رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد القصبي يكتب: هل مواجهة دجال المعصرة مهمة شرطة بلقاس.. فقط؟!

محمد القصبي يكتب
محمد القصبي يكتب

مشكلة منظمة الصحة العالمية مع كورونا أنها طرقت الباب الخطأ.. أطباء وعلماء وكمامات ومستشفيات ومراكز بحث وشركات أدوية.. والحل ليس لدى أي من هذه الجهات.. بل لدى الرجل المبروك ابن قريتي المعصرة بلقاس.. مولانا الشيخ العارف!!

الشيخ العارف يراه العديد من أهالي القرية والقرى المجاورة اسم على مسمى، دبة النملة في العوالم السفلية والعلوية لاتخفى عليه، من وكره بالقرية يحكم ويتحكم في عالم الجن والعفاريت، وبإشارة منه لصبي من صبيان الجن يأتيه بكل فيروسات كورونا مكبلة الأيدي والأرجل!! ولأنه رجل ورع لا يحصل سوى على 500 جنيه تكاليف مواصلات صبيه في عوالم الجن!!

أما مشكلة مثل سد النهضة التي تؤرقنا فهي بالنسبة للمعتقدين في مولانا العارف لعب عيال!! يكفيه أن يسلط أتباعه من الجن ليزيحوا السد تماما بل ويغيروا مجرى النهر لينبع من بلاد أخرى غير أثيوبيا!!

والحمد لله ليس لدينا في مصر "عارفا" واحدا بل 300 ألف عارف بمعدل عارف لكل 270 مواطنًا طبقا لدراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. ثروة قومية مهدرة لو استُغلت جيدا فلن نكون في حاجة إلى مدارس ولا جامعات ولا مستشفيات ولا مصانع ولا مزارع.. مولانا الشيخ العارف بفضل صبيانه من الجن والعفاريت هيعيِّش المئة مليون مصري في نغنغة لامثيل لها في العالم!!

هل تنضح سطوري بالسخرية عما آلت إليه أحوالنا. أحوال الشعب الذي كان منشأ مراكز إشعاع العلم والمعرفة على الكوكب منذ 7 آلاف سنة!

منذ عدة أسابيع أجرت جماعة معنية بتاريخ الشعوب القديمة مسابقة حول أعظم الحضارات تأثيرا على تطور البشرية.. المسابقة ضمت 16 حضارة قديمة وانتهت التصفيات بوصول حضارتين إلى التصفية النهائية الفرعونية والرومانية لتشتد المنافسة بينهما أيهما الأعظم ؟

آلاف المشاركين من جميع القارات انتهوا إلى أن الحضارة الرومانية حققت انتصارات عسكرية كبيرة لكن الحضارة المصرية هي التي أضاءت طريق البشرية بالعلم والمعرفة.

مشارك من بورما قال الإمبراطورية الرومانية تأسست على الحروب والغزو لكن قبلها بألفي سنة كان للفراعنة إنجازات عظيمة في الطب والفلك والمعمار والرياضيات وكافة العلوم.

المسابقة انتهت بفوز أجدادنا الفراعنة بالمركز الأول بفضل إيمانهم بالعقلانية.. بالتفكير العلمي بنوا الأهرامات أعظم آثار العالم القديم بدقة الحسابات الهندسية وبملكة الإبداع المعماري وليس بالجن والعفاريت!

الآن.. الأحفاد الآن يسلمون أمرهم ومصيرهم لمولانا الشيخ العارف للدجالين؟!

خلال زيارتي لقريتي المعصرة منذ عامين التقيت بسائق توكتوك، وكعادتي مع هؤلاء البسطاء الذين يمضون يومهم قتالًا من أجل لقمة العيش سألته عن أحواله..كيف يدبر أموره المعيشية؟ وحين أخبرني أنه أمضى 15 سنة في السعودية شعرت بالارتياح لأن يقينًا أحواله المعيشية ميسورة لكن لماذا التوكتوك؟ ألا تتيح له مدخراته عبر 15 سنة من الكفاح في السعودية مشروعًا أفضل؟!

سألته فداهمني:
-الـ 250 ألف جنيه اللي حوشتها في السعودية صرفتها على بنتي!

سألته في هلع:
- مريضة؟ عليها جن وماسيبتش شيخ إلا ما خبطت على بابه وآخرهم شيخ بيظهر في التليفزيون!!

حكاية سائق التوكتوك الغلبان ليست سوى واحدة من مآسي ملايين المصريين الذين يهدرون عشرات المليارات من الجنيهات سنويا على مباخر الشيخ العارف، ولا يكتفي هؤلاء الدجالون فقط بالنصب والاحتيال بل الأسوأ لا يتورعون عن الاعتداء على أعراض نسائنا ملفات أقسام الشرطة تكتنز بالمئات من القصص الكارثية في هذا الشأن.
واحدة من تلك الجرائم المأساوية كان مسرحها شارع وابور النور– مرتع الدجالين في مركز بلقاس– حيث توجهت فتاة بسيطة إلى أحد هؤلاء الدجالين تشكو مشكلة صحية وكالعادة أخبرها أنها "ملبوسة بجن" وأنه لن يخرج إلا إذا عاشرها معاشرة الأزواج المسكينة فقدت عذريتها!! وباقي المأساة ليست خافية على العديد من أهالي المركز! إلا أن الأمر في "أبو النمرس" تجاوز الاغتصاب إلى القتل حيث أقدمت سيدة اسمها نفيسة على قتل زوجها "حماد" طعنًا بالسكين.

خلال التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة، قالت المتهمة إنها تزوجت من "حماد أ أ" منذ 10 سنوات واكتشفت بالصدفة أنه ساحر بعد تلقيها مكالمة من شقيقة أحد ضحايا المجني عليه، وقالت لها إن زوجها تسبب في انتحار شقيقتها بعد أن أفقدها عذريتها بحجة علاجها من المس.

المتهمة قالت أيضًا، أنها اكتشفت غرفة سرية في منزل زوجها وحين كسرت الباب فوجئت داخل الغرفة بأدوات غريبة وأعشاب وبخور وطبق ملىء بالدم، وعندما واجهت خادم زوجها اعترف لها بأنه– أي زوجها- يستغل خبرته في أعمال السحر والشعوذة في الإيقاع بالسيدات لممارسة الجنس معهن بعد استدراجهن عن طريق الإنترنت والمكالمات الهاتفية.

جريمة وابور النور وجريمة أبو النمرس مجرد نموذجين للآلاف من الكوارث التي تقع على أيدي هؤلاء الدجالين، وبالطبع غالبية تلك الجرائم لا يعلن عنها ولايتم إبلاغ الشرطة خشية الفضيحة!!

رغم هذا لا نكف عن زيارة أوكارهم!! 63% من المصريين يلوذون بهؤلاء الدجالين لحل مشاكلهم الصحية والاجتماعية، ويهدرون على مباخرهم 10مليارات جنيه سنويا!

والمؤلم أن زبائن مولانا الشيخ العارف ليسوا فقط من الأميين بل جامعيين وأساتذة وسياسيين وإعلاميين نخبويين يُفترَض أن يجِّيشوا علمهم وتعليمهم لتوعية البسطاء بمخاطر هؤلاء الدجالين! لكن متعلمينا في حاجة على مايبدو إلى توعية!!! بل المثير للمرارة أن هؤلاء النخبويين يشاركون أيضا في إضفاء هالة من الإجلال والتقديس على هؤلاء المشعوذين.. فهذا العارف الدجال في قريتي وكما هوحال كل دجال في أنحاء مصر، نطلق عليه أعظم ألقابنا الدينية الشيخ، وأحيانا مولانا الشيخ!!

وأين الجهات الأمنية؟ هل مواجهة دجال المعصرة وكل الدجالين الذين سلبوا سائق التوكتوك الغلبان تحويشة 15 سنة من الشقاء والغربة في الخليج مهمة العميد سامي الحديدي مأمور شرطة مركز بلقاس فقط؟ هل يتعين على وزارة الداخلية وحدها تحمل عبء تنظيف مصر من مطاردة الـ300 ألف دجال المنتشرين في أنحاء الدولة المصرية؟

بل قبل العميد سامي الحديدي وقبل وزارة الداخلية هي في الأصل مهمة وزيرة الثقافة التي تهدر نحو ملياري جنيه سنويًا على مؤتمرات لا يحضرها أحد وأنشطة لا علاقة لها بأمراضنا الثقافية من جهل ودجل وشعوذة وتشويه الشوارع بمخلفاتنا.

وقبل ذلك هي مهمة ورسالة وزير الأوقاف الذي يروج وعاظه للخرافات كالقول أن أبا حنيفة أمضى ٤٠ سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء! الدجالون يحكمون سيطرتهم على دماغ المصريين ولم أسمع مرة خطيب مسجد يتطرق إلى تلك القضية الخطيرة.

منذ سنوات اشتعلت الحرائق في بعض منازل قرية بالشرقية، وروج المشعوذون - وبينهم نائب في مجلس النواب- أن جني هو الذي يشعل تلك الحرائق وصدق الناس لأنهم لم يسمعوا مفكرًا أو واعظًا يقول غير ذلك.

وعاظنا حصروا الدين في أدعية وأذكار وهل صليت على النبي؟ أما السلوك فقلما سمعت واعظًا يتطرق إليه، الغش تفشى في الامتحانات بالثانوية والجامعات، ولا أحد من وعاظنا صرخ من فوق منبره بحديث الرسول الكريم: من غشنا ليس منا!

هي أيضًا مسئولية الإعلام. لكن حتى العديد من الإعلاميين يفتقدون ما يكفي من الوعي لإدراك أن دجال المعصرة خطر - ولا أبالغ- على أمننا القومي بل أن الكثير من القنوات الفضائية تحتفي بهؤلاء الدجالين في برامجها!! ولايختلف الحال في السينما، أفلام تكرس لتلك الخرافات كما رأينا مثلًا في فيلم الإنس والجن!

لكن يقينا الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الشاقة لمواجهة دجال المعصرة تبدأ من المدارس بل ومن سنة أولى ابتدائي حين يتم الاحتفاء بغريزة العقلانية لدى أطفالنا، فإن أمطرت السماء نشرح للطفل كيف تتكون السحب وكيف تمطر السماء، ولا نقول له إن المطر هو عطسة العفاريت! إنْ مرض أحد نشرح للطفل بشكل علمي كيف نصاب بالأمراض ودور الميكروبات والفيروسات وكيفية حماية أجسامنا، ولانقول له إنْ مرضت الأم أو الأخت أن الجن لابسها!

أتذكر حين هاجم بابا الفاتيكان السابق باناديكت السادس عشرة الإسلام عام 2006، كالعادة هاج وعاظنا ومشايخنا وسبوا هذا الكافر، لكن صوتًا غير مسلم وحده الذي كان رده بليغا وهو توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي قال لبانديكت: القرأن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي أتى على ذكر العقل أكثر من ٤٠ مرة!

الآخرون يرون للأسف في ديننا ما نرفض نحن أن نراه!

توني بلير يرى الإسلام دين علم وعقلانية.. ونحن نراه دين جن وعفاريت وتعاويذ وأعمال!!