق عيادة للسيدات ونجح فى تغيير حياتهن، حيث أقبلن على طلب الخدمة، وجرى تحويل الحالات للمراكز العلاجية المتخصصة، وتخرج أكثر من دفعة من المتعافيات. وقال مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى إن الصندوق يركز على العلاج بالعمل على إعادة دمج المتعافين مرة أخرى فى المجتمع وهى خطوة مهمة لتحويل الشخص المدمن إلى منتج وفعال، وهو ما يمكنه من الحصول على فرصة عمل بعد انتهاء برنامج العلاج. وأضاف: «خير مثال لذلك مركز العزيمة فى محافظة المنيا الذى يضم ورش تدريب تساعد المتعافين على الصناعة والعمل والإنتاج، حيث نجح العاملون بتلك الورش فى تصميم وتنفيذ الأثاث الخاص بمركز جديد لعلاج مرضى الإدمان من المقرر افتتاحه قريبًا بمحافظة قنا». وتضم عيادة صندوق علاج الإدمان إخصائيين نفسيين وأطباء لعلاج الإدمان، لوجود حالات مزدوجة تعانى من الإدمان والأمراض النفسية معًا.

كما يتابع الصندوق الحالات بعد علاجها منعًا للانتكاسة، حيث يجرى تنظيم زيارات منزلية للمتعافين ٣ مرات أسبوعيًا. وقال «عثمان» إن الخبرة الإكلينيكية أثبتت نجاح جلسات العلاج الجماعى كمكون أساسى فى برنامج علاج الإدمان، حيث يلعب العلاج الجماعى دورًا فعالًا فى مساعدة المرضى على التخلص من التعاطى والإدمان ومنع الانتكاسة.

متطوعو صندوق مكافحة الإدمان والتعاطى: حصلنا على تدريب مكثف

قالت فاطمة صوفى، من سكان حى الأسمرات، متطوعة فى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى منذ عام، إنها تدرس بكلية الآداب قسم علم النفس بجامعة حلوان، وتطوعت للعمل الاجتماعى منذ فترة طويلة، وجذبتها فكرة الصندوق وجهوده فى تقديم العلاج المجانى بالسرية التامة للمدمنين، مشيرة إلى أن كل من يعمل فى الكيان هدفه الوحيد علاج المرضى دون مكسب أو مصلحة.

وأضافت أن تقديم العلاج مجانًا جعلها تفكر فى إمكانية أن يستفيد أهل منطقتها «الأسمرات» من هذه الجهود التى يقدمها الصندوق، بفضل دوره الإيجابى فى توعية الشباب، موضحة أنها شاركت فى جهود الصندوق خلال حملة توعية فى حى الأسمرات، وخضعت التدريب على يد متخصصين، واكتسبت مهارات التواصل مع الناس، وأجرت جولات مع الصندق فى أماكن كثيرة فى الحى.

وذكرت أن والدتها كانت قلقة من تعاملها مع المدمنين، لكنى تمسكت بالتجربة ونجحت فى التعامل معهم وأصبحت همزة وصل بينهم وبين الصندوق، لافتة إلى أنه من خلال الحملات والزيارات المنزلية، يجرى تعريف أهل الحى بالصندوق والخدمات المقدمة لهم، ومكان ومواعيد العيادة والتعامل مع الخط الساخن وطرق العلاج، وغيرها من الاستفسارات الأخرى.

من جانبها، قالت سماح مبارك، من قاطنى منطقة المحروسة متطوعة بالصندوق منذ ديسمبر الماضى، إنه بعد انتقالها إلى الحى الجديد، سمعت عن فتح باب التطوع بالصندوق، وكانت الفرصة التى انتظرتها كثيرًا لمساعدة شباب منطقتها، بهدف تغيير السلوكيات السلبية التى يعانى منها البعض. وعملت «سماح» على نقل أو استخدام كل الوسائل التى تدربت عليها فى التعامل مع سكان الحى فى التوعية بمخاطر الإدمان؛ لتقليص حجم الظاهرة داخل المجتمع، مضيفة: «نحن نعمل بكل قوة لمحاربة التدخين والمخدرات لتصبح مصر بلدًا قويًا بشبابه».

أسر متعافين: الدولة أنقذتنا.. و«الحال بقى أحسن بكتير»

قالت عزة، ١٥ عامًا، ابنة أحد المتعافين، إنها الابنة الوحيدة لوالدها، حيث عاشت معه أيامًا صعبة، موضحة: «كان غريب السلوك والتصرفات، يعاملنى بقسوة ويضربنى طوال الوقت، ولم يفكر لحظة فى حالى، كان كل تفكيره هو الحصول على المال من أجل شراء المخدرات ولا يلتفت لأكلى أو متطلباتى».

وأضافت: «كان والدى يغيب عن المنزل فترات طويلة ويتركنى وحدى، لكن الآن وبعد علاجه، من خلال صندوق علاج الإدمان، أصبح مختلفًا تمامًا وتغيرت سلوكياته عما كانت عليه وهو مدمن، ونفسى أبويا يفضل فى صندوق علاج الإدمان ويتعالج، الحمد لله هم أصحاب فضل كبير فى علاجه، وأتمنى لوالدى فى الأيام المقبلة أن يكون فى أفضل حالاته».

وقالت منى، والدة أحد المتعافين: «مصطفى ابنى الوحيد ولديه أخوات بنات، بدأ رحلة تعاطى المخدرات منذ سنوات والسبب فى ذلك أصدقاء السوء الذين كان يخرج معهم كثيرًا وينفق كل أمواله فى التعاطى، ويعود للمنزل يوميًا فى ساعات متأخرة، ولاحظت مع مرور الوقت أن أحوال ابنى تغيرت، سواء فى مظهره أو فى صحته، فقد اعتاد النوم فترات طويلة، ومن هنا بدأ الشك يتسلل إلى قلبى، فتوجهت به لأحد الأطباء الذى أكد لى أن ابنى يمر بحالة نفسية سيئة، وتأكدت بعد ذلك أنه مدمن مخدرات، بعد أن رآه أحد أقاربنا وهو يتعاطاها فى الشارع». وأضافت: «اتجهت به إلى عيادات كثيرة لعلاجه ونصحنى الأطباء بعلاجه فى المنزل، وبدأت معه مرحلة العلاج فى المنزل، التى استمرت لمدة عامين ولم يتحسن، اتجهت بعد ذلك لمستشفى المطار، حيث نصحنى أحد أقاربى بالذهاب له، وتم وضعه على قائمة الانتظار، ورفض ابنى أن يتوجه إلى المستشفى، لكن فى أحد الأيام قرر أن يتخلص من هذا الكابوس ويتعافى من الإدمان». وواصلت: «ابنتى تعيش فى منطقة المحروسة بعد نقلها من إحدى المناطق العشوائية، وقالت لى إن هناك مركزًا فى المنطقة لعلاج الإدمان، وقد كانت بداية علاج ابنى من خلال صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وأصبح إنسانًا آخر، بعد العلاج فى مركز العزيمة، وذلك بفضل من الله ومن خلال كل العاملين فى المركز الذين قدموا له الدعم النفسى والمساعدة».

متعافون: تغيرنا للأفضل الآن بفضل حملات طرق الأبواب.. والأمر ليس صعبًا بشرط الإصرار على النجاة

محمود عبدالفتاح، أحد المتعافين من تعاطى المخدرات بمنطقة الأسمرات، بمساعدة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، قال: «كنت مدمنًا لمدة ٢٥ عامًا، وبدأت التعاطى كتجربة لأعرف تأثير المخدرات، ثم أصبح الأمر عادة لا أستطيع التوقف عنها، وخسرت أموالى وأهلى وأصدقائى.. فاتخذت قرارًا بطلب المساعدة».

وأضاف «عبدالفتاح»: «بمجرد اللجوء إلى الصندوق، تواصل معى عدد من المتطوعين، وشرحوا لى كيفية التواصل مع العيادة التابعة للصندوق بحى الأسمرات، وبعدها جرى تحويلى إلى مركز العزيمة بالبحر الأحمر، وقضيت فيه أحلى أيام عمرى وأصبحت إنسانًا جديدًا».

وتابع: «الآن أنا متعافى منذ ١٠ أشهر، أصبحت أقوى من الإدمان؛ لأننى أردت التعافى بصدق.. وحينما أفكر فى التعاطى من جديد أتواصل مع الأطباء التابعين للصندوق حتى أتجاوز الأفكار السيئة. وحاليًا أؤدى دورًا مهمًا، هو نقل تجربتى لجميع المتعاطين كى يدركوا أن التعافى ليس أمرًا صعبًا».

وأشار إلى أنه سيتقدم للحصول على قرض من بنك ناصر بمجرد إتمام عام دون تعاطى المخدرات، لشراء سيارة أجرة للعمل عليها، حتى يتخلص من الضغوط المادية التى تدفع الشخص عادة للتعاطى.

وقال مصطفى أشرف، ٢٣ عامًا، متعافى من الإدمان منذ ٤ أشهر، إنه استمر فى التعاطى لمدة ٥ سنوات، موضحًا: «نشأت فى منطقة المحروسة، وتعرفت على المخدرات وأدمنتها، ولم أتخيل فى يوم أننى سأقلع عن هذه العادة المؤذية».

وأضاف «أشرف»: «حاولت الإقلاع عن التعاطى أكثر من مرة، لكننى فشلت؛ لأننى كنت أفعل ذلك بمفردى وبشكل غير علمى، وتغيرت حياتى بسبب حملات الزيارات المنزلية التى ينفذها الصندوق».

وأشار إلى أن الأهل والأصدقاء ابتعدوا عنه بسبب الإدمان، مؤكدًا أن جميع علاقاته بأهله تحسنت بعد التعافى.

ولفت إلى أنه كان يريد أن يترك مركز العلاج فى البداية، لأنه لا يطيق العزلة، وبعد صبر وإصرار ابتعد عنه الاكتئاب، وفوجئ بأنه يستيقظ صباحًا مرتاح النفس والجسد، وبأن من حوله أصبحوا يحترمونه ويحبونه لأنه انتصر على المخدرات.

وأكد أن المخدرات مجرد وهم كبير، موجهًا نصيحة للمتعاطين: «لا تتخلوا عن الأمل أبدًا.. صدقونى يمكنكم الإقلاع عن الإدمان نهائيًا».

أما مصطفى جمعة، ٣٢ عامًا، متعافى منذ ٤ أشهر، فقال إنه أدمن لمدة ١٢ عامًا، مشيرًا إلى أن التعاطى بدأ بالحشيش ثم تفاقمت الأزمة حينما تعاطى الهيروين.

وأضاف «جمعة»: «نشأت فى منطقة اللبان، وهى منطقة عشوائية، من السهل الحصول على المخدرات هناك، وحينما انتقلت إلى منطقة البشاير ابتعدت عن أصدقاء السوء، واستطعت التحكم فى حياتى أخيرًا».

وتابع: «كان الجميع يرفضون التعامل معى حينما كنت مدمنًا، وكان أهلى يعتبروننى (الفرع المايل فى العيلة)، وبعد التعافى تغيرت نظرتهم تجاهى، وأصبحوا يثقون بى».

ولفت إلى أنه عرف بوجود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان من خلال حملات الدعاية التى تنفذ فى منطقة البشاير، وأشار إلى أنه كان يائسًا ولا يتخيل أنه سيتجاوز هذه الأزمة.

وأوضح: «خسرت كل أموالى، وكنت أخشى أن يكون العلاج عن طريق الصندوق بمقابل مادى كبير، كما رأيت من قبل فى مراكز خاصة لعلاج الإدمان، وفوجئت بأن العلاج مجانى، بما يشمل السفر إلى محافظة مطروح».

وذكر محمد خميس، ٣٢ عامًا، أدمن تعاطى المخدرات منذ ٢٠ سنة، وتعافى من التعاطى منذ ٤ أشهر- أنه أدمن بسبب الضغوط الأسرية.

وقال: «نشأت فى منطقة غيط العنب، وهى بيئة ساعدتنى بشكل كبير على الإدمان، وبعد أن جرى نقلنا إلى منطقة بشاير الخير تغيرت حياتى للأفضل، فتواصلت مع صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، عن طريق حملات طرق الأبواب، وبدأت رحلة العلاج، وأنا سعيد لأننى استطعت التوقف عن الإدمان».

وتمنى أن يحاول كل شاب متعاطٍ البحث عن العلاج، مختتمًا: «الحياة غالية جدًا، والتفريط فيها حرام».