رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بسنت حسن تكتب: خدش الحياء في لبنان


ظننت أن القوانين سيئة السمعة التي نناهضها سعيًا لمجتمع أكثر تقدمية توجد فقط في بلادي وأنها حكر علينا، وبفضل السينما تكسرت العديد من التابوهات التي كنا نظنها حقائق ومطلقات. فقد كسرت المخرجة التونسية الشابة (كوثر بن هنية) بفيلمها (على كف عفريت) والذي عرض في إحدى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تلك الصورة المثالية المنطبعة في أذهان الكثيرين منا عن المجتمع التونسي وحرية النساء المطلقة في تونس إذ تعرضت المخرجة في الفيلم لفساد بعض رجال الشرطة هنالك وسردت قصة حقيقية حدثت بالفعل عام ٢٠١٢ لفتاة جامعية تم اغتصابها على يد اثنين من رجال الشرطة في تونس لأنها ترتدي ملابس السهرة (غير المحتشمة) من منظورهما وتصادق الشباب.. فاعتبرت محرضة على الفسق وتستحق أن يتم اغتصابها ولا يجب التعاطف معها !

ونفس الاعتقاد الآنف قد ينسحب على نمط العيش في المجتمع اللبناني وأن المرأة تعيش هنالك بحرية مطلقة وأن كل شيء على ما يرام مجتمعيًا وعلى مستوى القوانين في حين أن بعض قوانين البلاد هناك لا تختلف كثيرًا عن القوانين في مصر وأن الحريات التي تتمتع بها المرأة في لبنان قد تكون شكلانية ليس إلا وأن نساء الشرق يعانين دومًا هنا وهناك.. النساء يعانين في لبنان وفي تونس كما يعانين في مصر التي تسلفنت بفعل فاعل منذ سنوات مع صعود المد الوهابي وانتشار الفكر الأصولي الذي طال كل شيء في حياتنا ونجح في طمس هوية وثقافة بلادنا وانفتاحها الذي لم يعد موجودا وفقدنا تلك التعددية الثقافية وما فيها من رحابة وتقزمت البلاد بعد الغزو الصحراوي ورياح التصحر التي هبت على بلاد النيل والمتوسط وانحسار المد الكوزموبوليتان وتأثير ذلك على الشخصية المصرية وانسحاب ذلك أيضًا على المجتمع ككل.

و في الفيلم اللبناني الذي عرض ضمن قسم العروض الخاصة في الدورة الـ ٤٢ من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحت عنوان ( tv society )
طُرحت العديد من القضايا الهامة وناقش الفيلم مواضيع شتى منها تأثير الميديا في حيوات الناس وتوجيهها للرأي العام والتطرق لأزمة التليفزيون وانحسار تأثيره تراكميًا مقارنة بتأثير السوشال ميديا والتي أصبحت الأكثر تأثيرا ولم تعد إعلامًا بديلًا أو موازيًا بل أصبحت هي مصدر المعلومة والمحرك الأساسي في تشكيل وتوجيه الرأي العام.

وذلك من خلال محاكاة الفيلم لقصة واقعية وحقيقية لسيناريست وبطل الفيلم الممثل والإعلامي اللبناني (فؤاد يمين) المتعدد المواهب والذي قام من قبل بالغناء والتمثيل وتقديم البرامج وكتابة سيناريو هذا الفيلم عن تجربته الخاصة في برنامجه الذي تعرض بسببه للتنمر والإيذاء والهجوم من الأصوات الرجعية في بلده لبنان والذي كان يُصدر لنا دومًا بوصفه مجتمعًا متحررًا منفتحًا لامعًا يشع ألقًا وجمالًا رغم ويلات الحروب المتتابعة وما خلفته الطائفية من تشظي وفرقة لكنه في المخيلة وعند الأغلبية هو بلد الجمال والانفتاح ويعيش دومًا أناسه في سهرات واحتفالات أنيقة نشاهدها في البرامج المختلفة وعبر الشاشات في حين أن هنالك ترسانة من القوانين سيئة السمعة والتي هي سوط مسلط على رقاب من يبدع أو يجتهد تماما كما يحدث في مصر وأن الشرق كله يعاني من هواجس وهلاوس ما يوصف قانونيا بعبارات مثل (خدش الحياء العام) و(هدم قيم الأسرة) و(التحريض على الفسق) و(ازدراء الأديان) وعدم مراعاة قيم المجتمع وتقاليد الشرق!

فمن خلال الفيلم اللبناني علمنا أن الإعلام اللبناني الحر والمجتمع اللبناني الحر ليس حرًا في المطلق كما نعتقد وأن هنالك أصوات تشجب وتدين باسم الأخلاق والفضيلة والقيم المجتمعية وترفع القضايا هنالك أيضا وتقام الدعوات لإيقاف برنامج ومنع فيلم وحجب رواية بتهم (خدش الحياء العام) وهذا ما حدث مع الإعلامي (فؤاد يمين) في لبنان.

وحدث بالطبع في بلادنا مع (إسلام البحيري) والروائي (أحمد ناجي) ومازال القوس مفتوحا لاصطياد المزيد من الفرائس في عالمنا العربي باسم الحياء والفضيلة وقيم المجتمع وتقاليد الشرق!

وأن ما تظنه براقًا يلمع عبر الشاشات يعاني مثلما تعاني أنت في محيطك الضيق وفي مجتمعك ككل، فكلنا في الهم شرق، وكما يتكبد المبدع وتتكبد المرأة في بلادي تتكبد النساء وتعاني من ذات النظرة الرجعية في بلاد كنا نظنها أسعد حالًا لنكتشف أن الهم واحد وأن المعاناة واحدة وأن الاتحاد حتمي لمواجهة محاولات التقهقر التي تريد العودة بنا للوراء والتصدي لترسانة القوانين سيئة السمعة التي تنال ممن يفكرون أو يبحثون أو يبتكرون أو يعبرون عن ذواتهم بشكل صادق وحر والسعي لخلق موطىء قدم ومساحات أكثر رحابة تستوعب فكرا مغايرا تنويريا تقدميا يطوي ويقضي على كل محاولات التقهقر الممنهجة التي تهدر طاقاتنا وتبتز مشاعرنا لكبتها ومنعها من التحليق برحابة.

يخشونها حقًا ويريدون دوما لنا أن نقبع في الحيز الضيق الذي حددوه لنا ووضعوا لنا من خلاله الأطر والمحددات التي لا يجب كسرها أو تخطيها لنعلو فوقها
وأن عالم التلفزيون إلى زوال.. هذا العالم البراق المليء بالكذب.. فإن طرحت من خلاله رأيًا (خارج الصندوق) يقابل ذلك دومًا بالرفض ويقف البعض لتلك المحاولة بالمرصاد.

ليظل الكل قابعا وأسيرا لمحتوى تُحدد له الأطر والمعايير سلفًا ويساق ذلك من أجل التسلية فقط.. فإن صار الكلام صادما صادقًا فلن يروق ذلك لحراس البوابات وسيكون القمع حاضرًا وبالمرصاد وستحاكم على خدشك لحياء الجماهير العام! وسيتقدم أحدهم بدعوى ضدك أنت بوصفه هو الأمين والنائب عن غيره في حماية حياء الآخرين وسيتحدث حينئذ ذلك الآخر باسم الجموع والجماهير والمتلقين بل وباسم المجتمع بأسره بعد خدش حيائه !

نعم يحدث ذلك أيضًا في لبنان !