رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فخ هانيبال.. كيف أجبرنا مجرم شرير على حبه؟

هانيبال
هانيبال

- «هانيبال» اعترف.. ما هذه المقبلات رائعة الشكل؟
- بهدوء شديد وابتسامة تخفي نظرة ماكرة يرد: إذا أخبرتك.. أخشى أنك لن تتذوقيها.
 

يسقط الجميع في نوبة ضحك، ثم يتذكرون صديقهم العازف في الفرقة الموسيقية الذي اختفى، بينما هو أمامهم على المائدة في الأطباق، وهم لا يدرون! هو لم يكذب عليهم بالطبع، ولكن بأسلوبه الجذاب غير دفة الحوار.

كان هانيبال قد قرر قتل أحد عازفي الفريق الموسيقي، وأكله ليس لسبب غير أن أدائه لم يعجبه حينما كان يستمتع بأحد العروض. بهذه الطريقة البسيطة كان يختار الدكتور ليكتر ضحاياه، فبعيدا عن قتله لمن يطاردوه، فقد كان يرى ضحاياه على شكل نشاذ يرغب في القضاء عليه، وربما قطعة من اللحم الشهي تشبع رغباته.

• الحوار السابق من فيلم Red Dragon الذي صدر في العام 2002.

◘ ثنائية الخير والشر

 
هناك علاقة مثيرة ووثيقة بين الخير والشر في هذا العالم، ربما لا يمكن تمييز ذلك بوضوح، وحتى لا يمكن لأهل الخير أن يتحدثوا عن ذلك باعتباره أمر شاذ وغير منطقي، ولكن هكذا هو الحال، هذا التنافر يخلق الإبداع ويفجر الطاقات، في الكثير من الأحيان يبدو الشر أقوى من الخير، لأنه في عالم النور يكون الخير محمي من قبل المجتمع، والدولة والقانون، وأما الشر فهو يسير طوال الوقت في الظلمات، وهو ما يعني أن عليه أن يطور حواسا خاصة تمكنه من التعامل مع الواقع الذي يعيش فيه للوصول لتحقيق رغباته، وهو ما يمنحه قوة أكبر، وإن كانت ظاهرية.

من هذه الزاوية يمكنك أن تنظر للعلاقة بين هانيبال ليكتر، الطبيب النفسي، والذي كان يعمل جراحا، ويمتلك ثقافة عالية، وذكاء حادا، وحواس طورها لكي تكون ملائمة لما يشعر أنه خلق له، وتجعله في متربة أعلى من البشر العاديون، وفي المقابل هناك من يمثل جانب الخير في هذا العالم، وهو المحقق ويل جراهام، والذي يختلف عن البقية بالذكاء الألمعي، والخيال الذي يجعل منه نموذجا مختلفا يُعجب به القاتل المحترف هانيبال، وكذلك المحققة كلاريس ستارلينج، التي ستقوم بنفس الدور مع هانيبال فيما بعد.

عند النظر لشخصية هانيبال ليكتر، فأنت تقع بين شقين، جانب منك يشعر بالإعجاب بهذه الحالة البشرية الفريدة من نوعها، وفي جانب آخر تشعر بالنفور من هذا الجانب المظلم الذي يسير معه كظله.

◘ حينما تشعر بألم أكبر.. فإنك لن تميز الألم الأقل
 

ببساطة هذه هي البداية، كما ظهرت في فيلم "تمرد هانيبال" حيث تعرض لظروف قاسية، جمعته مع الجنود الروس الذين أكلوا شقيقته بسبب البرد والجوع، ثم مضى بعد ذلك ممتلئ بالغضب، ليعيش بعض الوقت مع زوجة عمه التي علمته فنون القتال، وبدأ يبحث عن الانتقام، كما فعلوا مع شقيقته، يقتلهم ويأكلهم.

وظهر في أكثر من مرة تعرضه لإصابات جسدية، ومع ذلك لم يبد عليه أي شعور بالألم، وتكرر كذلك في "التنين الأحمر" حينما طعنه ويل جراهام، وكذلك حينما قرر في "هانيبال" قطع يده اليسرى.

◘ حافة الموت.. أكثر محفزات النجاة
 

اجتمعت الظروف مع الاستعداد الفطري، والقسوة، في كيان واحد ليصنعوا الدافع النفسي لشخصية هانيبال، ولا يمكن أن تصفه بأنه "مجرم سيكوباتي" لأنه تخطى تلك المرحلة، ربما يمكن أن تصنف المجرمين الآخرين الذي ظهروا في سياق القصة سيكوباتيين، ولكن هانيبال.. أمر صعب.

شخصية هانيبال ليكتر، كانت تجمع الهدوء والاتزان، الذكاء، والأعين الحادة، والحس الفني والتذوق، واستعان أفضل من أدى الدور وهو انتوني هوبكنز، والذي حصل على جائزة الأوسكار عن دوره في "صمت الحملان"، بصفات الصيد عند الحيوانات، وطريقة الاستعداد، كان يمكنك أن تلحظ ذلك في طريقة انتصاب ظهره عند الجلوس والوقوف، وحاسة الشم الفائقة، والنظر الباردة، التي لا تمتلئ بالغضب عندما تهم للقتل، ولكنه فقط فعل غريزي، فالحيوانات حينما تنقض على فريستها، فإنه لا يكون هناك عداء بينهما، ولكن فقط فعل غريزي.

ربما هذا وجه الخلاف الذي صنعه "تمرد هانيبال"، وربما لا، الأمر يعود للطريقة التي ترى بها الأمر، فالأكثر قربا للواقع أن هانيبال كان كذلك، خُلِق على هذه الشاكلة، وكان يحتاج فقط لشعلة تنير له طريق الدماء الذي يحبه، الظروف لم تصنعه، هو كان كذلك بالفعل، ربما كان يبحث في عقله الباطن عن سبب يكون وقودا لمسيرته، ولهذا يمكن فصل "تمرد هانيبال" عن السلسلة، لأن التأسيس النفسي المبني على الانتقام، من الصعب أن يؤدي لقاتل يتلذذ بأكل بعض أجزاء من ضحاياه، خصوصا أن الأمر يذكره بما حدث مع شقيقته، وهو سبب أدعى لكي يجعله يكره هذا الفعل تحديدا، لا أن يتمادى فيه، إلا إن كان فقط يحيي ما هو موجود بالفعل، أو أنه بعدما انتهى من الانتقام، أعجبه الشخص الذي أصبح عليه.

على أية حال، بالإضافة للصفات التي كانت بادية بوضوح على تكوين شخصية هانيبال والتي كما قلنا تشبه طريقة صيد الحيوانات، وتعتمد على الترصد بهدوء والانقضاض المفاجئ، فهو كان يتمتع بصفات أخرى، عقلية، جعلته دائما يسبق بخطوة، وهي ميزته الدائمة.

◘ السابيوسكشوالتي
 

بدا جليا أن شخصية هانيبال ليكتر تنتمي لـ"السابيوسكشوالتي"، والذي ينجذبون نحو الذكاء، فأكثر ما يلفتهم في الآخرين هي عوامل العقل وطريقة التفكير، أكثر من الشكل والصفات الأخرى، كان هذا هو الرابط المشترك بين "ويل جراهام" وكذلك "كلاريس ستارلنج"، وهو صرح بذلك خلال الأحداث أكثر من مرة، كان يريد أن يحولهما من الخير للشر، كان يرى فيها قدرات، ويعرف أنهم يكملون بعضهم، وقال لـ جراهام "إننا نشبه بعضنا، نملك تصورا لا يملكه الآخيرن، ولهذا نحن أفضل منهم".

ومع كل صفات هانيبال، فإنه مازال بشري، فقد كان يشعر بالخوف، وكان يشم ذلك على جسد ويل جراهام أيضًا، ولكن الفرق هنا، أن آكل لحوم البشر كان يمكنه السيطرة على هذا ويستغله في تحفيز نفسه، ويعتبره ميزة في صالحه، بينما ويل جراهام، لم يفعل ذلك، لذلك كانت تسقط منه بعض الأمور أحيانا، وكان عليه العودة لـ هانيبال ليصحح له المسار، والأخير يجيبه بعد حوار تغلب عليه المراوغة، ليس لشيء، أكثر من أنه استمتاعه بالحوار.

◘ أنت نظرت لكنك لم ترَ
 

في "التنين الأحمر"، كرر هانيبال لـ ويل جراهام، نفس الجملة مرتين "أنت نظرت لكنك لم ترَ"، كان هذا أيضًا من الأمور التي تميز هانيبال، كان يمكنه أن يرى الأنماط، وكان ويل كذلك، ولكن هانيبال المتحرر من كل قيد، ويفعل ما يفعل من أجل الاستمتاع، كان أكثر حدة في النظر، بينما ويل كان أبطأ بعض الشيء، وإن كان ينتصر في النهاية.

على الوجه الآخر، لم تختلف شخصية ويل جراهام والتي أداها إدوارد نورتون في فيلم "التنين الأحمر"، وكلاريس ستارلنج، التي أدت دورها مرة "جودي فوستر" في "صمت الحملان"، وجوليان مور في "هانيبال"، فالثلاثي كان يستخدم نفس الطريقة، ذكاء، إنكار للذات، ثبات ظاهري، إحساس مرهف، قيود تمنعهم من التمدد، عراقيل أخرى خارج إرادتهم، في "التنين الأحمر"، كانت الزوجة والابن، وفي حالة "فوستر" و"مور" كانت بعض الأفراد الذين يحاولون عرقلة الأمور ونسب الفضل لأنفسهم.

◘ الشرير الجذاب
 

يمكننا القول، أن هانيبال يمثل جاذبية الشر وسحره، فرغم أنه شر مطلق، إلا أنك مع ذلك لا يمكنك أن تتمنى له الموت، تحب أن تراه وأن يستمر، لا تريده أن يتوقف عن الوجود، أو التعرض للإيذاء، ستشعر بذلك حينما قرر قطيع يده اليسرى لكي يهرب بعدما وضعت فيها ستارلنج القيود في فيلم "هانيبال"، أو حينما طعنه جراهام في "التنين الأحمر"، هو غواية الشر وأقوى جوانبه.

◘ تاريخ شخصية هانيبال

 
ولد في 20 يناير 1933 في ليتوانيا، شخصية الدكتور هانيبال ليكتر، ظهرت لأول مرة في رواية "التنين الأحمر" للكاتب للروائي والسيناريست الأمريكي توماس هاريس في العام 1981، ثم قدمها أربعة ممثلون، وهم بالترتيب: براين كوكس في فيلم manhunter، وأنتوني هوبكنز في ثلاثية: The Silence of the Lambs، وHannibal، وRed Dragon، ثم جاسبارد أوليه قدم Hannibal Rising، وأخيرا مادس ميكلسن في مسلسل Hannibal والذي بدأ عرضه في 2013، واستمر لمدة 3 مواسم ولم يتم تمديده لعدم تحقيقه إيرادات كافية.

التركيز هنا في صناعة المحتوى كان على ثلاثية "هوبكنز"، لأنها هي الأفضل سواء على المستوى الجماهيري أو الشعبية والعائدات، وحتى على مستوى الجوائز، فقد حصد "صمت الحملان" 5 جوائز أوسكار، أفضل فيلم وممثل وممثلة ومخرج وسيناريست، إلى جانب عشرات الجوائز الأخر.