رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تسييس «قطة الأوبرا»

لمن لم يعرف، ولا أظن أن هناك من لم يصله خبر بالأمر، حتى الآن، فما حدث هو تسميم إحدى القطط وأولادها داخل مبنى دار الأوبرا المصرية، ويبدو أن هناك غيرها تم تسميمه، إلا أن هذه القطة عرفها الجميع وأحبوها، وتابعوا قصتها، لظهورها على السجادة الحمراء لمهرجان القاهرة السينمائى الأخير، وقيام عدد كبير من النجوم والفنانين بالتصوير معها.

الحقيقة أن الموضوع مؤلم إلى حدٍ يفوق وصفه بالصدمة.. فقد أصابتنى قراءة الخبر بحالة من الإحباط والشعور بالعجز عن التعليق أو استكمال قراءة ما ورد فيه.. فأن يأتى مثل هذا الفعل المجرم من مكان يفترض فيه أنه من أرقى الأماكن، وأكثرها إنسانية، وارتباطًا بالآدمية.. من دار الأوبرا؟ معقل الثقافة والفنون؟ فتلك مصيبة لا يمكن القبول بها، ولا الاستهانة فى التعامل معها. حتى قرار الفنانة القديرة إيناس عبدالديم، وزيرة الثقافة، بتحويل المسئولين عن الدار إلى التحقيق لم يكن شافيًا ولا كافيًا، خصوصًا أنها ليست المرة الأولى التى يحدث فيها مثل هذا الأمر، سبقتها بقليل مذبحة أكثر بشاعة للقطط فى نادى الجزيرة الملاصق للدار، والمؤكد أن مذابح غيرها للقطط والكلاب فى الطريق، وسوف تتكرر المأساة فى أماكن أخرى.

لماذا؟

لأن منفذ المذبحة فى الحالتين واحد، هو إدارة الطب البيطرى، والتى يبدو لى أن هناك مشكلة كبيرة لدى العاملين بها، فهم لا علاقة لهم من قريب أو بعيد باسمها، لا «طب»، ولا «بيطرة»، لا يعرفون سوى القتل، ودس السم فى الطعام، لا توجد لديهم أى حلول للتعامل مع هذه الحيوانات البريئة، ولا يفرقون بين كلب مسعور وضال، وبين أليف ومسالم، رغم أنه من المؤكد أن هناك مئات الحلول غير هذا الإجراء الذى تكرر كثيرًا، حتى إننى أشك فى أن أفرادها لا عمل لهم سوى القتل، فى الأوبرا، وفى الشوارع، والنوادى، وفى كل مكان تصل إليه أيديهم. على أننى، بالطبع، لا أعفى إدارة الأوبرا من المسئولية عن تلك الجريمة، فهى من أرسل الشكوى، وهى من استقبل فريق القتل، ووصف له الطريق إلى أماكن وضع السم، ودلّه على مواعيد تناول القطط الطعام.

كان من الممكن أن يكون الطلب بنقلها، لا قتلها.. كان من الممكن تحديد مكان لحصرها بداخله، ووضع سياج حول المسارح، والأماكن التى يمكن أن تتضرر من تواجدها، كان من الممكن البحث عن أى حلول أخرى، أى حلول.. إلا القتل. على أن الغريب فى الأمر، والملفت، وما دعانى للكتابة فى الموضوع، كان هو الأحقر، والأكثر بؤسًا، وخسة، ولم أستطع متابعته بغير ابتسامة مريرة. وحتى لا أطيل، فما حدث هو أن مواقع التواصل الاجتماعى لعبت دورها فى متابعة القصة، والتنديد بما حدث، ووصل الأمر إلى المطالبة بمقاطعة أى فعاليات تقام داخل دار الأوبرا، ورغم ما فى الدعوة من سوء قصد، وتطرف غير حميد، إلا أنه ليس هو ما قصدته، فقد كان من نتيجته إحالة المسئولين عن الدار إلى التحقيق، ما قصدته هو تعليقات لجان تنظيم الإخوان على قرار الوزيرة الفنانة بعدم التهاون فى محاسبة المسئولين عن المذبحة، وهذه عينة منها.

كتب أحدهم ما نصه: «قررت وزيرة الثقافة إيناس عبدالدائم تحويل المسئولين بدار الأوبرا إلى التحقيق»، بتهمة «تعامل الأوبرا مع بعض القطط بصورة سيئة وغير آدمية».

مثال صارخ على النفاق والتفاهة، يعاقبون البشر على معاملة القطط بطريقة غير «آدمية»، فمتى يعاملون بنى آدم بطريقة «قِطَطِية»؟

هذا «البائس عقلًا» يتابعه على موقع «تويتر» ٧٣٨ ألف متابع، وقام بإعادة تغريد ما كتبه ما يقرب من الألف، غير الإعجابات.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكتب آخر: «وزيرة فى حكومة الانقلاب تتظاهر بالرحمة والإنسانية مع القطط بينما يتعذب البشر تحت ولايتهم فى الحياة بلا رحمة ولا شفقة، الفشل وعدم التوفيق والخزى يحاصرهم». وهذا أفشل من سابقه، فليس لديه سوى ١٢٠ ألف متابع. أما أكثرهم بؤسًا، «أبو ٩ آلاف متابع فقط»، فكتب يقول:

«مثقفين مصريين بيدعوا لعدم حضور أى فعاليات تحدث فى دار الأوبرا المصرية، سواء المسرح الكبير أو الصغير، وذلك بسبب قتل وتسميم القطط والكلاب فى محيط الأوبرا.. للمفارقة معظم المثقفين دول كانوا مؤيدين ومحرضين لمجزرة رابعة.. تحسهم حنينين أوى وحسهم مرهف».

الحقيقة أننى لا أجد كلمات للتعليق على هؤلاء، ولا وصفًا لمن أعادوا تغريد ما كتبوه، وضغطوا بعلامة الإعجاب عليه، لا أصدق أن على هذه الأرض مثل هذه الخسة. لكننى أتذكر جيدًا كلمات العظيم وحيد حامد، التى نطقها عبقرى التمثيل أحمد زكى فى فيلم «معالى الوزير»: عمرك شوفت «أحقر» من كده؟!

الحقيقة لأ.