رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسين عبد البصير: ما يحدث في عصر السيسي هو إعادة بعث لحضارة مصر

حسين عبد البصير
حسين عبد البصير

حدث عالمي أقيم السبت 3 أبريل من العام الجاري، شهد مغادرة 22 مومياء ملكية، من المتحف المصري بميدان التحرير، إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، كشف للجميع صدق اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي ببعث الحضارة المصرية من جديد، واستلهام قيم المصري القديم، وحضارته العظيمة، في بناء الجمهورية المصرية الثانية.

 

اللافت للانتباه، أن موكب المومياوات لم يكن الخطوة الأولى في ذلك الاهتمام، بل سبقه 7 سنوات من وضع المتاحف والأثار في مقدمة اهتمامات الرئيس، أكدها 22 مليار جنيه حجم الإنفاق على المشاريع المتحفية خلال تلك السنوات، أبرزها الانتهاء من 90% من أعمال المتحف المصري الكبير.

 

المسألة التي أكدها عالم الآثار، والروائي، دكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الأثار بمكتبة الأسكندرية، في لقاءه بـ"االدستور".

 

الدكتور حسين عبد البصير عالم آثار وروائى حصل على درجة الليسانس فى الآثار المصرية القديمة فى كلية الآثار بجامعة القاهرة، وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه فى الآثار المصرية القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم فى جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية.

 

وألف "عبد البصير" عددًا كبيرًا من الكتب والمقالات العلمية والروايات والقصص.

 

إلى نص الحوار:

 

*كيف نستطيع تقييم ما حدث خلال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي من الاهتمام بحضارة مصر القديمة؟

ما يحدث الآن في حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي أستطيع تشبيهة بإعادة بعث لمصر؛ في أيام الفراعنة كان لدينا ما يسمى "وحم مسوت"، بمعنى تجديد الميلاد، أو إعادة البعث، وإعادة النهضة، وتلك كانت تحدث عقب الفترات المضطربة التي دائما ما تأتي بعدها الفترات المنيرة، مثل الفترة الحالية التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والأشبه بفترة المد الوطني، والإحساس بالقومية، والهوية المصرية، أيام ثورة 1919 مع سعد زغلول.

وما قام به الرئيس السيسي من مغادرة موكب المومياوات المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة، يعد أكبر دليل على وعي ويقظة هذا القائد، وإحساسة بمصر القديمة، وأننا نعيد هذه الإمجاد؛ فالقائد العظيم يستقبل أجداده العظام، وجداته العظميات، وكل ذلك إعادة لبعث مصر القديمة من جديد، فدائما مصر القديمة هى التي تقود، بما فيها من القدوة والفكر.

أيضا ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي من تصحيح المفاهيم من خلال نشر رسالة مصر، والدفع بالقوى الناعمة من خلال نهضة المتاحف، أيضا دعمتنا الدولة بأكثر من 22 مليار جنيه لدعم المشروعات المتحفية المتوقفة منذ 2011. 

 

*الإرهاب الديني الذي واجهته مصر خلال عقود حاول دائما هدم تقدير المصري لحضارته القديمة، وشاهدنا ذلك من استهداف المتاحف في 2011 و 2013، كيف تفسر ذلك؟

الإسلام السياسي ساهم بشكل كبير في احتقار الثقافة والحضارة المصرية القديمة، مع التأكيد على أن الحضارة المصرية القديمة كانت تقوم على الدين وتقديسه، ولم تكن حضارة تكفيرية تدعوا للكفر والأوثان.

ننظر مثلا لأناشيد إخناتون، فنراها تتطابق مع المزمور 104 من مزامير داود، أيضا فكرة الوحدانية داخل مصر القديمة، فعادة كان هناك إله واحد في مصر القديمة، أما بخصوص فكرة التعددية فعائدة إلى رؤيتهم أن هناك إله واحد خلق جميع الألهة الأخرى من ذاته ويختصها برعايته.

واستهداف حركات الإسلام السياسي للمتاحف عائد إلى أنها ليست مجرد منشآت عادية، بل هى ذاكرة الأمة، ومن خلال القضاء على ذاكرة الأمة وتغييب الشعوب ينتهي التاريخ، فلو اختفى الماضي يصبح الإنسان بلا تاريخ ولا هوية، ساعتها سيتم توجيهك في السياق الذي يختاره من حولك من الجهات التي تريد اغتصاب تاريخنا، سواء كان إسلام سياسي، أو دول مجاورة تريد اغتصاب تاريخنا وثقافتنا، بالعكس كنا في مصر القديمة سادة العالم، أشبه بالولايات المتحدة الأمريكية حاليا، وكانت حضارة تقوم على العلم والإيمان والضمير.

 

*قدمت الدولة قبل سنوات مع حكم الرئيسي السيسي مشروع لإعيادة إحياء منظومة قيم متاكلمة بين الأجيال الجديدة، وذلك معناه أنها غابت بالفعل، لماذا غابت، وما هى الأدوار المطلوبة من المؤسسات الثقافية لتحقيق تلك العودة؟

مسألة مهمة وجود منظومة من القيم والمثل تعمل معها على إعادة بناء المجتمع، مثلا، الهرم كفكرة ، مشروع إعجازي بالفعل، لكن الأكثر لفتا للانتباه فيه هو إدارة هذا العدد من العمال لفترات طويلة في نظام لم يختل يوما. فلو استلهمنا تلك القيم من مصر القديمة، وما استخدموه من مثل للوصول إلى تلك الحضارة، مع التعرف على الحضارة المصرية القديمة، سنتحدث النهضة الحضارية.

 

*ظلت الثقافة المصرية ثابتة لم تتغير رغم ما مر بها من حضارات مختلفة عاشت على أرضها لسنوات، كيف ترى تلك المسألة؟

طبقا لعلم التاريخ الطبيعي نجد صفات سائدة وصفات متنحية، الصفات الشخصية المصرية والحضارية سائدة، مثلا عندما دخل الإنجليز إلى مصر خرجوا منها وهم يتحدثون العربية، علما أنه في بلاد أخرى طغت لغة المحتل على أصحاب الأرض؛ ذلك لأن مصر دولة منتجة للثقافة، دائما أقول إن مصر أول كلمة في كتاب التاريخ وأول موقع في كتاب الجغرافيا، فأنت قادر على إنتاج الثقافي، فمن يأتي إليك يهزم ثقافيا، نموذجا لذلك نابليون بونابرات الذي دخل إلى مصر بالمدفع وخرج منها بالمطبعة، نحن هنا أثرنا فيه وولد معهم ومع شامبليون علم المصريات، قد نكون في فترات الاحتلال ظاهريا في موقف ضعف لكننا أقوياء ثقافيا.

 

*ما هو سر ارتباط أي نهضة مصرية بقوة الجيش المصري، نموذجا لذلك ما حدث في مصر الحديثة مع محمد علي؟

الجيش المصري مؤسسة عسكرية، وأقدم  جيش نظامي في العالم من أيام مصر القديمة، وكان من أفضل ما ابتدعه الجيش المصري الأخلاقيات التي دشنها للمقاتل، الجندي المصري لا يخلع شجرة، لا يؤذي سيدة، لا يقتل حيوان، والعقيدة المصرية عقيدة دفاعية وليست استعمارية، جيوشنا تخرج للدفاع عن حدودنا وعن الأرض، وهى عقيدة ثابتة للعسكرية المصرية. أيضا وضعت مصر أول بروتوكول إنساني للتعامل مع الأسرى. نشرت كتاب بعنوان الفراعنية المحاربون أتحدث فيه عن الجيش المصري. 

ومخططات تخريب مصر الفاشلة بدأت مع محاولات ضرب الجيش، فهو عمود الخيمة، أذكر سؤال وجهه المشير طنطاوي للضباط في أحد المرات عن سبب انهيار العراق، فأجاب ضباط بأن سبب انهيار العراق القضاء على الجيش والشرطة، لذلك حاول كل أعداء مصر تهديد ذلك الجيش، ولنفس السبب أيضا عندما بدأ محمد علي النهضة المصرية الحديثة بدأها بتأسيس الجيش المصري.

 

*محاولات التخريب وتغييب الهوية المصرية واجهها المثقف المصري على مدار التاريخ، وقدمت العديد من الروايات الأدبية التي استلهمت تاريخنا المصري القديم، هل يعود ذلك إلى رغبة في المواجهة مع طغيان التطرف أم مجرد كتابة للمتعة؟

الهدف من الكتابة - مع الإقرار بالمتعة في الكتابة عموما – هو تقديم رسالة معينة؛ في روايتي الأولى كانت هناك مواجهة بين الظاهر والباطن، بين ما نعلن وما نخفي، نجد شخصيات تنتقل من الشمال إلى الجنوب تبحث عن الإله، علما أنه موجود، لكن هنا هم يبحثون عن أنفسهم، وذلك هدف كلا منهم، ومع الرواية نكتشف إدعاء ظاهرة الإسلام السياسي، والتزيي بزي الدين، والبحث عن السلطة، فرغم أن الرواية تدور في مصر القديمة لكنها تتحدث عن الحاضر. نجيب محفوظ له كلمة شهيرة في ذلك، أنه عندما يكتب عن مصر القديمة فهو لا يكتب عن الماضي، لكنه يكتب عن الحاضر.

 

*ما سبق يفسر سر اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمتاحف والآثار والثقافة المتحفية خلال سنوات حكمه منذ عام 2013.

اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأثار والمتاحف غير مسبوق، لم نر ذلك مع أي رئيس سابق، من متابعة وزيارة الأماكن الأثرية، والإجتماع بوزراء الأثار المتتابعين، وزيارة الأمكان الأثرية أكثر من مرة لمتابعة الإنشاءات.

لا ننكر اهتمام الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس السادات بالأثار المصرية القديمة، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي يعطي الدعم الكامل للملفات المتعلقة بالأثار، والتوجيهات المتعلقة بتطوير كل ما هو محيط بالمتاحف والمناطق الأثرية.

وفي ذلك السياق أوجه جزيل الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال اهتمامه بالأثار، علما بأنه لو اهتم بموضوعات أخرى غير الأثار في ظل الأوضاع التي مرت بها الدولة بعد 2013 لم يكن سيلام على ذلك. لكن اهتمامه بالأثار غير مسبوق؛ لأنه يدرك حقيقة البعد القومي والبعد الاقتصادي، ورسالة مصر السياسية التي يدعمها. مثلا كنت في زيارة للصين صادفت اكتشافات أثرية مؤخرا في مصر، وجدت أنه كان الخبر الأكثر اهتماما لدى الصحف الصينية.

هنا يجب أن نستثمر ما يحدث لدعم رؤية مصر السياسية، مثل الموقف الأخير المشرف للرئيس عبد الفتاح السيسي في غزة، كنا في عهد سابق مجرد متفرجين، أما اليوم فأنت لاعب رئيسي، تلجأ أمريكا لك، وهى مسألة في النهاية في صالح المواطن الفلسطيني.

 

*الدور الإقليمي والرائد لمصر يفسر محاولات تغييب هويتنا بفعل تيارات الإسلام السياسي أو بعض دول الجوار، لكن فشلت في النهاية تلك المحاولات.

لن يستطيع أحد إضعاف دور مصر؛ ودورها محوري في المنطقة، وقد كانت تلك المناطق في وقت من الأوقات جزء من الإمبراطورية المصرية، وكنا نحميها، فمصر دائما هى الدافع والحامي لهذه المنطقة باعتبارها العمق الاستراتيجي لنا.

الحاكم في مصر القديمة كان يصور وأسفله حكام الشعوب المجاورة لمصر، فالعقيدة العسكرية منذ مصر القديمة قائمة على أن الأمن القومي للدولة يمتد لدول الجوار، وذلك يفسر استلهام الرئيس عبد الفتاح السيسي لتلك الحضارة، نتيجة فكره المستنير، فهو مثقف بشكل كبير، وهو شئ عظيم يحسب له، فما يقوم به السيسي اليوم شئ عظيم، من تجديد دماء مصر، وربط نفسه بالأجيال المصرية القديمة، وتقديم نفسه بصورة مشرفة، وهو تجديد على جميع المستويات، في مقدمتها الهوية الثقافية، لأن الإنسان دون هوية ثقافية تستطيع أي جهة معادية السيطرة عليه.