رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وكر«الليرولين».. تجارة خفية لدواء مدرج بجدول المواد المخدرة

إدمان
إدمان

شاب لم يتجاوز عمره الـ25 عامًا، لكنه اختار الانغماس في تجارب مؤلمة جعلته يفقد ملاذ الحياة، وأصبح يومه لا يخلو من الصراعات النفسية، بعد أن تمكنت المواد المخدرة من جسده، وأجبرته على البحث عنها بشكل متواصل، وبأي طريقة ممكنة.

لم يكن يتعاطى أي مخدر حتى تناول عقار «الليرولين»، الذي جعله مدمنًا، فقد بدأت رحلة تعاطيه المخدر منذ 3 أعوام حين جرّته جلسات السوء لإرضاء فضوله، بعد رؤية أصدقائه يتعاطونه، وينتقلون إلى عالم السعادة، حسب ما وصفوا له.

بدأ الشاب بـ3 حبات على سبيل التجربة، وتطورت رحلة صعوده لقمة السعادة، واخترع طرقا جديدة لتناول المخدر، وهى شرب الشاى والسيجارة مع الحبات، وأحيانًا تعاطي مخدر الحشيش معه.

 

الأعراض التي ظهرت عليه بعد ساعة من تناول المخدر بمجرد وصوله للدماغ، جعلته يغيب عن الواقع تلقائيًا، وينسى أى مشكلات كانت تطارده، فالجرعة كانت تزيد من ثلاث حبات إلى خمس وسبع.

الكمية المرعبة التي توغلت داخل جسده جعلته غير قادر على التخلص من المخدر، وحين حاول ذلك تعرض كثيرًا لضرر نفسي شديد، تتمثل أعراضه في الاكتئاب والصداع الرهيب.

 

لم يكتف الشاب بتعاطي «الليرولين» فقط، بل كان يرشد أصدقاءه لتجربته ومشاركته فى تعاطيه: «أصبحت أنا وثلاثة من أصدقائى نتشارك يوميًا كل صباح فى شراء علبة وتقسيمها علينا، ونتلاقى مجددًا فى الليل لتكرار نفس الشىء».

 

كانوا يندمجون كل يوم أكثر فى هذا الوضع، ولا يشعرون بخطورة ما يفعلونه، وعبر عن ذلك: «جعلتنا حبات الليرولين نفعل أشياء لم نكن نتوقعها مثل تعاطي الهيروين والإستروكس وسرقة السجائر من المحلات».

 

 جاءت الفترة الأصعب- كما يصفها- التخلص من المخدر ومواجهة أعراض انسحابه الشديدة، والتي تعرض فيها لأزمة ضيق تنفس أكثر من مرة أثناء التخلص منه، وكانت نظرة الأقارب والمعارف له كمدمن قاسية أجبرته على التخلص منه وتغيير فكرتهم عنه، وبالفعل نجح في ذلك بعد رحلة التعافي التي خاضها لمدة 6 أشهر داخل غرفة نومه وحيدًا.

الشاب الذي حافظت «الدستور» على اسمه، لم يكن الوحيد الذي أدمن المخدر، وجعله لا يستطيع  الاستغناء عنه، رغم قرارات الحكومة بإدراج العقار بجدول المخدرات، لذا خاضت "معدة التحقيق" في السطور التالية، بعض المغامرات التي كشفت التجارة الخفية للعقار بعيدًا عن أعين الرقابة.

 

فى خطوة احترازية، أدرجت وزارة الصحة والسكان، أدوية «ليرولين»  بـ«جدول الممنوعات»، بعد تفعيل القرار الذي تضمن إضافة جميع الأدوية ذات المادة الفعالة «بريجابلين»، بالجدول الأول ضمن أدوية القرار الوزاري رقم 172 لسنة 2011، والذي يقضي بإعادة تنظيم تداول الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية فيما دعت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة مدمني عقاقير «ليرولين» إلى العلاج فورًا.

عقار الليرولين

وفى عام 2018 كشف التقرير قفز عقار “ليرولين” ليحتل المركز الثالث بين أكثر الأدوية مبيعًا، ليرتفع مجددًا ويصبح ثانى أكثر الأدوية مبيعًا خلال الربع الأول من عام  2019.

 

مستشفى لعلاج الإدمان: المخدر يهدد حياة الشباب

قبل التطرق لكشف تجار العقار، أجرينا جولة ميدانية داخل مستشفى عمر شاهين للإدمان والطب النفسي بمنطقة فيصل، وتحدثنا مع الدكتور أبوالحمايد حسن، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، والذي أوضح أن المريض يحتاج بعد فترة من تناول هذا العقار المخدر إلى مضاعفة الجرعة حتى يحصل على نفس النتيجة، وهو العقار الذي عند إيقافه يتعرض فيه الشخص إلى أعراض انسحابية شديدة، وهنا يتم التحذير من جانب الطبيب للمريض بضرورة تناول جرعة معينة، ثم يتم إيقافه بالتدريج.

 

وأضاف أن مدمني هذا العقار هم فقط اساءوا استخدام العقار فأغلبهم أدمنوه دون أن يشعروا بمعنى أنه تم وصفه لهم كعقار علاجي عادي وبعد تناوله لفترة والاعتياد عليه وعلى الشعور الجيد بالتخلص من مرض ما مثل التهاب المفاصل مثلًا يوقف الطبيب الجرعة العلاجية ولكن لا يستطيع المريض إيقافها، وبدون استشارة الطبيب المعالج يستمر المريض في تناول الدواء 

 

 

وتابع: سوء الاستخدام هو السبب الأول في إدمان أى عقار فيجب أن يكون هناك طبيب يحذر وينبه على المريض أن هذا العقار يمكن إدمانه فلا ينساق لتضاعف الكمية أو أخذ منه أى جرعات إضافية دون استشارة الطبيب, والطرف الآخر هو مريض واع يبحث عن الدواء وآثاره الجانبية ولا يأخذ عقارا إلا عن طريق طبيب متخصص.

 

مغامرة تكشف خبايا تجارة «الليرولين» 


بدأت رحلة "الدستور" داخل مواقع التواصل الاجتماعي بكتابة كلمة "ليرولين" في محركات البحث، لتظهر أمامنا شبكات ضخمة تتاجر في الدواء الممنوع، بل ويعرضون توافره في العلن: "عندنا كميات كبيرة من الليرولين لو حد عايز".

 

تجارة الليرولين على السوشيال ميديا


بمجرد الدخول للجروب المشبوه "حرق أدوية" على موقع "فيسبوك"، والبحث عن عقار "الليرولين"، سرعان ما تنهال عليك المنشورات المعلنة عن بيع المخدر بأسعار مضاعفة لسعره الحقيقي، حتى تطرقنا لإجراء اتفاقية مسجلة مع أحد المتورطين في هذه الشبكة الإجرامية.


لم يترك لنا  المدعو "أ.ف" مساحة للسؤال عن المنتج، كونه أعلن عن تجارته بكل بساطة أمام الجميع،  لذا أجرينا معه صفقة لشراء 10 عبوات من المخدر، وكان سعر العبوة الواحدة 190 جنيهًا دون فصال، لأنه سعر نهائي وصلاحية الدواء سارية في الوقت الحالي على أن تنتهي العام القادم.

 

اتفاقية الدستور على شراء المخدر

سألنا بعد ذلك عن طرق التسلم، وأبلغنا أنه يتبع خاصية الشحن عبر الشركات المتخصصة في ذلك الأمر، ثم أرسل إلينا رقم هاتفه للتواصل، وحدد لنا المكان الذي يتواجد به وهو كفرصقر في محافظة الشرقية.
 

محادثة مع سمسار العقار

"خلي قلبك حديد عادي أنا بشحنه دايما"، كان ذلك رد التاجر حين سألنا عن كيفية شحنه بهذه الطريقة، فالعقار يُعد واحدًا من العقاقير الممنوع تداولها نهائيًا، ثم أخبرناه أننا سنرسل شخصا من طرفنا ليستلم منه العقار في المنطقة القاطن بها، وتوقفنا عند هذا الحد من الاتفاقية حتى لا نقع تحت طائلة القانون.

 

لم تتوقف رحلة "الدستور" عند ذلك الحد، بل بحثنا بشكل أوسع عن مدى تجارة الدواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في غياب الجهات الرقابية، وكانت المغامرة داخل جروب يسمى "أدوية ناقصة"، كشفنا من خلاله تورط  أخرين في التجارة بالدواء المدرج بجدول الممنوعات.



لكن هذه المرة اختلف الأمر كثيرًا، فقد وصل سعر العبوة الواحدة إلى 230 جنيهًا، وكانت الاتفاقية مع شخص يدعى "م.م"، زعم في حديثه  أنه صيدلي في منطقة الهرم، ما جعله قادرًا على توفير الأدوية المحظورة.
 

وبالسؤال عن السعر وإمكانية توفير 10 عبوات من الدواء، لم يتردد في الإعلان عن توفيره لهذه الكمية، بل أكد امتلاكه أكثر من 40 عبوة داخل الصيدلية، ولم يبلغنا عن مكان التسلم تحديدًا، وقال: "يوم التسليم هبعتلك المكان اللي هتجيلي فيه بالظبط"
 

وكما حدث في الاتفاقية السابقة، لم يذكر أي شىء أيضًا عن صعوبة تداول العقار المحظور، وحين استفسرنا عن إمكانية استلامه وسهولة شحنه، أجاب: "عادي مفيش مشكلة، ولو عجبتك الشحنة الأولى هنعمل صفقة تانية أكبر".
 

أجرينا أيضًا جولة ميدانية فى أنحاء أرض اللواء وإمبابة وميدان الجيزة وفيصل، وبالسؤال عن هذا الدواء استنكرت الصيدليات بيع العقار، وحذرونا من السؤال عنه كونه مدرجا بجدول الممنوعات، وله بدائل تعطي نفس النتائج الدوائية دون آثار إدمانية.



صيدلي: مرضى يحتاجون لهذا العقار 

 

وقال الصيدلي محمد علي، إن مادة البريجابلين مهمة لمرضى السكر بشكل خاص وهو التهاب المفاصل وبعض آلام العظام بشكل عام، وهناك من يحتاجون هذه المادة الفعالة التي يحتاج الجسم إليها ولكن سوء الاستخدام يحرم المرضى من هذا الدواء، ليس فقط الليرولين ولكن هناك بعض الأدوية مثل الليركا وما شابه.

 

وأضاف: "الصيادلة ليس لهم الحق في وصف الدواء، لأن هذا تخصص الطبيب، ولكن الصيادلة من يصنعون الدواء وهم الأكثر دراية بالمواد الفعالة في الدواء لهذا وجب على النقابة التفتيش الدائم على الصيادلة حتى لا تسمح بوجود فرصة للاتجار به أو بيعه دون روشتة.

 

واستكمل حديثه، مناشدًا بتوعية المواطن بفكرة البحث عن الدواء وآثاره الجانبية ودواعي استخدامه، مع أهمية الالتزام بالجرعات المحددة لا أكثر ولا أقل.

 

متعاطٍ: الصيدليات حرمتنا وأوكار المخدرات فتحت لنا الباب 

في منطقة فيصل، وتحديدًا في شارع المستقبل، أجرت "الدستور" جولة أخرى تقابلنا من خلالها مع أحد مدمني عقار «الليرولين»، الذي اعتاد على تناوله طوال السنوات الماضية، لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة بعد إدراجه بجدول الممنوعات، ليبحث عنه في منفذ أخر.

بمجرد سؤال الشاب العشريني عن طريقة الحصول على العقار، قال: "مستحيل تعرفي تجبيه من أي صيدلية، تجار الحشيش والترامادول بقوا بيبيعوه دلوقتي عادي".

وتبين من حديثه معنا، أنه ما زال يقدم على شراء المخدر عبر تجار المخدرات، الذين استوطنوا المنطقة، وفرضوا سيطرتهم عليها، لينشروا جميع أنواع المخدرات بها، وكان من ضمنها عقار «الليرولين»، الذي يبحث عنه المتعاطون بشكل دوري بعد منعه من الصيدليات.

خرجنا من هناك، لنبحث مرة أخرى عن مروجي المخدر، وكانت المفاجأة الصادمة حين اكتشفنا حقيقة تورط بعض الصيادلة في بيع المخدر للمتعاطين، كونهم يتمكنون من الحصول عليه من خلال شركات الأدوية.

صيدلي يعرض بيع المخدر مقابل 270 جنيهًا

وبالفعل أجرينا اتصالا هاتفيا مع أحد الصيادلة المتورطين في تجارة العقار، والذي بدأ حديثه معنا معلنًا عن سعر العقار، وهو230  جنيهًا، كما عرض خاصية التوصيل من خلال شركة شحن، على أن تكون مصاريف الشحن 50  جنيهًا.

وحين استفسرنا عن مدى خطورة توصيل المنتج من خلال الشركة، أجاب بثقة قائلًا: "طالما أنا عرفت أدخله لحد شركة الشحن اطمني"، كما أكد على إرساله لنا صورة من بوليصة التوصيل للتأكد من وصولها لشركة الشحن، ووصف لنا عنوان المكتب للاستلام في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، على أن يصل لنا العقار في اليوم التالي من إتمام الاتفاقية.

 
https://soundcloud.app.goo.gl/4DsrxevKxUxMYbj78

 

لم نكتفِ بتلك الاسئلة، بل استفسرنا أيضًا عن إمكانية توفير كمية إضافية، وكان رد الطبيب المدعو "ع.أ": "الشحنة المتوافرة معي تم بيعها بالكامل والكمية المتواجدة الأن تقرب من25  عبوة فقط:  "ياريت تاخديهم كلهم عشان الطلب عليه كتير وأنا عايز أريح دماغي"


توقفنا عند ذلك الحد من الاتفاقية بحجة التفكير في شراء الكمية المعروضة، والعودة إليه مرة أخر، حتى لا نقع تحت طائلة القانون، واتجهنا بعد ذلك لمواجهة نقابة الصيادلة، لتوضيح ردهم عن ما يُجرى من ممارسات إجرامية من قبل بعض الصيادلة في ترويج العقار الممنوع.



وقال الدكتور محفوظ رمزي، المتحدث الإعلامي لنقابة الصيادلة، إن العقار يحوي مادة البريجابلين الإدمانية، وهي  خطرة للغاية، وقد تم بالفعل إيقاف تصنيعه وتداوله محليًا، ولا يدخل في معظم الأوقات إلا بطرق غير مشروعة، فالنقابة تسعى جاهدة لإيقاف هذا الأمر تمامًا.

 

وتسائل: "لماذا يطلب  المريض الليرولين في حين توافر بدائل له، وبسعر أقل وتوفرها النقابة بالفعل، موضحًا أن النقابة تسيطر على جميع الصيدليات وتراقب بشكل دقيق، ولكن دائماً هناك تاجر فردي يسيئ لسمعة الصيادلة والطب بشكل عام.

 

واختتم حديثه مع "الدستور"، موجهًا نصيحته للمواطنين بتجنب هذا العقار واللجوء إلى المستشفيات المختصة لعلاج الإدمان حتى يتم التخلص من هذا السم الذي يجري في عروقهم، ويسبب لهم آثار جانبية قد تؤدي إلي الوفاة في نهاية الأمر.

 

قانوني: عقوبة الإتجار تصل للحبس 10 سنوات

ومن جانبه، أشار أحمد مهران، مدير مركز القاهرة السياسية والقانونية، إلى الموقف القانوني تجاه هذه الممارسات الإجرامية، قائلًا: "الفلسفة التشريعية المصرية تُجرم استخدام العقاقير التي صُنعت لكي تكون دواء يخدم البشرية، ثم يسئ استخدامها تجار البشر بطرق خارجة عن القانون، ويحولوها من عقار دوائي إلى مواد مخدرة تدمر حياة الشباب.

 

القانوني أحمد مهران

واستكمل: "جّرم المشرع المصري هذا الفعل الذي يشكل تهديدًا للأمن والسلامة بتداول هذه العقاقير بطرق غير مشروعة، ولا يجب تصدر هذه العقاقير دون روشتة مختومة من قبل طبيب معتمد من نقابة الأطباء لتصدق نقابة الأطباء على الروشتة لصرفها".

 

وأضاف: "ليس فقط البريجابلين ولكن كل ما يذهب العقل ويضر بصحة وأمن المواطنين يضع صاحبه تحت المسألة القانونية، وتدخل تحت جدول المخدرات، وتُعد أيضًا جريمة من جرائم الإتجار بالمخدرات، والتي تبدأ عقوبتها بالسجن المشدد 10 سنوات".

 

 طبيب نفسي: شباب يستخدمه كمنشط جنسي
 

أما عن الجانب النفسي، فقد أوضح الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن عقار الليرولين له 3 أنواع من المادة الفعالة، وهم بريجابلين50 مجم، 75 مجم، 150 مجم، وتكمن الأعراض التي تحدث على إثره في زغللة العين والدوخة، مشيرًا في حديثه مع "الدستور"، إلى العلاقة الجنسية الوهمية التي يهيأها للشباب، كونهم يعتقدون أن العقار يستخدم كمنشط جنسي، لذا الفئة الأكثر إقبالًا عليه هم الشباب، ولا نجد مدمنات لهذا العقار إلا فتاة من كل 100  ذكر.
 

جمال فرويز

وأضاف: "العقار مثله مثل أي مخدر له أضرار وخيمة على الجسم، خاصة بالأعضاء التناسلية، ويسبب الاكتئاب الحاد والرغبة في الانتحار، كما أنه يمكن لمتعاطي شريط من هذا العقار أن يظل مستيقظًا لأكثر من يومين بسبب الأرق الذي يسببه المخدر، ويعتبر أيضًا مسكنًا قويًا للأعصاب ويتسبب في تلف بالغ داخل الجهاز العصبي، وارتفاع شديد في ضغط الدم.