رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلهارسيا وسرطان.. كيف بدأت رحلة حليم وزكى مع المرض وكيف انتهت؟

عبد الحليم حافظ وأحمد
عبد الحليم حافظ وأحمد زكي

يرى الكثير أن هناك تشابهًا كبيرًا بين عبدالحليم حافظ وأحمد زكي، رغم وفاتهما في شهرٍ واحد، وخروجهما من محافظة الشرقية، وموهبتهما الفنية الضخمة، كلٍ منهما في مجاله، والجماهيرية التي يتمتعان بها، وسيرتهما الحاضرة حتى الآن، ويظهر ذلك التشابه بشكل كبير بدءًا من معاناة الفقر في الصغر، وانتهاءً بالصراع مع المرض اللعين الذي لم يُمهلهما ليرحلا، لتبقى أعمالهما خالدة ولا تنسى.

كلا النجمين وُلد في محافظة الشرقية، وعاش طفولة تعيسة مليئة بالمرارة، فقد توفيت والدة عبدالحليم وهو لا يزال طفلًا صغيرًا، وتوفي والد أحمد زكي وهو لا يزال طفلًا يبحث عن الحنان، وكلاهما حضر من محافظة الشرقية إلى القاهرة بحثًا عن النجومية، واستطاع كل منهما بالفعل أنْ يحجز لنفسه مكانًا تحت الشمس.

عاش عبدالحليم حافظ، ومات وهو يحلم بالاستقرار الأسري، بينما عاش أحمد زكي حياة زوجية غير مُستقرة؛ حيث دبت الخلافات العائلية مع زوجته الفنانة المُعتزلة الراحلة هالة فؤاد، وانفصلا بعد زواج قصير، وجمع بين الفنانين أيضًا التشابه الخارجي في الشكل؛ حيث كانا قريبي الشبه ببعضهما، بل ويجتمعان أيضًا فى تشابه اللقب؛ فقد حقق كلاهما نجومية هائلة كسرا بها نموذج البطل شديد الوسامة، فوجد فيهما الكثيرون نموذجًا للشاب المصري العادي الذي استطاع أنْ ينطلق في عالم السينما، والغناء ويُغير الكثير من قواعده القديمة، فلُقب حليم بالعندليب الأسمر، بينما لُقب أحمد زكى بفتى الشاشة الأسمر.

وكلاهما خضع لجراحة عاجلة على يد الجراح نفسه، فالذي عالج أحمد زكي في بداية الألفية الثالثة، هو نفسه الذي عالج حليم في السبعينيات من القرن الماضي، وأسهم القدر في اهتمامه بصحة زكي، بعد أعوام على رحيل حليم وبالمُلابسات نفسها أيضًا، رَحبّ زكي بالعملية على الرغم من خطورتها مُسلّما أمره ومصيره لله، وهو ما فعله العندليب، ما دفع الطبيب المعالج إلى التأكيد على تشابه شخصيتيهما واتسامهما بالشجاعة في هذا الجانب تحديدًا.

أكد كلا النجمين، أنّ الموهبة لا تموت، وكان قد تلقى عبدالحليم عام 1956، خبر إصابته بتليف في الكبد، نتيجة البلهارسيا واستحمامه في الترع في طفولته، وذلك بالتزامن مع إصابته بنزيف في المعدة، حيث بدأ رحلة علاج طويلة داخل مصر وخارجها، حتى رحل عن عالمنا في 30 مارس عام 1977، عن عمر يناهز 47 عامًا، داخل أحد المستشفيات في لندن.

فيما تُوفي أحمد زكي، في 27 مارس عام 2005، بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة، حيث كان يُدخن بشراهة، كما تم علاجه على نفقة الدولة في الخارج، حتى لفظ أنفاسه داخل مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر، وتصادف رحيله في شهر مارس ذات الشهر الذي رحل فيه العندليب، ولم يفصل بينه وبين اليوم الذي رحل فيه حليم إلا أيام قليلة.

وجمع بينهما أيضًا أنّ حياتهما الاجتماعية قبل الوصول للشهرة مأساوية بدرجة كبيرة، فقد عانى حليم كثيرًا ليصل للنجومية والشهرة، ولعلّ ما ظهر في فيلم حليم الذى جَسدّه أحمد زكى ما يُبرز ذلك بدرجة كبيرة، فمنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة، تَجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسًا لفرقة الأناشيد في مدرسته، ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء؛ لشدة ولعه به، والتحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943م، حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبًا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معًا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948م، ورُشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مُدرسًا للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرًا بالقاهرة، ثمّ قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفًا على آلة الأبواه عام 1950م.

وتقابل حليم مع صديق ورفيق العمر الأستاذ مجدي العمروسي في 1951م، ببيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلًا من شبانة.

وزكي لم يكن طريقه إلى عالم الفن مفروشًا بالورود، اكتشف موهبته منذ أن كان فى التعليم الأساسى والثانوى الصناعى، ليصبح في فترة وجيزة هاويًا للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس، ليأخذه ولعه بالفن إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج فيه عام 1973م، من قسم التمثيل بتقدير ممتاز، ويُطل على الجمهور للمرة الأولى في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، مع ملوك الضحك؛ ليُشكل الدمعة فى جنة الضحك من خلال دور الطالب الفقير.

وكان الفقر حقيقة تكاد تُطيح بحلمه، لولا عشقه للفن، ضاقت به الدنيا واشتدت عندما احتاج لـ10 جنيهات، كسُلفة من مُنتج أول عمل مسرحى يُشارك فيه وكان سمير خفاجة، ولكن قوبل الطلب بالتجاهل، وبعد إلحاح من المقربين وافق الأخير على منح زكى السُلفة؛ لتهون عليه نفسه ويُمزقها فى مشهد درامي مؤثر أمام الجميع، بعدما أمسك بالعشرة جنيهات ووجه لها حديثًا "انتي اللي ذلتينى.. وخليتي خفاجة يبيع ويشتري فيّا"، ثم يُمزقها قطعًا كثيرة أمام أعين الجميع.