رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحث: إلغاء أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية سيغير منطقة الباسيفك

محمد حسن الباحث بالمركز
محمد حسن الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

قال محمد حسن الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن إلغاء أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية لصالح أمريكا، هو أمر بمثابة إعلان عن ترتبيات أمنية جادة في منطقة الباسيفك (المحيط الهادي)، برعاية المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين الذي قادوا محادثات سرية طيلة 18 شهراً مع كانبيرا ولندن لرسم واقع جيوسياسي جديد في هذه المنطقة.

وأضاف محمد حسن في تصريح لـ"الدستور"، أن هذه المنطقة تشهد انطلاقة صينية على المستوي العسكري التكتيكي، وآلة الحرب البحرية والمستوي الاستراتيجي الرامي لفرض هيمنة بكين على هذه المنطقة الحيوية التي ترتبط بصورة مباشرة بالأمن القومي الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. 

وأكد الباحث بالمركز المصري أن الترتبيات الأمنية الجديدة في هذه المنطقة ليست وليدة خيال المخططين العسكريين الأمريكيين، بل نتيجة لوضع إدارة الرئيس جو بايدن الصين كأحد أهم منافسي وخصوم الولايات المتحدة على الهيمنة العالمية، حيث اعتبرت وثيقة الأمن القومي الأمريكي المنشورة في مارس الماضي، الصين خصم رئيسي محتمل للولايات المتحدة ومهدد لاستقرار النظام والاقتصاد العالمي المفتوح. 

وتابع: “كما شكلت إدارة بايدن فريقاً عمل في البنتاجون مكلف بمراجعة للمقاربة الاستراتيجية العسكرية للمخاطر التي تشكلها بكين، بالنظر في مجالات حيوية تشمل المخابرات والتكنولوجيا والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وتزامنت المراجعة مع عدة مراجعات أخرى يقوم بها البنتاجون بالفعل وتتراوح بين القوات المنتشرة في الشرق الأوسط وحتى السياسة تجاه حلف شمال الأطلسي”.

وأشار محمد حسن إلى أن ما يعطينا لمحة عن حجم التغير في النظرة الأمريكية لانتشارها العسكري وأولوياتها على المسرح الدولي، الذي أفضي بدوره لهزة عنيفة في النظام الدولي، لازالت تتردد أصداؤها حتي اللحظة وظهرت في الانسحاب من أفغانستان ولاحقا العراق، وتخفيف انخراطها في الشرق الأوسط عموما.

رد فعل فرنسا على الخطوة الأسترالية

بالنسبة لردود الفعل الفرنسية على الخطوة الأسترالية، أكد أنها ستؤثر على العمل الجماعي الأوروبي (الاتحاد الأوروبي + ناتو)، لأن ما يحدث في دوائر الحكم في باريس الآن يقترب من كونه "زلزال"، نظراً للقيمة المالية للصفقة التي وصلت لـ 56 مليار يورو، والتي وُصِفت بأنها صفقة القرن، فضلاً عن التحرك الأحادي للثنائي "الولايات المتحدة + بريطانيا" بعيداً عن فرنسا، في منطقة تحتل جزءا من مخيلة صناع القرار الاستراتيجي في فرنسا "الاندو باسيفك".

وأوضح الباحث في المركز المصري أن فرنسا كانت الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تبني استراتيجية للمحيط الهندي والهادئ في 2018، حيث استمرت في إقناع ألمانيا والاتحاد الأوروبي بأسره بأن يحذو حذوها، لذلك استبعاد فرنسا من الترتبيات الأمريكية لا يتسبب في تداعيات اقتصادية تطال قطاع الصناعات الدفاعية الفرنسية، بل يصل لمجمل السياسات الدفاعية لفرنسا ونظرتها لمحيطها الغربي وشبكة تحالفتها الاستراتيجية. 

وأضاف: "من الصعب القول أن فرنسا قد تقدم على تشكيل قوة أوروبية تضعف الناتو، حتي مع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان الذي ألمح لوجود تداعيات على حلف الناتو جراء هذه "الطعنة"، لكن من الممكن أن تدخل فرنسا في شبكة تحالفات مع كل من باكستان والهند تحديداً عبر ملف البني التحتية والطاقة والأمن والدفاع، بما يضمن لها موقعها الطموح كلاعب في منطقة الاندو باسيفك".

ولفت إلى أن هذه التحركات قد تتم بمعزل عن المظلة الأوروبية، لذلك قد يبدوا أكثر المتضررين من الترتبيات الأمنية الأمريكية الأخيرة هما الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وليست فرنسا وحدها خاصة إذا ما نظرنا إلى التوتر والاهتراء في العلاقات بين واشنطن وبروكسل والناتو والذي ظهرت أوجهه في الانسحاب من لأفغانستان دون مشورة كافية مع الدول الاعضاء والحلفاء. 

ونوه محمد حسن بأن فرنسا هي القوة الأوروبية النووية الوحيدة حالياً، كما أنها لديها حاملات طائرات تعمل بالطاقة النووية، ما يعني أن فرنسا تنوي التحرك قياساً على هذه الأصول العسكرية "الاستراتيجية" وليس أقل من ذلك، كما أن الانسحاب الفرنسي من الساحل والصحراء سيدفع باريس للتعبير عن قوتها في منطقة أخرى من العالم، للتأكيد على كونها لاعبا دوليا لا يمكن تجاهله.

تداعيات تحالف أوكوس الثلاثي على توازن القوى

وأضاف: "سيؤثر التحالف الثلاثي (أوكوس)  بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا على توازنات القوي في المحيط الهادئ والهندي، فالتحالف الثلاثي مصوب بالأساس ناحية الصين، ويجىء في وقت يعاني فيه مجمع الصناعات الدفاعية الامريكية من حالة خمول، نظرا للاقتطاع الذي حصل في الميزانية الدفاعية (2%) نتيجة لسياسات إدارة بايدن، ما أثر على خطط تلبية احتياجات البحرية الامريكية خلال السنوات الاربع المقبلة".

وكشف الباحث بالمركز المصري عن أن حاملة الطائرات الأمريكية الوحيدة التي كانت مهمتها مواجهة الصين "رونالد ريجان" تم تحريكها باتجاه بحر العرب لتغطية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتباعا تُركت القوات البحرية الأمريكية في مواجهة الصين بدون حاملة طائرات لأول مرة.

سبب اتجاه أستراليا للغواصات الأمريكية

واعتبر أن أستراليا فضلت التقنية العسكرية الأمريكية لأنها ستزودها بقدرات نووية، حتي وإن كانت الغواصات الحالية خالية من حزم تسليحية نووية إلا أن بمقدورها في المستقبل أن تحصل على تطوير يمكنها من حمل رؤوس نووية، فضلاً عن القيمة المضافة لهذه الأسلحة في تثبيت أستراليا لاعبا إقليميا وسط منافسة من اليابان والهند.