رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى خطاب رئيس الصين بالمنتدى الاقتصادى العالمى



فى الوقت الذى تجاوز فيه إجمالى وفيات فيروس كورونا فى العالم حاجز المليونين، وتخطى حاجز الإصابات المئة مليون إصابة، وتخطى حجم خسائر الاقتصاد العالمى ١٢ تريليون دولار، وفقًا لما ذكرته الصحف ووكالات الأنباء، ومع استمرار الأزمة على الجانبين الصحى والاقتصادى، وظهور أزمة توفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا لكل الدول ولكل البشر، خاصة الفقراء بشكل عادل، وفى الوقت الذى يتطلع العالم لمستقبل أحسن- تم عقد المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس فى الأسبوع الأخير من يناير ٢٠٢١، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، بحضور قادة وزعماء العالم ورجال المال والأعمال وأصحاب الشركات العابرة للقارات للحوار ووضع التصورات للخروج من الأزمات.
فرضت جائحة فيروس «كوفيد- ١٩» المستجد على المنتدى الاقتصادى بدافوس هذا العام محورًا جديدًا ومهمًا، وهو مسألة التفاوت الواسع فى الدخول وفى مستويات الرعاية الصحية، الذى بدأ يهدد جهود خفض معدلات الفقر وعدم المساواة، هذا بجانب العديد من المحاور الخاصة بإدارة الموارد العالمية والنهوض والتعاون الدولى والإقليمية، وقضية المناخ والبيئة، وقضية مواجهة الفيروس وعدالة توزيع اللقاحات بين الدول الغنية والدول النامية «منخفضة ومتوسطة الدخل» والدول الفقيرة، حيث بدأت تعلو التحذيرات من أكثر من مكان، منها منظمة الصحة العالمية، بأن الدول الفقيرة لن تجد فرصة لإنقاذ سكانها لعدم توافر اللقاحات فى الأسواق، لتكالب شراء الدول الغنية على تلك اللقاحات بجميع أنواعها بكميات تزيد على حاجاتها، لضمان حماية سكانها، خاصة أمام احتمال استمرار وجود الفيروس لفترات طويلة تمتد لأعوام.
تعيش الدول الفقيرة فترات صعبة أمام نقص الإمكانات وصعوبة الحصول على اللقاحات، وفى مثل هذه الظروف الكارثية المظلمة لا بد أن نتشبث بالأمل فى وضع خطط تتسم بالتعاون والتكاتف والعدالة لإنقاذ الفقراء الذين يقترب عددهم من نصف سكان العالم. وسط هذه الظروف يجىء خطاب رئيس جمهورية الصين الشعبية، شى جين بينج، فى المنتدى الاقتصادى العالمى، كنداء موجه لدول العالم، «للعمل على تخطى الأزمة الحالية الصحية والاقتصادية»، حاملًا عدة رسائل ومحاور مهمة، منها الدعوة لتعزيز التنسيق فى السياسات الاقتصادية، وتضافر الجهود لتحقيق النمو الاقتصادى المستدام والشامل من أجل إخراج الاقتصاد العالمى من غيوم الأزمة التى سببتها السياسات النيوليبرالية للرأسمالية المتوحشة والشركات عابرة القارات، تلك الأزمة المتجسدة فى الفجوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والدول النامية، أى بين الشمال والجنوب، بجانب اتساع الفجوة داخل الدولة الواحدة بين قلة محتكرة للثروات والدخول، وأغلبية بائسة من الفقراء، مما يهدد بمزيد من الشعبوية والتطرف اليمينى واليسارى، اللذين يهددان الاستقرار ويعملان على نمو الصراعات داخليًا وخارجيًا.
فى خطابه أمام المنتدى الاقتصادى وضع شى جين بينج حلولًا للأزمة، وهى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمى ليضمن سيره على طريق النمو الصحى والاقتصادى المستقر، وذلك بنبذ التميز الأيديولوجى والسير على طريق التعايش السلمى والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، والسعى للأرضية المشتركة لإعطاء قوة دافعة لمسيرة تقدم الحضارة الإنسانية، وسد الفجوة بين الجنوب والشمال، حيث قال: «يجب على المجتمع الدولى الوفاء بوعوده، وتوفير دعم ضرورى لتنمية الدول النامية، وضمان حقوقها ومصالحها التنموية المشروعة وتعزيز المساواة».
وأضاف: «وذلك بالالتزام بسيادة القانون الدولى مع صيانة سلطة المؤسسات المتعددة الأطراف، حتى لا ينزلق العالم إلى قانون الغابة، وتتعرض البشرية إلى عواقب كارثية». كما أكد فى هذا المحور أنه «يجب احترام التباين بين الدول والقبول به، وعدم تنمر الأقوياء على الضعفاء، وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، وتسوية الخلافات عبر التشاور والحوار».
وجدير بالذكر أنه منذ مجىء الرئيس الصينى وهو ينتهج سياسة لا يحيد عنها ويعمل على نشرها.. سياسة تنطلق من إيمانه بأنه «ليس للبشرية سوى أرض واحدة ومستقبل مشترك واحد، وعلينا التضامن والتعاون بروح الفريق الواحد لبناء مستقبل مشرق لنا جميعًا، ولقد أثبتت تجاربنا أن سياسة إفقار الجار والعمل الانفرادى واللجوء إلى الانعزال سيُكتَب لها الفشل». إن ما يقدمه الرئيس الصينى للعالم خطة تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد العالمى الذى يقوم على هيمنة وسيطرة قطب واحد على العالم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، قطب يعتمد- ومعه عدد من الدول الرأسمالية الكبرى- على الاستيلاء على الثروات الطبيعية والتعدينية للدول الضعيفة والنامية، مع الحرص على بقاء هذه الدول الفقيرة دون تنمية إنتاجية حقيقية فى مجالات الصناعة والزراعة، حتى لا تعتمد على نفسها فى توفير احتياجاتها الأساسية، وتستمر كسوق استهلاكية لمنتجات الدول الغنية وتلتحق بعجلة القروض وتختنق بمزيد من الديون وأعبائها وتستمر فى فلك التبعية. ومن أهم ما جاء فى خطاب الرئيس الصينى هو التحذير من استمرار تشبث أمريكا بالهيمنة والسيطرة على دول العالم كقطب أوحد، دون الاعتراف بالأقطاب الصاعدة كروسيا والصين، حيث قال: «إن إشعال حرب باردة جديدة على الساحة الدولية وإقصاء وتهديد وتخويف الآخرين، وفك الارتباط وقطع الإمداد وفرض العقوبات بدون مبرر، وافتعال التباعد والانعزال- سيدفع العالم إلى اتجاه الانقسام والمجابهة، وسيقودنا ذلك إلى طريق مسدود».
وجدير بالذكر أنه منذ مجىء الرئيس شى جين بينج عام ٢٠١٣ وهو مستمر فى انتهاج سياستى الإصلاح والانفتاح، وأكد ذلك فى خطابه الأخير بدافوس، الذى قال فيه: «يجب بناء الاقتصاد العالمى المنفتح وصيانة المنظومة التجارية متعددة الأطراف بدلًا من وضع نظم تمييزية وإقصائية، ويجب توطيد مكانة مجموعة العشرين باعتبارها منصة رئيسية للحوكمة الاقتصادية العالمية». وفى جانب آخر من الخطاب، تطرق الرئيس الصينى للحديث عن تعزيز الجهود لمواجهة تغير المناخ، حيث شدد على تكريس أسلوب أخضر ومنخفض الكربون للحياة والإنتاج، مع العمل على تحييد الكربون عام ٢٠٦٠، وتنفيذ اتفاقية باريس لمواجهة تغير المناخ وتعزيز التنمية الخضراء.
أما بالنسبة للتطور التكنولوجى قال شى جين بينج: «ستواصل الصين تطوير العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وستعمل مع دول العالم على خلق بيئة عادلة ومنصفة وغير تمييزية للتطور العلمى والتكنولوجى لما فيه نفع وخير الجميع». نعم إن البشرية تأمل التعاون بين الدول على أساس المصالح المشتركة، وتأمل فى إنهاء الصراعات وبؤر الحروب المشتعلة وحل الخلافات سلميًا من أجل عالم يحيا فى سلام وعدل ورخاء.