رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الملعقة.. والبانوبتيكون!

الملعقة، كما تعرف طبعًا، من أدوات المطبخ الأساسية. وتكون مصنوعة من الخشب أو الفخار أو البلاستيك أو الفولاذ غير القابل للصدأ، المعروف باسم «ستانليس ستيل»، ومنها المصنوع من الفضة أو الذهب. وبالإضافة إلى تناول الطعام وتوزيعه، وتقدير كمية السكر أو الدواء، لها استخدامات متعددة، ليس من بينها حفر الأنفاق، واختراق أسوار السجون المحصنة والمزودة بأحدث أجهزة الرقابة والاستشعار والكاميرات الحديثة، كسجن «جلبوع» الإسرائيلى.

فى قلب ساحة معركة عين جالوت التاريخية الشهيرة، أقيم «سجن جلبوع»، الذى يوصف بـ«الخزنة الحديدية»، بإشراف خبراء أيرلنديين، اعتمدوا فى تصميمه على نظام الـ«بانوبتيكون»، Panopticon،‏ الذى وضعه الفيلسوف الإنجليزى جيريمى بنثام، فى أواخر القرن الثامن عشر، والذى يسمح لعدد قليل من المراقبين بمراقبة جميع السجناء. 

خبراء كثيرون أكدوا أن هذا السجن، الذى تم افتتاحه سنة ٢٠١٤، عبارة عن صندوق مسلح، أكثر تحصينًا من خزينة البنك المركزى الإسرائيلى. وأشاروا إلى أن الإجراءات الأمنية المتبعة داخله، تمنع السجناء من مجرد محاولة خدش حوائطه أو أرضياته أو نوافذه، التى يتم فحصها ٣ مرات يوميًا. وبالتالى، طرح هروب ستة من نزلاء ذلك السجن، ألغازًا عديدة، تبدأ بكيفية حفرهم هذا النفق الطويل بـ«ملعقة»، ولا تنتهى بطريقة إخفائهم التراب الناتج عن الحفر؟!.

رسميًا، لم يتم الإعلان عن تفاصيل حفر ذلك النفق، إلى الآن، وما زالت التحقيقات مستمرة. أما المتداول فهو مجرد اجتهادات أو استنتاجات نشرتها صحف عبرية وتناقلتها عنها وسائل الإعلام الأجنبية والعربية. ولم يشذ عن رواية «الملعقة» غير موقع «واى نت»، التابع لجريدة «يديعوت أحرونوت»، الذى ذكر أن الهاربين استخدموا «عمود سرير» فى حفر النفق داخل «حمام الزنزانة»، وأن طبيعة أرضية المرحاض ساعدتهم على الحفر بشكل سريع. 

خرجت رواية «الملعقة» من جريدة «جيروزاليم بوست » التى زعمت أن الهاربين الستة كانوا معًا فى الزنزانة نفسها، واستخدموا ملعقة طعام صدئة، كانوا يخفونها خلف ملصق وكانت وسيلتهم فى حفر نفق تحت حمام الزنزانة وتمكنوا من الخروج عبر بئر الصرف الصحى للسجن. ولاحقًا قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن هناك تحقيقات بشأن تورط سجانين إسرائيليين. ونقلت الهيئة عن تحقيقات أولية أن كاميرات المراقبة فى أبراج المراقبة رصدت لحظة خروج الهاربين من فتحة النفق، لكن الحراس فى غرفة المراقبة لم يلاحظوا ذلك. إضافة إلى أن حارسة البرج القريب من تلك الفتحة، بحسب التحقيقات الأولية، كانت نائمة، ولم تلاحظ عملية الهروب!.

رواية أكثر منطقية قالها أريك يعقوب، قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلية، الذى قال إن الهاربين استغلوا عيبًا تخطيطيًا فى مبنى السجن، ورجح أن تكون الفتحة التى هربوا منها فجوة أو فراغات فى أساسات المبنى، وليست نفقًا بالمعنى الحرفى. فى حين أشار عومر بارليف، وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى، إلى أن عملية الهروب كانت مخططة بشكل دقيق للغاية، وأنه من المحتمل أن تكون هناك مساعدة خارجية. ولدى تفقده السجن، تعهد بارليف بإلقاء القبض على الهاربين: «سيستغرق الأمر يومًا أو يومين، أسبوعًا أو أسبوعين، لكن سيتم القبض عليهم فى النهاية».

احتمال وجود مساعدة خارجية، أكدته جريدة «هآرتس»، التى نقلت عن جهاز «الشاباك» أن السجناء نسقوا مع أشخاص خارج السجن باستخدام تليفون محمول مهرب، وكانت لديهم سيارة فى انتظارهم. كما ذكرت الجريدة الإسرائيلية نفسها أن المكتب الهندسى الذى أشرف على تصميم وبناء سجن جلبوع، نشر الخريطة الهندسية للسجن على شبكة الإنترنت منذ فترة. 

خمسة من الهاربين الستة ينتمون لـ«حركة الجهاد الإسلامى»، التى وصفت عملية الهروب بـ«العمل البطولى الكبير»، وأكدت أنه «أحدث هزة شديدة للمنظومة الأمنية الصهيونية وشكل صفعة قوية لجيش الاحتلال». كما جرى التركيز على دراسة عنوانها «الصياد والتنين» تناولت ٥٠ عامًا من ملاحقة إسرائيل للمطلوبين الفلسطينيين، وحصل عنها زكريا الزبيدى، أحد الهاربين، على درجة الماجستير فى جامعة بيرزيت، قبل فترة وجيزة من اعتقاله مع صديقه المحامى طارق برغوث لاتهامهما بـ«التورط والتخطيط لأنشطة جديدة» تستهدف إسرائيليين.

.. أخيرًا، وسواء تم حفر النفق بالملعقة الصدئة أو بعمود السرير، أو بأى طريقة أخرى، معقولة أو منطقية، فإن هروب السجناء الستة، أحدث حالة شديدة من التوتر داخل السجون الإسرائيلية، فقد على إثرها كل السجناء ما اكتسبوه من حقوق قليلة، طوال سبعة عقود، بمعارك الأمعاء الخاوية أو بغيرها. ومن بيان أصدره «نادى الأسير الفلسطينى»، أمس الثلاثاء، عرفنا أن نزلاء سجن جلبوع تم نقلهم إلى سجون أخرى، وأن إدارة سجون الاحتلال فرضت عليهم، وعلى غيرهم، مزيدًا من الإجراءات العقابية أو الانتقامية. وعليه، طالب «النادى» المؤسسات الحقوقية الدولية، بتكثيف جهودها فى متابعة أوضاع هؤلاء السجناء. ولا نعتقد أن مطالبته ستلقى استجابة.