رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على سعدة يكتب: التحرر من كابوس «كورونا»

على سعدة
على سعدة

تسللت بهدوء إلى مكتبتى كى أقتل الفراغ والهواجس التى خلقها الرعب من «كورونا» اللعين، ولكى أهرب قليلًا من الحبس الانفرادى بين جدران غرفتى الباردة التى تفتقد بشدة دفء الأهل والأصدقاء، ومن فتاوى كل وسائل الإعلام التى تحاصر عقولنا فى موضوع اللقاح المنتظر وتحاول إقناعنا بالخبر وعكسه.
وللأسف ما زلنا نفقد يوميًا أوراقًا كانت تظللنا وتؤنس وحدتنا، غادرت حياتنا فجأة بسبب هذا الفيروس اللعين.
الإرهاصات داخلى زادت حرارتها وتطورت وتحولت إلى تمرد على الوضع القائم والقاتم، فقررت التحرر بأن أقرأ كتابًا يحفزنى على الانطلاق والثورة.. وهو الدور الذى يقوم به الأدب دائمًا لتحفيز الشعوب على صناعة التاريخ والثورات لتغيير الأوضاع للأفضل.. المكتبة عامرة بأمثلة كثيرة زادت من حيرتى فى اختيار الكتاب المناسب.
أمامى نماذج أربعة تؤكد نظريتى.. النموذج الأول كتب عن الثورة الفرنسية فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وأهمها أعمال الفيلسوف وعالم الاجتماع «جان جاك روسو»، والأديب الفيلسوف «فولتير»، ودورهما البارز فى تكوين الإمبراطورية الفرنسية القوية على يد «نابليون بونابرت»، التى هيمنت على أوروبا حتى انهزام وسقوط هذا الأخير فى معركة «واترلو» الشهيرة عام ١٨١٥.
النموذج الثانى كان عن ألمانيا فى القرن التاسع عشر، وكيف مهّدت الأفكار الفلسفية لـ«هيجل» والأدبية لـ«جوته» لقيام ألمانيا الحديدية على يد الرائع «بسمارك».
النموذج الثالث كان عن الاتحاد السوفيتى.. لكل من «بوشكين» و«دوستويفسكى» و«تولستوى» و«تشيكوف» و«مكسيم جوركى» فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، هؤلاء الأدباء العظماء الذين مهدوا للثورة البلشفية الكبرى فى روسيا وقيام الاتحاد السوفيتى بدولته الاشتراكية العظمى، التى أضاعها «جورباتشوف» فيما بعد.
لكننى عزيزى القارئ قررت الابتعاد عن دسامة أقلام هؤلاء الكتّاب العظام، ووقع اختيارى أخيرًا على كتاب خفيف وأنيق يمتاز برشاقة قلم كاتبته الأديبة الرائعة «هيريت ستو»، فى منتصف القرن التاسع عشر، ويعبّر عن النموذج الأمريكى للإرهاصات قبل الثورات.
الكتاب هو «كوخ العم توم».. تتحدث فيه الكاتبة عن معاناة الرقيق السود على يد البيض ضمن نظام العبودية السائد.. القصة عظيمة ومؤثرة للغاية، ولن أطيل فى سرد وقائعها الإنسانية، لكنى سأنقل بإيجاز ما قاله السيد الأبيض بعد تعذيب العم «توم» الأسود حتى الموت.. بكى على قبره وأقسم ألا يمتلك عبدًا إطلاقًا وأن يحرر كل العبيد لديه وجمعهم، قائلًا: «انطلقوا إلى الحرية، ولكن تذكروا أنكم مدينون لذلك الرجل الطيب العم توم، وردوا ذلك الجميل لزوجته وأبنائه، وفكروا بحريتكم كلما رأيتم كوخ العم توم، واجعلوه نصبًا تذكاريًا لكى تسيروا على خطاه، وكونوا مؤمنين وأوفياء كما كان».
أدى هذا الكتاب الأنيق إلى إلغاء قانون الرق على يد الرئيس الأمريكى «إبراهام لينكولن» بعد نشوب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام ١٨٦٠.
قررت بعد الانتهاء من القراءة أن أعلن ثورتى وتحررى من عبودية وقهر «كورونا» والفاكسين وكل الوساوس القهرية المحيطة، وأن ألتزم فقط بكمامتى والتباعد المناسب، وأمارس حياتى الطبيعية ورياضة المشى اليومية فى النادى.. فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.. صدق الله العظيم.