رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جوانتانامو.. سيناريو أوباما يتكرر


خلال حملته الانتخابية، تعهّد جو بايدن بإغلاق معتقل جوانتانامو، وأمس الأول، الجمعة، نقلت وكالة «رويترز» عن مسئول فى البيت الأبيض أن إدارة بايدن بدأت «مراجعة رسمية لمستقبل ذلك السجن العسكرى»، الذى تم اعتقال معظم نزلائه منذ ٢٠ سنة تقريبًا، دون اتهام أو محاكمة، ويقول الواقع إنهم سيخرجون منه إلى القبر، أو إلى فراش الموت، كحالة السودانى إبراهيم إدريس، الذى قيل إنه كان الحارس الشخصى لأسامة بن دلان، دون أن يتم اتهامه رسميًا بذلك!.
نزلاء «جوانتانامو» متهمون بتفجير برجى مركز التجارة العالمى، فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وكانوا محتجزين فى سجون سرية، خارج الولايات المتحدة، قبل أن يتم نقلهم، بمساعدة دول أوروبية، إلى ذلك المعتقل، انتظارًا لمحاكمتهم، أمام محكمة عسكرية، كان من المفترض أن تبدأ فى يناير الماضى، غير أن ذلك لم يحدث، إلى الآن. ولوكالة «رويترز»، قالت إميلى هورن، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومى، إن المجلس يجرى عملية تقييم للوضع الحالى، الذى «ورثته إدارة بايدن عن الإدارة السابقة» وسيعمل بشكل وثيق مع وزارات الدفاع، الخارجية، والعدل لـ«إحراز تقدم صوب إغلاق منشأة جوانتانامو»، وبالتشاور الوثيق أيضًا مع الكونجرس.
الوكالة نقلت، أيضًا، عن مصدرين مطلعين أن المساعدين المشاركين فى المناقشات الداخلية يدرسون صيغة إجراء تنفيذى يوقعه الرئيس فى الأسابيع أو الأشهر المقبلة. ورأت الوكالة أن ذلك «يُعد إشارة على جهد جديد لإزالة ما يصفه المدافعون عن حقوق الإنسان بأنه وصمة عار تلتصق بصورة الولايات المتحدة». لكن «رويترز» لا ترجّح أن تنتهى قصة ذلك المعتقل قريبًا.
يقع معتقل جوانتانامو العسكرى فى قاعدة أمريكية بأقصى جنوب شرق كوبا، وجرى إيداع المتهمين فيه بزعم أن وجوده خارج حدود الولايات المتحدة يتيح لها انتهاك حقوق الإنسان. وهناك بالفعل وثائق ظهرت، وتحقيقات أجراها مجلس الشيوخ الأمريكى، كشفت عن تعذيب المعتقلين، سواء فى «جوانتانامو» أو فى سجون سرية على أراضى دول أوروبية. وفى يناير ٢٠٠٦، أى منذ أكثر من ١٥ سنة، دعا البرلمان الأوروبى واشنطن إلى إغلاق ذلك المعتقل ومعاملة نزلائه وفق القوانين والأعراف الدولية، فى واحدة من المرات النادرة التى جرؤ فيها ذلك المجلس على الاقتراب من الانتهاكات الأمريكية والأوروبية، لحقوق الإنسان.
كل هذه الوثائق والتحقيقات والدعوات والمناشدات تم وضعها تحت الأحذية، كما لم تتم محاسبة من تورطوا فى جرائم التعذيب، بل تمت مكافأة وترقية بعضهم، مثل جينا هاسبل، التى قام مجلس الشيوخ الأمريكى، فى مايو ٢٠١٨، بالتصديق على تعيينها مديرة لوكالة المخابرات المركزية، مع أن لجنة المخابرات التابعة للمجلس نفسه أدانتها فى تقرير طويل، يقع فى ٦٧٠٠ صفحة، كشف باستفاضة عن برامج الاستجواب تحت التعذيب!. السودانى إبراهيم عثمان إبراهيم إدريس، الذى كان أحد الناجين من هذا الجحيم، جحيم جوانتانامو، توفى الأربعاء الماضى قبل أن يكمل عامه الستين، وأرجع كريستوفر كوران، المحامى الذى يمثل المصالح السودانية فى واشنطن، سبب الوفاة إلى «المضاعفات التى أصيب بها فى جوانتانامو». كما أكد معتقلون آخرون، فى دعاوى لا تزال منظورة أمام القضاء الأمريكى، أن إدريس تعرض معهم للتعذيب.
ألقت القوات الأمريكية القبض على إبراهيم إدريس فى باكستان فى ديسمبر ٢٠٠١، بزعم هروبه من معركة فى تورا بورا، وتم نقله مع ٢٠ آخرين إلى جوانتانامو فى ١١ يناير ٢٠٠٢، وهو اليوم الذى افتتحت فيه وزارة الدفاع الأمريكية مجمع احتجاز واستجواب للمقاتلين الأعداء، أطلقوا عليه اسم «كامب إكس- راى»، وفى اليوم نفسه، ظهرت صورة، تم تداولها على نطاق واسع، لرجال مقيدين، معصوبى الأعين، جالسين على ركابهم، وهم يرتدون ملابس برتقالية.
كانوا يشتبهون فى عمل إدريس حارسًا شخصيًا لأسامة بن لادن، واعتقدوا أنه يعرف التفاصيل الأمنية لزعيم القاعدة، لكن طبقًا لملف تعريف مخابراتى عسكرى أمريكى، تم تسريبه سنة ٢٠٠٨، لم يتم اتهامه رسميًا بارتكاب أى جريمة. كما أظهرت السجلات الطبية أنه قضى فترة طويلة فى وحدة الصحة السلوكية فى السجن، وأن طبيبًا نفسيًا فى الجيش الأمريكى كشف عن إصابته بالفصام، إضافة إلى أمراض أخرى عديدة، أدت إلى إطلاق سراحه وإعادته إلى السودان فى ١٨ ديسمبر ٢٠١٣، لأنه «مريض جدًا، لدرجة أنه لا يمكن أن يشكل تهديدًا لأى شخص».
أخيرًا، وكما رجّحت وكالة «رويترز»، نرجّح نحن أيضًا ألا تنتهى قصة معتقل جوانتانامو قريبًا. وغالبًا، ستظل إدارة بايدن تدرس وتتشاور وتراجع، وستكرّر سيناريو إدارة باراك أوباما، التى وعدت، خلال حملتها الانتخابية، بإغلاق هذا المعتقل فى اليوم الثانى لتوليها الحكم، ثم ظلت تراجع وتتشاور وتدرس وتماطل، حتى انتهت فترتها الثانية، دون أن تغلقه أو تحاكم مَن فيه!.