رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يحكم «الإخوان» أفغانستان؟!

 

أفغانستان، كما أوضحنا فى مقال سابق، صارت إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المنبوذة والمحاصرة، فى المنطقة وغالبية دول العالم، وبدا واضحًا أن جماعة «الإخوان» حصلت على ضوء أخضر، من قوى إقليمية ودولية، للذهاب إلى هناك، لتتقاسم الحكم مع حركة «طالبان»، التى تربطها بها، وبكل التنظيمات الإرهابية الأفغانية، علاقات وثيقة.

فكرة إرسال عناصر الجماعة، أو شحنهم، إلى أفغانستان، جرت مناقشتها فى المؤتمر الـ١٤ لما يوصف بـ«منتدى الوحدة الإسلامية»، الذى استضافته العاصمة البريطانية لندن، منذ أيام قليلة، بحضور إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد. ولعلك تعرف أن الجماعة هى «الماسورة الأم»، التى خرجت منها كل التنظيمات الإرهابية، بما فيها تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». والثابت هو أن أسامة بن لادن انضم إلى فرع الجماعة بالسعودية، سنة ١٩٧٤، ولو تشككت فى ذلك، نحيلك إلى فيديو أصدرته مؤسسة السحاب، التابعة للقاعدة، يؤكد فيه أيمن الظواهرى، خليفة «بن لادن» فى قيادة التنظيم، أن الجماعة هى التى أرسلت الأخير، لتوصيل الدعم للجماعة الإسلامية، إلى باكستان، ثم انطلق منها إلى جبال أفغانستان وكهوفها.

ما يحدث، الآن، يكاد يتطابق مع ما حدث أوائل تسعينيات القرن الماضى، باختلاف بسيط، هو أن تسليم أفغانستان المتطرفين وقتها حدث بتواطؤ مُعلن من «العالم بأسره»، الذى قرر أن «يحكم هؤلاء المجاهدون الذين شهد لهم التاريخ بأن عقيدتهم القوية وإيمانهم بقضيتهم كانا أهم عوامل تحقيق استقلالهم ودخولهم وطنهم فاتحين بعد أن خرجوا منه متخفين». وما بين التنصيص ليس كلامنا، طبعًا، بل كتبه، حرفيًا، المدعو «عبدالناصر سلامة»، من أفغانستان، فى ٩ يونيو ١٩٩٢. والمذكور صحفى تافه، جعلته جماعة «الإخوان»، فى أغسطس ٢٠١٢، رئيسًا لتحرير «الأهرام»، ثم خرج من الجريدة العريقة مطرودًا بعد ثورة ٣٠ يونيو المجيدة.

لو سألتنى لماذا ذهب «سلامة» إلى أفغانستان فى ذلك الوقت؟ سأكتفى بالإشارة إلى أن الإجابة لدى جماعة الإخوان، أو المخابرات الأمريكية، أو أجهزة مبارك الأمنية. أما ما يعنينا، الآن، فهو أن رحيل السوفيت من أفغانستان، سنة ١٩٨٩، أنهى الحرب بالوكالة، أو «الحرب المقدسة» المزعومة، لتبدأ بعدها حروب داخلية بين الأحزاب والحركات الأفغانية، لم ينجح فى وقفها اتفاق بيشاور، سنة ١٩٩٢، أو اتفاقية إسلام آباد، سنة ١٩٩٣. وبعد أن فشل «المجاهدون» فى إدارة البلاد، ظهرت، أو جرت صناعة، حركة «طالبان»، أواخر ١٩٩٤، وتمكنت خلال عامين فقط من السيطرة على البلاد. وبدخولها العاصمة كابول، سنة ١٩٩٦، أعلنت توليها الحكم.

المهم، هو أن نشاط جماعة «الإخوان» فى أفغانستان، بدأ باستضافتها هارون مجددى، سنة ١٩٤٨، فى مؤتمر عقدته الجماعة بمدينة الإسماعيلية. ثم بتجنيد الطلاب الأفغان، الذين جاءوا للدراسة فى مصر، الذين كان أبرزهم عبد رب الرسول سياف ومحمد يونس خالص. والأول كان يرأس «حزب الاتحاد الإسلامى» والثانى «الحزب الإسلامى خالص»، والاثنان حصلا على درجة الماجستير فى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر. ومع الغزو السوفيتى، سنة ١٩٧٩، لعبت فروع «الإخوان»، فى كل دول العالم، بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، دورًا كبيرًا فى إرسال المغيبين لـ«الجهاد» ضد الروس فى «الحرب المقدسة» المزعومة، التى دعمتهم فيها الولايات المتحدة، بشكل مباشر أو عبر وسطاء، بالتدريب والتمويل والسلاح.

بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان، فى ٢٠٠١، أقام الإخوان الأفغان علاقات قوية مع حامد كرزاى، الذى عينه الأمريكيون رئيسًا للبلاد، وحصلوا على مقاعد فى برلمان ٢٠٠٤، وتمدّد نشاط أذرعهم السياسية، ومؤسساتهم الاجتماعية والدعوية، من العاصمة كابول، إلى غالبية الولايات. وصارت لهم، أيضًا، عدة منصات إعلامية: قناة «الإصلاح» التليفزيونية، إذاعة «صوت الإصلاح»، ومجلات «إصلاح مللى» و«جوان» و«معرفة» و«رسالة الإصلاح»، وغيرها.

أفغانستان، إذن، جاهزة، قبل أن يتم تجهيزها، لاستقبال عناصر الجماعة الإرهابية، وستكون البداية غالبًا، بالعناصر والأبواق الإعلامية، التى تخلت عنها تركيا، لتحسين فرص مفاوضات تطبيع علاقاتها مع مصر. أما مشاركتها حركة «طالبان» فى الحكم، فستكون متروكة، على الأرجح، لدورها، وتأثيرها، فى إدارة صراعات الحركة مع الدخل الأفغانى ومحيطها الإقليمى