رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وجيش رقمى بريطانى

فى خطوة تأخرت كثيرًا، قررت بريطانيا دخول سباق التسلح الرقمى، وأعلن وزير دفاعها بن والاس، أمس الأول الأحد، عن اعتزام حكومته إنشاء «مركز حرب رقمية»، قادر على إطلاق الهجمات الإلكترونية ضد قوى وصفها بأنها معادية، لم يذكر منها غير روسيا. ما يعنى أننا قد نشهد، قريبًا، أحداثًا مثيرة فى هذا السباق، أو فى حرب التكنولوجيا الباردة.

آلاف من الخبراء والمحللين سيتم توظيفهم فى هذا المركز، أو سينضمون إلى هذا الجيش، الذى قدرت وكالة «بى إيه ميديا» تكلفة إنشاء مقر قيادته بـ٥ مليارات جنيه إسترلينى: حوالى ٦.٧ مليار دولار. وتوقعت جريدة «صنداى تلجراف» أن يتحدث بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، عن هذا المركز، خلال أيام فى خطابه الرئيسى أمام مؤتمر حزب المحافظين.

فرنسا دخلت السباق منذ خمس سنوات تقريبًا، وقامت وزارة دفاعها بتشكيل قيادة للعمليات المعلوماتية باسم «سايبركوم» تحت مسئولية قيادة الأركان، وبحلول سنة ٢٠١٩ صار لدى الجيش الفرنسى ٢٦٠٠ مقاتل رقمى. كما تسعى روسيا، منذ سنوات، إلى توفير بنية تكنولوجية معلوماتية وطنية خالصة، حفاظًا على سيادتها الرقمية. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن مصطلح، أو مفهوم «السيادة الرقمية»، ظهر لأول مرة فى تقرير أصدرته الحكومة الصينية، سنة ٢٠١٠، أوصى بضرورة وجود سيطرة حكومية كاملة على بياناتها وبيانات مواطنيها.

يُقال إن الصين وروسيا متقدمتان فى السباق، وكثيرًا ما تم اتهامهما بشن حروب إلكترونية. ومع أن البلدين ينفيان تلك الاتهامات، إلا أن عددًا من المسئولين الأمريكيين يصرّون على توجيهها، ويزعمون أن المجموعة التى تقوم بتنفيذ الهجمات مرتبطة بالمخابرات الصينية أو الروسية. وخلال إفادات سرية، وجّه عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى أصابع الاتهام إلى البلدين، خاصة روسيا، بشأن الهجوم على شركة «سولار ويند»، التى تدير وتتحكم فى برامج إدارة شبكات يستخدمها معظم الشركات الأمريكية الكبرى ومجموعة من الوكالات الحكومية.

صباح ٨ يونيو الماضى، مثلًا، تعطلت المواقع الإلكترونية الرسمية للبيت الأبيض والحكومة البريطانية، و«بى بى سى»، «سى إن إن»، «أمازون»، «بلومبيرج»، «فاينانشيال تايمز»، «الجارديان»، و.... و... ومواقع إخبارية أخرى عديدة، تابعة لمؤسسات إعلامية كبيرة فى دول مختلفة. وقيل إن الخلل، الذى تأثرت به مواقع فى ٨٢ منطقة، مصدره شركة «فاستلى» الأمريكية، وهى مزود «خدمة سحابية»، تساعد فى تحسين أوقات التحميل لمواقع الإنترنت، وتدعم المواقع والتطبيقات الإخبارية، التى تعطلت، كما توفر أيضًا خدمات توصيل المحتوى لـ«تويتش» و«بينتريست» و«HBO ماكس» و«هولو» و«ريديت» و«سبوتيفاى» وغيرها.

الحادث الذى بات معروفًا باسم «Error ٥٠٣» حبس أنفاس العالم، وأعاد إلى الأذهان، هجمات إلكترونية عديدة، كان أبرزها استهداف أكبر شركة أمريكية لتعليب اللحوم، وشركة طاقة كبرى مسئولة عن توزيع نصف إمدادات الوقود فى الساحل الشرقى الأمريكى. والأكثر خطورة، كان ذلك الهجوم الذى تعرضت له شركة «سولار ويند». وفى مواجهة ذلك، أو فى محاولة لمواجهته، أعلنت وزارة العدل الأمريكية عن استخدامها بروتوكولات مواجهة الأنشطة الإرهابية فى مكافحة الجرائم الإلكترونية، وطالبت باستخدام جميع الأدوات الموجودة فى ترسانتها.

حتى وقت قريب، كنا نتابع سباق التسلح الرقمى، من مقاعد المتفرجين. لكن الوضع اختلف، بجهود علماء وخبراء، قاموا باختبار وتطوير وسائل دفاعية وهجومية، لتعظيم قدراتنا على مواجهة أى تهديد أمنى، وفرض سيادتنا الرقمية. وعلى عمق ١٤ مترًا، فى «مكانٍ ما» من أرض مصر، صار لدينا عقل جامع لبيانات الدولة، يضم منظومة ضخمة من الخوادم، محفوظة بشكل آمن وسرى، وتتمتع بأعلى درجات التأمين والحماية. بالإضافة إلى منظومة خوادم بديلة، فى مكان مجهول آخر، تقوم بدور العقل البديل، حال حدوث أى طارئ أو مشكلة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن احتمالات التصعيد فى الحروب الرقمية، أكبر منها فى الحروب التقليدية، لأن غالبية الدول المستهدفة، أو التى جرى استهدافها إلى الآن، تجد صعوبة فى تحديد الطريقة المناسبة للرد على أى هجوم إلكترونى، ما قد يقود إلى انتقال الحرب من العالم الافتراضى إلى أرض الواقع أو بحره وسمائه.