رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

 حكم نهائي: الأجهزة الإدارية والطبية تتمتع بسلطات مطلقة في ظل الجائحة الوبائية

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى

مع ظهور الخلاف بين دول العالم خاصة أوروبا حول مدى جعل التطعيم ضد فيروس كورونا إجباريا حيث أجبرت العديد من الدول مثل إيطاليا وفرنسا واليونان وتركمانستان مواطنيه على الحصول على اللقاح؛  على الجانب الآخر توجد دول جعلته اختياريا مثل ألمانيا وبلجيكا وسويسرا،  أما فى مصر فقد أصبح التطعيم بلقاح فيروس كورونا إجباريًا لكل من له صلة بالعملية التعليمية فى الجامعات والمدارس لهيئة التدريس والطلاب والعاملين لمواجهة تفشي الموجة الرابعة لفيروس كورونا المستجد وتحوراته، توخيا للحذر من انتشار فيروس دلتا بلاس في الفترة القادمة.

وفى هذا الصدد أصدر القضاء المصري حكما نهائيا نادراً على مستوى العالم يعالج هذه المسألة.

تفاصيل الحكم

أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة حكما بمنح أجهزة الدولة الإدارية والطبية بسلطات مطلقة في ظل ظروف الأوبئة العامة حفاظاً على النظام الصحي العام، ومشروعية قيام الإدارة الطبية البيطرية عام 2007 بإعدام أربعة آلاف بطة عمر شهر وخمسمائة دجاجة بلدي عمر خمسون يوم، كانت إحدى الأسر بقرية بمحافظة البحيرة  تقوم بتربيتها في مكان خاص بمنزلها، وما خلفته إنفلونزا الطيور من اتصال بالطيور المريضة بالأسرة مما قد يصيب البشر بسلالة H5N1.

فيما أيدت المحكمة قرار الحكومة المصرية بإعدام الطيور الحاملة لفيروس أنفلونزا الطيور، وإزالة كافة العشش والحظائر المخصصة لتربية الطيور بالمنازل غير المرخصة، حرصاً لعدم انتشار فيروس المرض وحفاظاً على الصحة العامة، وقد أصبح هذا الحكم نهائياً وباتاً بعدم حصول الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بشهادة من جدولها 2021.
القصة ترجع إلى لجوء إحدى الأسر المصرية بقرية بمحافظة البحيرة إلى محكمة دمنهور الابتدائية فى عام 2007 طالبة تعويضها بمبلغ 150.000 ألف جنيه تعويضا لها عن قيام الإدارة الصحية مع الإدارة البيطرية بإعدام ما تقوم به من تربية طيور مصابة بإنفلوانزا الطيور على سند من الحفاظ على الصحة، وخشية انتقال المرض للمواطنين. وظلت الدعوى تتداول بمحكمة دمنهور الابتدائية طوال 4 سنوات، وفى عام 2011 قضت محكمة دمنهور الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية للاختصاص.

 ثم اُحيلت لهيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى وظلت بها حتى 2015، بعدها حددت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية جلسة عاجلة في يناير عام 2015، وأصدرت المحكمة حكمها المتقدم فى فبراير 2015، والذى لم يتم الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا فأصبح نهائيا وباتا.
أكدت فيه محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أن  أجهزة الدولة الإدارية والطبية تتمتع بسلطات مطلقة فى ظل ظروف الأوبئة العامة حفاظاً على النظام الصحي العام، وأنه من حق الدولة وأجهزتها الطبية والإدارية فى ظل ظروف الأوبئة العامة التمتع بالإجراءات الاستثنائية دون التقيد باللوائح العادية، فى أوقات الجائحة العالمية تحل المشروعية الاستثنائية بديلاً للمشروعية العادية درءاً للمخاطر وحفاظاً على النظام الصحي العام في المجتمع.

قرارات مشابهة من منظمة الصحة العالمية
ذكرت المحكمة أن منظمة الصحة العالمية اتخذت خطوة جادة للحفاظ على الصحة العامة عندما اعتمدت بالإجماع 194 دولة في جمعية الصحة العالمية «إطار التأهب لـ جائحة الإنفلونزا» في 24 مايو 2011. 

وهو ما يعد مجهودًا عالميًا من أجل رفع مستوى التأهب والاستجابة لجائحة الإنفلونزا، و في 11 يونيو 2009

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن سلالة جديدة من فيروس إنفلونزا الخنازير (H1N1) أصبحت تعد وباءً عالميًا، وأن الدولة المصرية تلتزم بأعلى درجات المعايير الدولية التي قررتها الأمم المتحدة فى مؤتمرها العالمي الثالث المنعقد بسنداي اليابان مارس 2015 للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 في الدورة الرابعة والسبعون، وما قررته الأمانة العامة للأمم المتحدة في قرارها 73/230 ببناء القدرة على مجابهتها، بل وتتميز مصر بالطابع الاجتماعى فى المساهمة الفعالة للتخفيف عن المواطنين.

ويظهر فى هذه القضية مساهمة الحكومة وتحملها جزء من الخسائر بواقع ثلاثة جنيهات عن كل طائر عن طريق بنك التنمية والائتمان الزراعي، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية سبق أن أعلنت اعتبار مرض أنفلونزا الطيور من الأمراض الجائحة الوبائية من قبل.
وأشارت المحكمة إلى أنه نظراً لتزايد أعداد المزارع المصابة بمرض فيروس أنفلونزا الطيور ببعض المحافظات عام 2007، وفى محاولة لمواجهة هذا المرض والحد من انتشاره وذلك حتى لا يتمحور الفيروس المسبب لهذا المرض وينتقل من إنسان لآخر دون أن تستطيع الدولة بكافة أجهزتها السيطرة عليه، فإنه يتعين إزالة الأسباب المؤدية إليه بعدما تبين أنه ناتج عن مخالطة الإنسان للطيور أو مخلفاتها، لذا أقدمت الحكومة على إزالة كافة عشش وحظائر تربية الطيور غير المرخصة والبعيدة عن إشراف ومتابعة الإدارة المختصة ولكونها تعد بيئة مناسبة لتعايش فيروس انفلونزا الطيور، وإعدام الطيور المصابة بالمرض، وهو قرار استهدف الحفاظ على الصحة العامة ينتفى معه ركن الخطأ وتنهار المسئولية الموجبة للتعويض.
وأضافت المحكمة أن دستور 2014 جعا لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. 

وأنه يتعين على أصحاب الحيوانات و حائزيها والمتولين حراستها وملاحظتها عند ظهور أي مرض بينها أو نفوق بعضها بسبب مرض، إبلاغ الأمر إلى المشرف الزراعي المختص أو إلى أقرب وحدة بيطرية. على أن تزال كافة العشش وحظائر تربية الطيور الداجنة غير المرخصة فى المنازل وفي الأماكن الأخرى داخل المدن على الفور.

وقد أعربت دوائر مهتمة بالشأن الطبي العام أن حكم القضاء المصري يوثق احترام الدولة المصرية لحق الإنسان فى الصحة فى أوقات الجوائح والأمراض الوبائية سواء للإنسان أو الحيوان الذى ينقل المرض للإنسان وهى أرقى أنواع الحماية الصحية، لأن الجائحة لا تخص شخص دون غيره، وإنما تخص المجتمع ككل وجميع المواطنين فى الحفاظ على صحتهم مما يجعل هذا الحكم وثيقة هامة على تقدم القضاء المصرى وأسبقيته على مستوى العالم ونظرته الراقية للصحة العامة للجميع.