رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب ضد الإرهاب والفساد تكفى وتزيد

بدأت «٣٠ يونيو» بالقضاء على الإرهاب وأثبتت الأيام أن عداءها للفساد لا يقل عن عدائها للإرهاب 

السنوات التى سبقت «٣٠ يونيو» شهدت أكبر تحالف بين رموز الفساد وبين جماعة الإخوان 

الرئيس السيسى رفض عروض الفاسدين لمساندته فتظاهروا بالمعارضة السياسية 

لو لم تفعل «٣٠ يونيو» سوى القضاء على الإرهاب والفساد لكفاها ذلك 

نشأت فى مدرسة صحفية وفكرية ترى أن الإرهاب والفساد هما أكبر عدوين لهذا البلد.. بدأت حياتى العملية فى منتصف التسعينيات.. وبعد سنوات أصبح الإرهاب والفساد هما أقوى ما فى مصر.. كنت مع آخرين غيرى أصواتًا صارخة فى البرية.. كنت أرى الخطر القادم وأعرف ما سيحدث حرفيًا.. وكأن زرقاء اليمامة منحتنى بعضًا من مواهبها.. لم يكن فى الأمر معجزة سوى صفاء النية وحب الوطن والترفع عن المصالح الصغيرة.. فى مجال الإعلام رأيت سماسرة.. وموفقى رءوس فى الحرام يسعون للتوفيق بين الإخوان وبين رموز الفساد وبين بعض المسئولين.. كان التطرف والفساد يلتقيان فى الحرام لينجبا جنينًا مشوهًا.. مخيف الملامح.. حاد الأظفار.. يخمش وجه من يقترب منه.. أو يجرؤ على النظر إليه.. تحول الفساد فى مصر إلى مؤسسة قوية.. لها حراس.. ومتحدثون رسميون وكتائب إعلامية.. وتنظيمات سرية.. استولت شلل معروفة على أراضى الدولة.. هنا.. وهناك.. احتكروا أسواقًا بعينها.. كان بعضهم شريكًا تجاريًا لجماعة الإخوان ولكبار المسئولين فى نفس الوقت.. كان أحدهم يسرق المليارات فى الصباح ثم يلتقط الصور التذكارية مع مشاهير الدعاة فى المساء.. كانت عملية غسيل سمعة منظمة ومرتبة يحصل فيها كل واحد على نصيب معلوم.. الداعية الذى بارك، والإعلامى الذى غسل السمعة.. والمسئول الذى غض الطرف.. كانت مصر فى العشر سنوات التى سبقت ٢٠١١ مسرحًا استعراضيًا للتحالف بين التطرف الدينى والفساد.. اخترعت جماعة الإخوان اختراعًا جديدًا سمته الدعاة الجدد، علمتهم وأطلقتهم لاختراق النخبة المحيطة بالدولة.. ليس المقصود طبعًا كل الصناع والزراع والبنائين من رجال أعمال مصر.. فمنهم الآلاف الشرفاء.. المقصود شلة صغيرة.. ربما لا تتجاوز الخمسين أو المئة.. قيل لهم كونوا رجال أعمال فكانوا رجال أعمال.. ولأنهم بلا تكوين فكرى ولا وطنى حقيقى.. ولأن بعضهم كان يرغب فى ستار لفساده.. كان أن تبنى بعضهم أعضاء الجماعة الذين سموا أنفسهم بالدعاة الجدد.. وجعلوا منهم رسلًا بينهم وبين الإخوان.. وفتحوا لهم أبواب قنواتهم الخاصة.. وساعدوهم على أن يربحوا المليارات.. ثم شاركوا بعضهم فى أعمالهم التجارية.. وأصبح من العادى أن تسمع أن أحدهم شريك للإخوان ولمسئول كبير فى نفس الوقت.. وكأن مصر قد أصبحت سمك لبن.. تمر هندى.. أو كأننا نعيش مشهدًا واقعيًا من فيلم مواطن ومخبر وحرامى.. حيث يتحالف الجميع ويتعايش الجميع على حساب الحقيقة.. كانت الخطوة التالية والمنطقية لكل هذا الفساد والتطرف أن تسقط الدولة وأن تسرق جماعة الإخوان الثورة بأسهل مما يمكن تخيله، والسبب أنها كانت تحصد ثمار أربعين عامًا من تمكينها من رقاب المصريين.. استمر تحالف التطرف والفساد وازدهر.. الدعاة الذين كانوا يقولون ألا علاقة لهم بالسياسة تحولوا لرؤساء أحزاب وحركات سياسية.. ورجال الأعمال الفاسدون اختلفوا فى طرق تعاطيهم.. فقد وجد أحدهم الحل فى أن يصلى خلف محمد مرسى، وأن يتذكر أن والده سماه حسن البنا راتب وليس حسن فقط.. ووجد آخر أن من مصلحته أن يلاعب الإخوان ليحصل على مكاسب أكثر.. وولى بعضهم وجهه شطر حسن مالك وجمعية ابدأ بعد أن كان يوليه قبلة أخرى.. وكان بعضهم يحتمى بماما أمريكا التى تبنته وشجعته وحولته من عاطل عن العمل إلى ملياردير بأموال المعونة الأمريكية.. وفى الظلام كانت تدور أحاديث كثيرة عن الاقتصاد الأسود وتجارة الآثار وأحاديث لا أول لها ولا آخر.. ثم قامت ثورة ٣٠ يونيو.. ثورة وطنية مصرية.. ثورة بدأت ضد التطرف وضد تجارة الدين وضد تغيير شخصية مصر.. وأحسست أن النصف الأول من حلمى الذى أضعت العمر من أجله يتحقق.. مصر تستعيد نفسها وتدينها الوسطى.. وتقول لا لتجار الدين وعملاء الخارج وسماسرة الوطن.. ولكن ماذا عن النصف الثانى من الحلم.. ماذا عن رموز الفساد؟.. تتضح الصورة شيئًا فشيئًا.. كانت أول بشارة لى فى وقت مبكر.. وقت أن رشح الرئيس السيسى نفسه.. دار حوار بينى وبين أحدهم.. سألته عن موقفهم من الرئيس السيسى قال (رحنا له ورفض.. عاوز يبقى لوحده).. رقص قلبى طربًا.. عرفت أن مصر سيكون لها رئيس شريف وعظيم.. هذا رجل تعرض عليه شلة المنتفعين بمصر خدماتها فيرفض أن يقابلهم من الأساس.. لا يريد خدماتهم ولا ملياراتهم.. بعدها سمعت الرئيس يخطب ويقول (ليس علىّ فواتير لأحد).. فهمت ما يقصد.. هذا رجل صادق وشريف.. ضابط وطنى مخلص ونزيه.. توالت الأخبار عن سحب أراضى الدولة ممن استولوا عليها بغير وجه حق.. تضاءل نفوذ شلل الفساد الذين كانوا يحكمون مصر قبل عشر سنوات.. اختفت شلل المنتفعين بهم.. اختفت شلل سماسرة الإعلام وخدم من يدفع.. فى نفس الوقت كان هناك ترحيب بكل رجل أعمال شريف يريد أن يساهم فى معركة البناء دون إهدار حقوق الوطن.. زاد إحساس رجال الأعمال بالمسئولية الاجتماعية، سواء عن اقتناع أو خوف من الحساب.. أصبح الجميع مقتنعين بأن المواطن البسيط له حق فى حياة كريمة.. دخلت الدولة إلى قرى فى الريف المصرى لم يدخلها مسئول منذ عهد الفراعنة.. أثبتت ثورة يونيو أنها ثورة وليست انقلابًا، كما ادعى الإرهابيون وعبدة الفراغ.. ثورة لها رؤية فكرية واجتماعية واقتصادية واضحة.. ثورة تسابق الزمن من أجل الإنجاز.. والأهم أنها تجد موارد لتمول الإنجازات من الهادر الذى كان يهدر فى الفساد.. هذه ثورة إذن.. وكشف حسابها مشرف لأقصى درجة.. ولو لم تفعل غير القضاء على تحالف الإرهاب والفساد لكفاها ذلك فخرًا.. لكن الحقيقة أنها فعلت هذا وأكثر منه الكثير.