رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«معركة الوعى».. كيف روت دراما «المتحدة» قصة 3 أجيال من الإرهابيين؟

القاهرة كابول و الاختيار
القاهرة كابول و الاختيار

فى إطار «معركة الوعى»، التى تشنها الدراما المصرية الرمضانية فى الموسم الحالى ٢٠٢١، لتوضيح ملابسات الأحداث التى مرت بها مصر على مدار العقد الماضى، نجحت مسلسلات «القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة» و«الاختيار ٢» فى لفت انتباه المشاهدين بقدرتها على رصد التطور فى بنية التنظيمات الإرهابية وأفكارها، عبر تناول وقائع حقيقية من ملفات الأجهزة الأمنية. 

وفى حلقاتها المختلفة، تناولت المسلسلات الثلاثة، من إنتاج الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية»، ظاهرة الإرهاب فى سياقها الاجتماعى والسياسى والتاريخى، وتطور أجيال الجماعات الإرهابية من شكلها الراديكالى فى سبعينيات القرن الماضى، إلى الخلايا العنقودية المسلحة وهجمات الذئاب المنفردة، التى شهدها العالم فى السنوات الماضية، وهو ما نرصده فى السطور التالية.

 

توطين الإرهاب فى المنطقة والانتقال من التنظيمات المركزية إلى الذئاب المنفردة

أشارت أحداث مسلسلات «القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة» و«الاختيار ٢» إلى ارتباط التنظيمات الإرهابية ببعضها البعض، فهناك جيل من الأساتذة تدرب على يديه جيل آخر من التلاميذ، الذين أصبحوا أشد شراسة، وانتقلوا من دولة إلى دولة، وقدموا خدماتهم لصالح أجهزة معادية، ثم تطور الأمر من التنظيمات المركزية إلى مجموعة من الخلايا العنقودية التى تعمل كل منها بمفردها لهدم المجتمعات.

ففى الحلقات الأولى من مسلسل «هجمة مرتدة»، الذى تعود أحداثه إلى عام ٢٠٠٧، تكشف مشاهد العمل عن كواليس الدور الذى تلعبه أجهزة المخابرات المعادية والمنظمات العاملة تحت شعار الإغاثة الإنسانية فى تمويل الجماعات المتطرفة، وتدريب عناصرها، سواء فى العراق أو شرق أوروبا، وجهود المخابرات المصرية فى الكشف عن تفاصيل هذه الشبكات وعملياتها.

فيما تبدأ أحداث مسلسل «القاهرة كابول» بتفجير أحد المعسكرات الأمريكية فى أفغانستان فى عام ٢٠٠٩، وما يعقب ذلك من تصعيد عدد من قيادات التيارات المتطرفة، لتلعب أدوارًا أكبر على المستوى الدولى، مع توثيق مراحل صناعة التطرف والإرهاب فى هذه السنوات.

أما مسلسل «الاختيار ٢»، فتتناول أحداثه الأولى التفجير الإرهابى بحى الحسين فى عام ٢٠٠٩، ومعاناة ضابط الأمن الوطنى «زكريا»، الذى يجسد دوره الفنان كريم عبدالعزيز، من جراء الحادث، الذى يطارده فى أحلامه رغبة فى إنقاذ الأرواح التى أزهقها الإرهاب فى هذا التفجير.

وتنطلق باقى الحلقات لتوثق ما تم ارتكابه من جرائم من قبل جماعة الإخوان وأذنابها من الجماعات الأخرى، منذ ثورة الشعب المصرى التى أسقطت حكم الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى، وما تلا ذلك من تدشين عناصر الجماعة الإرهابية خلايا نوعية تعمل بمفردها أو بالتنسيق مع غيرها، لتنظيم العمل المسلح فى جميع أرجاء الدولة المصرية.

وتكشف المسلسلات الثلاثة عن متابعة الأجهزة الأمنية المصرية لبدايات ظهور الجيل الثانى من الإرهابيين، بعد تتلمذهم على أيدى أساتذة من المتطرفين الأكبر سنًا، وبدء تدشين النواة الأولى لتنظيم «داعش».

ويتناول مسلسل «هجمة مرتدة» عملية الكشف عن شخصية «أبوأيوب المصرى»، أحد قادة تنظيم «القاعدة» فى العراق، الذى كان يضم حينها عددًا من قيادات الجيل الثانى من التنظيم، وبينهم مصريون مقربون من القيادى أيمن الظواهرى، وذلك بعد مقتل زعيم التنظيم فى العراق أبومصعب الزرقاوى.

فيما يرصد «القاهرة كابول» التخطيط لانتقال الجيل الجديد من الإرهابيين من كهوف أفغانستان إلى المنطقة العربية فى العراق وسوريا واليمن ودول أخرى، مع تبنى عمليات الاغتيال والتفجير للمنشآت الحكومية والدبلوماسية، بحثًا عن بسط النفوذ.

أما الجيل الثالث من الإرهابيين، فقد ظهر بوضوح فى مسلسل «الاختيار ٢»، عبر رصد الأجهزة الأمنية الخلايا العنقودية والذئاب المنفردة، التى خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها فى تنظيمى «القاعدة» و«داعش»، ممثلة فى تنظيمات «أجناد مصر» و«حسم» و«لواء الثورة» و«أنصار بيت المقدس» و«جند الله» و«حازمون» وغيرها.

كما يرصد العمل انضمام شباب الجماعة الإرهابية الأم إلى هذه التنظيمات، أثناء مشاركتهم فى اعتصام ميدان «رابعة العدوية»، وبدء تكوين الخلايا المسلحة فى محاولة لهدم الدولة واستهداف قادتها من الجيش والشرطة، مع الانتشار فى سيناء والمناطق الريفية وأطراف العاصمة لتنفيذ العمليات، بالإضافة إلى سفر بعضهم إلى سوريا والعراق لاكتساب الخبرات الميدانية والتدرب على تنفيذ العمليات الإرهابية فى مصر.

 

الجيل الأول من الإرهابيين يظهر فى خلفية الأحداث

فى خلفية الأعمال الثلاثة، تناولت المسلسلات الدور الوظيفى للجماعات الإرهابية والأصولية لخدمة أجهزة الاستخبارات المعادية، كما أظهرت تأثير الجيل الأول من الإرهابيين على الأجيال التالية، والتطور الذى لحق بقيادات الجيل الثانى سواء فى الفكر أو التنظيم.

ففى مسلسل «القاهرة كابول»، جسد الفنان طارق لطفى، عبر شخصية «رمزى»، مزيجًا من شخصيات عدد من قيادات تنظيم «القاعدة»، خاصة شخصيات أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأبوحمزة المهاجر وأبوبكر البغدادى، وهم قادة التنظيم الذين جمعتهم كهوف ومعسكرات التدريب فى أفغانستان.

ورصد العمل التطور الذى لحق بـ«جماعة الجهاد»، التى تأسست أولى خلاياها فى عام ١٩٦٦، وظهرت بقوة فى سبعينيات القرن الماضى عبر تنظيم «الفنية العسكرية»، بقيادة صالح سرية، والذى كان يهدف للاستيلاء على على أسلحة الكلية الفنية العسكرية لتنفيذ انقلاب عسكرى ضد الرئيس أنور السادات، وهى المحاولة التى باءت بالفشل.

وحظى صالح سرية بدعم جماعة الإخوان الإرهابية، التى استقبلته عند وصوله إلى القاهرة عام ١٩٧١، كما حظى برعاية القيادية الإخوانية زينب الغزالى، التى استقبلته وعائلته وقدمته إلى حسن الهضيبى، مرشد الإخوان وقتها، وإلى مجموعة الشباب الذين كوّنوا خليته فيما بعد، وحملوا معه أفكار تكفير المجتمع.

كما رصد طبيعة التطور الذى لحق بالتنظيم بعد هروب قادته إلى أفغانستان عقب اغتيال الرئيس السادات، وتعلق عدد من الإرهابيين الهاربين من مصر بشخص أيمن الظواهرى، الذى كان الرجل الثانى فى تنظيم «القاعدة»، بعد أسامة بن لادن، وقت الأحداث التى يتناولها المسلسل.

وحول تناول المسلسلات الثلاثة ظاهرة الإرهاب، قال عمرو فاروق، الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية، إن الدراما الوطنية المعروضة حاليًا توثق تراتب الأجيال الفاعلة والمؤثرة فى التنظيمات الإرهابية على مدار تاريخها، وذلك فى إطار معركة فكرية ضد المغالطات الفقهية والشرعية للجماعات الأصولية، التى تتخذ من مبادئ التكفير والحاكمية والقوة المسلحة سبيلًا للوصول إلى السلطة.

وقال «فاروق»: «الأعمال الدرامية رصدت الدور الوظيفى للجماعات الأصولية المتطرفة، واستخدامها كإحدى أدوات المشروع التوسعى الغربى للسيطرة على المنطقة العربية وتحويلها إلى مجموعة من الدويلات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية، وفقًا لسيناريوهات تقسيم المنطقة التى نفذت بفعالية، منذ الإعلان عن استراتيجية الفوضى الخلاقة».

وأضاف: «التعرض للتاريخ الإجرامى للأجيال المحركة للمشهد الجهادى التكفيرى يسجل بدقة حالة التطور لهذه التنظيمات والقائمين، وانتقالها من مركزية التنظيم إلى مشروع إعلان الدولة المتمثل فى تنظيم داعش، وصولًا إلى مرحلة التنظيمات المتوازية والذئاب المنفردة، التى تعمل وفق استراتيجية حروب العصابات فى المدن، وتقدم المنهجية الفكرية على الانتماء التنظيمى».