رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود عرفات.. إنه الموت الذي يختار الأفضل

محمود عرفات
محمود عرفات

لم أكن أعرفه جيدا، كانت العلاقة بيننا مجرد علاقة عمل، لكن سحرتني ابتسامته التي فيها نقاء سريرة وصفاء، ولمحت في عينيه الذكاء والفطنة، ووجدته هادئا ويعمل في صمت وهي صفات قلما تجدها في شاب يمتهن الصحافة.

 جمعتنا مسافة بسيطة من الأمتار، كان دائما يسألني ويستشيرني في بعض البرامج العالمية، وما يقدم من محتوى في تلك القنوات.. كانت سعادته كبيرة عندما انطلق موقع «ستوديو»، كان يخطط للكثير من الأفكار وينفذ بنفسه جزءا كبيرا منها.
 

تعرفت عليه وهو يعمل بجهد كبير في الموقع، واستطاع هو ومن معه خلال فترة قليلة تحقيق موطئ قدم بين أفضل مواقع الأخبار المهتمة بالتوك شو، بالإضافة إلى ما هو متوفر من فيديوهات ذات محتوى محترم تليق بالمتلقي.

ذات مرة سألت الدكتور محمد الباز بما تسمح به مسافة الاحترام والمحبة بيننا، وهو الذي أصدر من خلال مؤسسة الدستور العديد من المواقع المهمة، عن أفضل المواقع، أجاب بكل وضوح إنه «ستوديو» الكل يعمل بهدوء وبخطوات ثابتة وبلا ضجيج، كلمات كأنه يصف بها محمود  رحمه الله.


كنت أرهقه بطلبي منه متابعة لقاءاتي عبر القنوات الفضائية، أشعر بذلك لكنه ولا مرة أشعرني بأنني ثقيل، بالعكس كان يتحدث بهدوء ويعتذر بأدب كما هو العهد به، وفي مرة أرسلت له فيديو طويل سرعان ما اتصل وقال إن الفيديو لا يصلح للنشر، شعرت بالخذلان لكن هو «محمود» الذي عرفه كل الزملاء والأصدقاء، لا يكل ولا يمل حتى يجد الحل، أرسل لي رسالة بعد نحو ساعة برابط الفديو، اتصلت أشكره، لم يرد لأن الوقت كان متأخرا، لكنه أرسل رسالة صباح اليوم التالي يعتذر.. نعم يعتذر.
 

كيف لي أن أرثيك أيها النقي الطيب؟، ماذا أقول؟ تهرب الكلمات تتبعثر هنا وهناك وكأنها دفنت معك، هو الموت نعم أعرفه.. أعرفه جيدا يبحث عن الطيبيون، ربما يريد أن يرسل رسالة واضحة لا لبس فيها، هذه الدنيا غرور لا تساوي شيئا أمام عظمة وجلال الموت الذي هو الحقيقة الوحيدة التي نعرفها، وما عداها إنما الدنيا دنيئة ورديئة.


هو الموت لا شفاعة فيه وهي مشيئة الرحمن قضت، وتلك هي سنة الله في الخلق ففي الموت مواعظ وعبر، فيه تذكرة بالدار الأخرة، وليتنا نتعظ، بالأمس القريب تجرعنا مرارة الفقد وآلام الفراق، رحل عنا الأخ والصديق والزميل محمود عرفات، كان من أغلى الزملاء، رحل وأخذ من كل من عرفه قلوبهم، وأكاد لا أبالغ في ذلك، حقا لقد أثرت في وجداني تأثيرا كبيرا، لا يوجد مكان في ذاكرتي إلا وقد ملأته بالحب والإنسانية ومعاني الخير.


رحلت يا صديقي وتركت لنا ابتسامة صافية من إنسان صادق، أبدا لن تغيب شمسك، تركت لنا المعنى الحقيقي للصداقة التي لن تمحيها الأيام، فكلما تقع عيني على اسمك أرى أمامي وجهك البشوش وثغرك المبتسم، وكلما رفعت نظري رأيتك.
 

يا صديقي صورتك لن تفارقنا، معذرة فأحيانا تعجز الكلمات عن التعبير، لكنني أجد البكاء في صمت على من أحببت بكل صدق من أعماق قلبي هو صبري وعزائي الوحيد.. عظم الله أجر أسرتك وزوجتك ومحبيك، وعظم الله أجر كل الزملاء وفي مقدمتهم الدكتور محمد الباز.


إنه الموت الذي يخطف الورود ويترك الأشواك، إلى جنة الخلد مع الصديقين والشهداء يا محمود.. رحمك الله يا صديقي، فهذا قدر المبتسمين أن يذهبوا سريعا.