رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وحيد حامد.. صندوق أسرار المبدع الأعظم

وحيد حامد
وحيد حامد

عاش وحيد حامد شجاعًا، ومات شريفًا، يعمل بذراعه حتى آخر نفس، كان مشاكسًا ومغامرًا، وفارسًا مغوارًا فى معاركه الفكرية، لم يخش أحدًا، ولا تقهقر إلى الوراء أبدًا، قال كلمته فى الحياة بجرأة.. ثم مضى فى سلام. من اللحظة الأولى، حين تراه، تتفاجأ بلطفه وهدوئه، وتكون فى حيرة من عينيه ونظراته المحايدة، فتتساءل فى داخلك: هل هذا هو نفس الرجل الذى إذا كتب تشتعل المعارك ويصوب خصومه مدافعهم نحوه؟ الحقيقة نعم هو نفس الرجل، لكنك مع الوقت تكتشف أن هذا الهدوء وتلك البساطة ليسا إلا قناعًا يخفى بداخله بركانًا ونقدًا لاذعًا للدنيا والناس والحياة كلها، ولديه استعداد فى أى لحظة أن يفور ويخوض معركة إثر المعركة دون توقف.
والحقيقة من المغرى جدًا أن تعرف ما تكنه هذه الشخصية فى داخلها، فما أسرارها وتفاصيلها الشخصية؟.. الحقيقة كثيرون لا يعرفون، لقد اختار وحيد حامد أن تكون حياته الشخصية فى منأى عن عيون الآخرين، فظروف نشأته وتكوينه وحياته التى بدأها عندما جاء من الزقازيق إلى القاهرة، شابًا حالمًا، مليئة بالحكايات الملهمة والمواقف المضيئة والمظلمة.




رفضونى فى المسرح القومى.. وقالوا لى: «إنت متنفعش مؤلف»

من الأسرار الشخصية فى حياة وحيد حامد رفضه من أوساط المثقفين فى بداياته، حين جاء من الزقازيق مغرمًا بالأدب، حالمًا بأن يكون أديبًا مرموقًا، إذ كان يكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرح، فحين قدّم مسرحيته الأولى فى المسرح القومى رفضها الناقد عبدالفتاح البارودى، والفنان سعد أردش.
وحيد حامد تذكر هذا الموقف وروى لى لأول مرة تفاصيله وقال: «تخيل أن عبدالفتاح البارودى قال إننى لا أنفع فى الكتابة! وحين سألنى عن مثلى الأعلى فى الكتابة وأخبرته أنه نجيب محفوظ، قال لى: نجيب محفوظ مش مؤلف وإنت كمان متنفعش تبقى مؤلف».
وكذلك سعد أردش، الذى كان فى لجنة التحكيم، رفض مسرحيته وطالبه بالعودة إلى قريته مثلما جاء منها، لكن شاءت الأقدار أن يقاوم، ويقدم أول أعماله الإذاعية وهو «طائر الليل الحزين»، ويكون أحد أبطاله سعد أردش!
يروى وحيد هذا الموقف ضاحكًا: «سعد أردش سأل المخرج مصطفى أبوحطب: (مين العبقرى اللى كاتب الحوار ده؟)، فقال له: (ده شاب جديد اسمه وحيد حامد)، وطلب يشوفنى».
وحين ذهب وحيد إلى سعد أردش لم يتذكره، ولكن وحيد لم يُفضِّل أن يخبره بأنه نفس الشاب الذى أحبطه منذ سنوات.
يتذكر وحيد ويقول: «مشوارى لم يكن ممهدًا بالورد، تعرضت لضربات فى مقتل، خاصة فى شبابى، كنت زاحفًا من الأرياف للمدينة كالكتكوت المبلول فى مهب الريح، لكنى قاومت وصمدت حتى لا أعود لأننى آمنت بنفسى».

أوان الورد تسبب في إصابتي بمرض القلب

رحل وحيد حامد متأثرًا بعد إصابته بأزمة قلبية، ومعاناته من متاعب فى الرئة، ولا يعلم كثيرون أن هذا المرض تعرض له لأول مرة بسبب مسلسل «أوان الورد» الذى قدمته يسرا والفنان الهارب هشام عبدالحميد، وكان يدور حول مسلم يتزوج من مسيحية، وحول العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.
يحكى وحيد: «هى المعركة الأشرس فى حياتى، ولم أواجه مثلها، بسببها جالى مرض القلب، ثار رجال الدين المسيحى، وكأن القيامة قامت، وقالوا إن وحيد حامد يحرض الفتيات المسيحيات على الزواج من الرجال المسلمين، ثم استغلت الجماعة الإسلامية هذا الاشتباك وحاولت أن تستقطبنى لكى تضرب الكنيسة بى، ولكنى رفضت، ولأن البابا شنودة كان رجلًا سياسيًا عاقلًا، استطاع أن ينقذنا من أيديهم جميعًا». كانت معركة شرسة، وكان لا ينام سوى ساعتين فى اليوم، ودخل المستشفى وأصيب بمرض فى القلب، الذى زامنه حتى آخر لحظة فى حياته، ولم ينقذه من هذه المعركة سوى البابا شنودة الذى اجتمع معه ومع رجال الكنيسة: «قابلت رجال الكنيسة وقلت لهم إن البطلة ندمت فى النهاية إنها تزوجت الرجل المسلم، فضحك البابا شنودة وقال لهم: تصدقوا عيب عليكم.. بدل ما تشكروه إنه خلاها تندم». ووحيد حامد بطل مغوار، فهو يتصدى للمعارك بالنيابة عن كل نجوم العمل، نكشف حكاية نادرة من صندوق حكاياته: «فى مسلسل (العائلة)، وقعت أزمة كبيرة بسبب مشهد لمحمود مرسى، أنكر فيه عذاب القبر، حالة الهياج التى حدثت فى المجتمع بأكمله ورجال الدين والإعلام لا يمكن أن يتخيلها أحد، والحقيقة الجملة التى قالها محمود مرسى وأغضبت الجميع لم أكتبها فى السيناريو، ومع ذلك تصديت للحملة الشرسة، ولم أخرج لأقول إننى لم أكتب ذلك، وإن محمود مرسى هو الذى أضاف الكلام من نفسه، لأنى مش جبان، فطالما العمل مكتوب عليه اسمى فأنا أتحمل المسئولية، وتحملت الضربات والطعنات والتشكيك فى دينى، والحقيقة محمود مرسى اعترف ووقف بجانبى فهو أستاذى، بل أستاذ الأساتذة، كان عملاقًا ومثقفًا إلى درجة لا تتخيلها، وأول من عملت معهم وأول من اعترفوا بى، ولولاهم ما كنت أنا».

أنا عصامى.. وتزوجت وأنا لا أملك شقة ولا وظيفة

عاش وحيد حامد حياته بذراعه كما يحب أن يقول: «لم يدخل بيتى مليم سوى من عملى»، وقصة زواجه بحبيبة عمره الإذاعية الشهيرة ورئيسة التليفزيون سابقًا زينب سويدان هى أكبر دليل على ذلك.
يقول فى اعترافه الخاص: «زينب هى التى كانت تقدم بصوتها إعلان مسلسلى الإذاعى، وأحببتها من صوتها، فسألت عنها، كانت تعمل فى ماسبيرو، فتقابلنا وبدأت قصة حب بيننا».
كان ذلك عام ١٩٧٦، حين تزوجها كان لا يملك مسكنًا، تزوج فى شقة مفروشة ولا يملك وظيفة: «أنا رفضت العمل بالحكومة، ودى مغامرة كبيرة، لأن الوظيفة تمنح الإنسان الأمان، كانوا دايما صحاب زينب فى ماسبيرو يقولولها إزاى تتجوزيه وتقعدى فى شقة مفروشة ومعندوش وظيفة؟».
لم يكن هذا الصعب فقط فى قصة حبه، بل اعترف أنه تأذى نفسيًا من تلميحات أسرة زوجته، إذ كانت أسرة ثرية، وكل شقيقات الزوجة متزوجات من رجال مرموقين، بينما هو لا يملك حتى وظيفة صغيرة ولا أموالًا لشراء شقة.
يقول: «أنا مدين لزوجتى بأشياء كثيرة، أولها أنها تحملتنى، عاوز أقولك إن إحنا كنا بنام على مخدة ومرتبة مفروشة على الأرض، ورفضت كل محاولات أسرتها فى مساعدتنا، وقلتلها: هبنى بيتى بنفسى».


لا أستطيع الكتابة إلا فى الأماكن العامة.. و«معرفش أستخدم الكمبيوتر»
حين تدخل على وحيد حامد فأنت تجد أمامه حقيبة وورقًا ملونًا وأقلامًا ملونة، هكذا يكتب، ولا يجيد أى طريقة فى الكتابة سوى بهذا الشكل، وحين سألته مرة: «لماذا لا تستعين بالكمبيوتر؟»، قال إنه لا يعرف، وحاول التعلم على الكمبيوتر لكنه اكتشف أنه عجز عن التفكير، فأفكاره لا تتدفق إلا على الورق الملون وبأقلام ملونة. ليس ذلك فقط، فإنه لم يغير مكانه فى فندق جراند حياة حتى آخر يوم فى عمره، فمكانه المفضل فى بهو الفندق أمام النيل مباشرة، يكتب كل شخصياته ويعصر أفكاره ليكتب.
يقول: «لا أستطيع الكتابة إلا فى الأماكن العامة، هذه طقوسى، فلكل كاتب طقوسه، بدأت هذه العادة فى كافيتريا اسمها حورس بوسط البلد، ثم انتقلت إلى محل إكسليسيور، ثم سميراميس ثم الهيلتون، ثم حاليًا هذا الفندق، وكل فواتيرى هنا على حسابى الشخصى، ولم يجلس أحد هنا مكانك ومد يده إلى جيبه».


أنا الآن وحيد بلا أصدقاء وهؤلاء صدمونى
للكاتب الراحل آراء فى العديد من المشاهير من أصدقائه، بعضها صادم، وبالتحديد عام ٢٠١٧ حين روى لنا هذا الكلام كان يشكو من الوحدة: «أنا وحيد الآن بلا أصدقاء، لم يعد مجلس الشر موجودًا، وكثيرون من أصدقائى تغيروا وصرت أمقتهم». وكان رأيه فى محمد صبحى: «مبصدقهوش»، أما أحمد زكى: «عبقرى التمثيل الأول»، بينما أعرب عن غضبه من الفنان عبدالعزيز مخيون بسبب مسلسل «الجماعة ٢»: «بيعمل مشاكل كتير مع المخرجين، وبيبقى عاوز يبقى هو المخرج وبينسى إنه مجرد ممثل».


عادل إمام رفيقى.. لكنه يحب نفسه أحيانًا بشكل مبالغ فيه

رغم هدوئه فإن حياة وحيد حامد كانت مكتظة بالصخب واللقاءات وأمسيات الترفيه وجلسات النميمة، كان يجمع أصدقاءه من المشاهير فى لقاء أسبوعى عُرف فيما بعد بـ«مجلس الشر».
كان من ضمن أعضاء هذا المجلس الدائم الفنان الكبير عادل إمام.
بشكل شخصى روى وحيد حامد موقفه من الزعيم، قال: «عادل إمام صاحبى ورفيقى وكان يجلس هنا دائمًا، إحنا عشرة كبيرة، لكن كل إنسان عنده مصالحه، أنا توقفت عن عرض ما أكتبه عليه، لأنه يبدو أنه وجدنى لا أصلح ولا ألبى رغباته، كما تكرر أكثر من مرة أننى أكلمه ولا يرد على الهاتف».
هل الزعيم مغرور؟.. سؤال كان لا بد أن نعرف إجابته من وحيد حامد، والعجيب رغم موقفه، كانت إجابته: «أبسط إنسان فى الدنيا هو عادل، لكنه أحيانًا دائمًا يحب نفسه بشكل مبالغ فيه، ويتجاوز أشياء إنسانية لا يجب أن يتم تجاوزها على الإطلاق».
كان الكاتب الراحل يتحدث بهدوء، ويختار كلماته بعناية وهو يتحدث عن رفيق مشوار العمر، إذ قدما معًا أجمل الأفلام السينمائية التى ستظل خالدة فى ذاكرة السينما.