رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى 30 يونيو «الأخيرة».. الإخوان رفضوا أن يظلوا جزءًا من الجماعة المصرية بغباء لا يحسدون عليه

الملايين التى تدفقت لميادين مصر كانت مفاجأة للجميع داخل مصر وخارجها 

السيسى قابل مرسى يوم ٢ يوليو وعرض عليه انتخابات مبكرة يشارك فيها الإخوان لكنه رفض 

لم يتعامل الإخوان مع السياسة على أنها لعبة فيها فائز وخاسر ولكن على أنها معركة فيها قاتل ومقتول 

القوات المسلحة وجهت الدعوة للإخوان للمشاركة فى بيان ٣ يوليو لكنهم رفضوا 

السيسى طلب تفويض الشعب لمواجهة الإرهاب بناءً على معلومات تراكمت لديه بمخططات إرهاب مستقبلى 

مظاهرات التفويض فرضت صيغة سياسية جديدة وكانت انتخابات مبكرة للسيسى من المصريين 

الدولة المصرية خاضت معركة ضارية ضد الإرهاب انتهت بالنصر وفتحت الباب للجمهورية جديدة

كانت تحركات المصريين فى الأسبوع الأخير من يونيو بمثابة الحركة الأخيرة على رقعة الشطرنج، والتى يقول بمقتضاها المنتصر للمهزوم «كش ملك».. كانت المباراة بالنسبة لبعض المصريين ممتدة منذ ظهور الإخوان، وبالنسبة لبعضهم الآخر منذ تعاظم نفوذهم فى زمن مبارك واستشعار العناصر الواعية بالسيناريو المقبل.. لكن المباراة بالنسبة لمعظم المصريين بدأت بعد انتخاب محمد مرسى وبدء مخطط الأخونة، وصار الإحساس أكيدًا مع الإعلان الدستورى فى ١٢ نوفمبر والذى كان يمنح الرئيس الإخوانى صلاحيات شبه إلهية، وانخرط الجميع فى منظومة عمل وطنى خلاق.. وكانت الأغلبية تتحلى بمشاعر وطنية صادقة، وانخرط فى مقاومة الإخوان بعض من كانوا خدمًا لهم قبل يناير ٢٠١١ وربما كان الدافع هو الانتهازية واستشعار رفض المصريين الإخوان، والرغبة فى القفز من المركب الغارق، وربما كان الدافع أيضًا هو تغير موقف الممول الذى يحرك هذا الإعلامى أو ذاك.. فالدكتور سعدالدين إبراهيم مثلًا والذى كان يرعى إعلاميًا مصريًا بعينه، غيّر موقفه بعد يناير من التحالف مع الإخوان للتحالف مع أحد المرشحين المنافسين لمحمد مرسى.. وقد استدعى هذا أن يغير الإعلامى الذى يكفله ويدبر التمويل لمشاريعه موقفه ويصبح ضد الإخوان.. بعد أن كان معروفًا أنه خادم لهم قبل يناير ٢٠١١، المهم أن المصريين تفانوا فى إعلان رفض الإخوان.. وبرزت مساهمات متعددة كان أبرزها الحكم القضائى من محكمة جنايات الإسماعيلية بضبط وإحضار محمد مرسى و٣٦ إخوانيًا آخرين فى قضية الهروب من سجن وادى النطرون.. وما إن جاء الأسبوع الأخير من يونيو حتى انتشرت القوات المسلحة فى طول البلاد وعرضها لتأمين المنشآت الحيوية، تصاعدت المظاهرات وكان البطل الحقيقى هو المصريين غير المسيسين والذين اصطلح على تسميتهم بحزب الكنبة، حيث استشعر هؤلاء الخطر على كيان الدولة المصرية، وهو كيان تاريخى يمتد لسبعة آلاف سنة، ولا يستطيع المصرى الشعور بالأمان والدولة مهددة، أو ضعيفة، أو غائبة، ولذلك أسباب تاريخية عميقة، مع التظاهرات كانت هناك حركة توقيع توكيلات قانونية للفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، وهى حركة رمزية الهدف منها التعبير عن ثقة المصريين فى المؤسسة العسكرية، كما اتسعت حركة توقيع توكيلات سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى وانتشرت فى أماكن لم يُعرف عن مرتاديها أدنى اهتمام بالسياسة من قبل مثل النوادى الاجتماعية الراقية، وتجمعات السيدات، فضلًا عن محطات المترو والشوارع والميادين الرئيسية.. وبدا للجميع أن النهاية تقترب.. وأسهم اعتصام المثقفين والفنانين فى وزارة الثقافة فى إضفاء بعد رمزى على المشهد.. حيث بدا أن قوة مصر الناعمة تقاوم محاولات إسكاتها.. ونزل نجوم السينما وكبار المثقفين إلى الشارع.. وتحركت المظاهرات من ميدان التحرير وميادين مصر الرئيسية إلى الاتحادية، التى كان مرسى قد غادرها منذ ٢٨ يونيو ليقيم فى فيلا ملحقة بدار الحرس الجمهورى بدعوى تأمين حياته، وانتقل معه طاقم مكتبه وأفراد أسرته، وقام المخرج خالد يوسف بتصوير مشهد المظاهرات من طائرة تابعة للشئون المعنوية وتمت إذاعة المشاهد فبدا المشهد رائعًا وباعثًا على الفخر.. فى ذلك الوقت كان الإخوان وحلفاؤهم من التنظيمات التكفيرية قد احتلوا ميدان رابعة العدوية وأسسوا حركة مضادة لتمرد سموها حركة تجرد أسسها الإرهابى عاصم عبدالماجد.. ورغم تهديدات الإخوان وحلفائهم للمتظاهرين.. إلا أن رهانهم الأساسى كان على التدخل الأمريكى لصالحهم، حيث قابلت السفيرة الأمريكية، آن باترسون، خيرت الشاطر أكثر من مرة، ونصحت الإخوان بالتصالح مع المعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وهاجمت الجيش المصرى.. لكن الأكيد من قراءة الأحداث أن الفرصة كانت متاحة أمام الإخوان لكى يظلوا فى المشهد بشكل أو بآخر.. وأن يظلوا جزءًا من الجماعة المصرية.. كان الأمر يقتضى منهم بعض التواضع، والاعتراف بالفشل، وبأنهم لم يكونوا فى حجم الفرصة التى منحها لهم المصريون، بل إنهم خالفوا تعاليم مرشدهم ومؤسس جماعتهم الذى تقوم فكرته على الإصلاح المتدرج.. الفرد ثم الأسرة.. ثم المجتمع.. ثم الدولة.. وهم قفزوا على الدولة دون أن يتمكنوا من أخونة المجتمع بالكامل، ولم يكن ذلك لشىء إلا لسببين.. أولهما أنهم جميعًا جميعًا جميعًا احتقروا حسن البنا بعد ظهور سيد قطب وآمنوا بأن سيد قطب هو الصواب، وأن الانقلاب والقفز على السلطة وتكفير المخالفين هو الحل، وكان السبب الثانى هو إغراءات أطراف خارجية أوحت لهم أن هذا وقت القفز على السلطة فى مصر.. كانت الفرصة سانحة حتى يوم ٣ يوليو لأن يكون الإخوان جزءًا من الجماعة المصرية، وأن يظلوا فى المشهد بعيوبهم وأمراضهم.. وبعد أن تدفق الملايين فى الشوارع وناموا فيها انتظارًا لرحيل الإخوان.. أصدرت القوات المسلحة بيانها الشهير الذى يطالب بالتوصل إلى حل خلال يومين حفاظًا على سلامة الوطن، وزار المشير السيسى محمد مرسى فى فيلا الحرس الجمهورى.. وبدا الرجل فى حالة غياب عن الواقع.. حيث أنكر وجود المصريين فى الشوارع، وقال للمشير السيسى إن عدد المتظاهرين لا يتعدى مائة وعشرين ألف متظاهر، وإن ما يظهر فى الصور هو برنامج فوتوشوب يقوم بتكبير الصورة وزيادة عدد المتظاهرين، وإن المصريين آمنون مطمئنون لحكم الإخوان.. وكان ما يقوله محمد مرسى تعبيرًا عن قصور ذهنى لديه، وغياب عن الواقع.. فضلًا عن فشل فى فهم معنى الشرعية.. هو يظن أن لديه شرعية لأنه حصل على عدة آلاف من الأصوات أكثر من منافسه.. لكنه لا ينتبه أن نخبة مصر كلها بسياسييها وفنانيها ومثقفيها وقضائها وشرطتها وجيشها ترفضه.. وهو ما يدفع إلى إعادة النظر فى فكرة الديمقراطية العددية، هل عدة آلاف من أصوات بسطاء تم تضليلهم بالدين وشراء ولائهم بالخدمات والمواد التموينية ترجح أصوات النخبة والعلماء والمفكرين والمثقفين؟.. فى اجتماع السيسى ومرسى عرض وزير الدفاع إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يشارك فيها الإخوان إذا أرادوا وتعيين حكومة انتقالية تتولى الإشراف على الانتخابات، لكن مرسى رفض وقال إنه الرئيس الشرعى.. وأدرك المشير السيسى أنه لا فائدة وأن الإخوان يصممون على المواجهة ويراهنون على التدخل الأمريكى.. خاصة أن هذه لم تكن المحاولة الأولى، حيث استدعى وزير الدفاع د. أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى الإخوانى، ومعه هشام قنديل، رئيس الوزراء، وطلب منهما إقناع مرسى والإخوان بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وعندما رفض الإخوان العرض، ذهب السيسى لمقابلة مرسى بنفسه، وشرح له حقيقة الأوضاع على الأرض، لكن مرسى رفض ومارس «الإنكار» وهى حيلة نفسية شهيرة يلجأ لها المأزومون نفسيًا لإنكار الواقع والهروب منه.. وفى المساء سجل مرسى فيديو متوسط الطول يقول فيه إنه متمسك بما سماه «الشرعية» وإنه سيحميها بدمه، وبشكل عام كان هذا جزءًا من أداء مستمر لجماعة الإخوان لا يرون فيه السياسة على أنها لعبة فيها خاسر ورابح، ولكن معركة فيها قاتل ومقتول، معركة بين الإيمان الذى يرون أنهم يمثلونه، وبين الكفر الذى يتهمون الآخرين به، لذلك استدعى مرسى الحديث عن دمه الذى هو على استعداد لتقديمه فداءً لـ«الشرعية».. كانت الأحداث فى الشارع تتصاعد وعدد المصريين يزيد، وأدرك الجيش المصرى أن الإخوان مصممون على سيناريو الصدام.. وكانت هناك مشاورات مع جبهة الإنقاذ وممثلها د. محمد البرادعى وكان هناك سيناريوهان.. أولهما الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة دون مشاركة الإخوان، وثانيهما تعطيل الدستور، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا للبلاد، وقيل إن الدكتور محمد البرادعى تحمس للسيناريو الثانى والذى يعنى خلع مرسى من الحكم بشكل مباشر وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية.. وبدأ الإعداد لمشهد إعلان بيان عزل الإخوان والذى بدا موفقًا إلى حد كبير، حيث استجاب الجميع للمشاركة رغم وجود تفاصيل كثيرة فى الكواليس، وكانت المنصة التى أعلنت بيان العزل معبرة عن مصر كلها، فعليها كان شيخ الأزهر ممثلًا للإسلام الوسطى المصرى، والبابا تواضروس ممثلًا للأقباط المصريين الذين لم يشعروا بذرة أمان فى وجود الإخوان رغم ادعاءات الجماعة اللزجة والكاذبة بحماية الأقباط، وكان هناك رئيس حزب النور السلفى، الذى كان قد أدرك كذب الإخوان وكراهيتهم لكل من هو خارجهم حتى لو كان يرفع راية الشريعة مثلهم، وقد كان الهدف من وجود السلفيين إعلان أن بيان ٣ يوليو ليس ضد الإسلام، كما كان الإخوان يروجون لقواعدهم، كان هناك أيضًا محمد البرادعى ممثلًا لجبهة الإنقاذ التى ضمت ٦٠ حزبًا وحركة سياسية عملت ضد الإخوان وشكلت غطاءً سياسيًا لحركة الملايين غير المنظمة والتى كانت الفاعل الحقيقى فى ٣٠ يونيو.. وكان هناك أيضًا ثلاثة من مؤسسى حركة تمرد كرمز لوجود الشباب فى المشهد، بالإضافة لممثلين للمرأة والقضاء والمؤسسة العسكرية، وتم توجيه الدعوة لسعد الكتاتنى، رئيس حزب الحرية والعدالة، لكنه رفض الحضور.. وكان المعنى أن الإخوان مدعوون للمشاركة حتى آخر لحظة، وأنه يمكنهم الاستمرار فى العملية السياسية.. كان الإخوان لو وافقوا سيكونون أشبه بطالب دخل الامتحان ورسب أو نجح بمجموع ضعيف وما زالت لديه الفرصة لإعادة السنة وبذل المزيد من المجهود.. لكن الإخوان يرون أنهم آلهة وأنهم أفضل من الجميع، وأنقى من الجميع، وأنهم مقدسون وتلاميذ للرسول «ص» والباقى كفار.. أنجاس.. متآمرون.. لذلك رفضوا العرض.. واختاروا أن يهدموا المعبد على رءوس الجميع.. لكنه انهدم على رأسهم هم فقط وما زالوا يحاولون جاهدين الخروج من تحت الأنقاض ولا أحد يظن أنهم سينجحون.. ولا هم أنفسهم.. فقد أدرك الكثيرون منهم غباءهم وقصر نظرهم وسوء إدارتهم لأنفسهم وللبلد الذى سرقوه لعام كامل.. وهم الآن فى مرحلة تشبه «اللطميات» التى يقوم بها الشيعة تعبيرًا عن الندم وعدم القيام بالتصرف الصحيح يوم كربلاء، وإن كان السياق مختلفًا فى أشياء ومتشابهًا فى أشياء.

تلا الرئيس السيسى بيان ٣ يوليو التاريخى فى حضور ممثلى الأمة كلها، ونص على الدعوة لانتخابات سياسية مبكرة، وتمكين الشباب وتعيين لجنة للمصالحة الوطنية، وفيما بعد قال الرئيس السيسى فى حوار لـ«المصرى اليوم» إنه لم يطلع الولايات المتحدة على هذه الخطوة، وإنه لم ينسق مع أحد، ولم يتحدث مع أحد، ولم يطلع أحدًا على ما ينوى القيام به.. على الجانب الآخر.. رفض الإخوان حضور اجتماع ٣ يوليو وأصبحوا فى جانب وأصبح المصريون فى جانب آخر، وتم التحفظ على محمد مرسى فى المقر الذى كان يقيم به، وتم إخطار أفراد أسرته الموجودين بإخلاء المقر، وانخرط عصام الحداد وآخرون فى الاتصال بالجهات الغربية وبالولايات المتحدة الأمريكية، وتم إجراء اتصالات بوزير الدفاع المصرى لم تتم الاستجابة لها، وقيل إنه اعتذر عن عدم استقبال مكالمة من الرئيس أوباما.. وإن بقيت قنوات الاتصال العسكرية والأمنية مفتوحة للضرورة.. وبدأ الإخوان رحلة الاغتراب عن الواقع ورفضه.. وبقى مع محمد مرسى، محمد رفاعة الطهطاوى رئيس الديوان وباكينام الشرقاوى مستشارته السياسية، وقيل إن مساعديه سحبوا منه «ريموت» التليفزيون حتى لا يعلم بقرار عزله.. وبدا أن ثمة خلافًا فى الأفق بين من يلم بكل المعلومات ويعرف الحقائق على الأرض وبين شخص حالم وصاحب رؤية رومانسية مثل د. محمد البرادعى الذى تم تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية.. وقال فى حوار مع صحيفة نمساوية إن الإخوان كانوا مدعوين لاجتماع لجنة المصالحة بعد عزل مرسى بأسبوع.. لكنهم لم يأتوا بسبب القبض عليه!! والحقيقة أن الإخوان لم يكونوا ليأتوا فى كل الأحوال لأنهم يرون جبهة الإنقاذ والبرادعى نفسه عملاء ومتآمرين وخارجين عن الدين.. وأنهم جهزوا لسيناريو الصدام منذ وقت مبكر، وأنه تم إلقاء القبض على قيادتهم، لأن الدولة كانت لديها المعلومات التى لا تتوفر للدكتور البرادعى.. ولا يمكن أن تتوفر له.. كانت هذه مقدمات لطلب الرئيس السيسى من الناس أن ينزلوا ليفوضوه ومعه القوات المسلحة بمكافحة الإرهاب.. الذى بدأ يطل برأسه بمنتهى العنف والشراسة والغباء التاريخى.. واستجاب الملايين لنداء السيسى.. وامتلأت الشوارع والميادين بالمصريين مرة أخرى، وكان هذا تأسيسًا لعقد جديد ومباشر بين السيسى والمصريين مباشرة.. دون وجود وسطاء.. وكان تعبيرًا عن صيغة جديدة للعلاقة بين المصريين والإخوان بديلًا عن الصيغة التى ظلت معروضة عليهم حتى ٣ يوليو.. ويمكن القول إن مسيرات التفويض كانت انتخابات شعبية مبكرة اختار فيها المصريون المشير السيسى رئيسًا لهم، ويمكن القول إنها كانت بداية معركة طويلة ومضنية خاضتها الدولة المصرية ضد الإرهاب.. وقدمت فيها تضحيات كبيرة وشهداء خلدوا أسماءهم فى تاريخ الوطن وشاركت فيها جهود مؤسسات الدولة كلها على مستويات خارجية وداخلية متعددة.. ويمكن القول إنها انتهت بالنصر المبين لتؤسس الطريق نحو الجمهورية الجديدة فى مصر والتى ستكون محور حلقاتنا المقبلة باذن الله.