رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في مهرجان القاهرة..سينما مصرية لا يعرفها أحد!


"عاش يا كابتن" واحد من أفضل أفلام مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام، وأتصور أنه سيخرج من المهرجان فائزا بأكثر من جائزة.
صناع الفيلم من شباب الأسكندرية المستقلين، الذين تمسكوا بالبقاء في مدينتهم ليصنعوا الأفلام التي يرغبون بصنعها، بعيدا عن شروط الصناعة والوسط الفني في القاهرة، التي أصبحت مركزيتها خانقة ومدمرة في معظم المجالات.



"عاش ياكابتن" هو نتاج تعاون بين أصدقاء لديهم حلم مشترك، لا أثر فيه لشراكة "البيزنس" ومواصفات شركات الانتاج ومتطلبات الجماهير.
هو فيلم تسجيلي ليس به ممثلين أوقصة وحبكة ودراما. فيلم تم تصويره على مدار أربع سنوات، سجل خلالها صناعه حوالي ثلاثمئة ساعة، واستغرق مونتاجه عاما ونصف العام، يعني سبع سنوات من عمر صناعه، يعملون خلالها دون أجر، وينفقون من جيوبهم على الفيلم. ولولا أنهم وجدوا دعما كبيرا من شركات انتاج وصناديق دعم من بلاد أخرى على رأسها ألمانيا، لما استطاعوا إكمال الفيلم، أو لما استطاعوا أن يخرجوه بهذا المستوى العالمي. ومن الدال أن الفيلم شارك في مهرجان "لايبزج" أكبر مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم، باسم ألمانيا، حيث فاز بجائزة أفضل فيلم ألماني!
لا شىء ألماني في "عاش ياكابتن" سوى الدعم الذي قدمته مؤسسات ألمانية للفيلم، وهو أمر يطرح مشكلة يعاني منها السينمائيون المستقلون في مصر، حيث لا يجدون مؤسسات أو جهات دعم مصرية، باستثناء مهرجاني "الجونة" و"القاهرة" اللذين يضمان جوائز مالية لدعم المشاريع الفنية الصغيرة، وهي أيضا غير مخصصة للأفلام المصرية فقط.
وبعيدا عن الدعم الدولي، فإن كل شىء آخر في "عاش يا كابتن" مصري حتى النخاع، الموضوع والشخصيات والعالم الذي يعيشون فيه، كلها تكاد أن تتكلم وتقول: هذه مصر، وهؤلاء مصريون، ولو كنا ندرك الفرق بين الوطنية والبروباجاندا لقلت أنه واحد من أعظم الأفلام الوطنية التي يمكن أن ينتجها أي بلد.
الفيلم من اخراج مي زايد وتصوير محمد الحديدي ومونتاج سارة عبد الله، وهو يدور حول واحدة من الرياضات المظلومة في مصر، التي نحقق فيها نتائج ممتازة على المستوى العالمي، ولكنها لا تلقى اهتماما من قبل المسئولين أو الجمهور الذي لا يعرف سوى كرة القدم.
الكابتن رمضان، بطل رفع الأثقال السابق، ووالد نهلة رمضان التي حصلت على بطولة العالم عام 2003، يعمل كمدرب للفقراء بالمجان لأكثر من عشرين عاما.


في بداية الفيلم نرى الكابتن رمضان داخل "خرابة" مهجورة، هي كل ما جادت به محافظة الأسكندرية من دعم للرجل، وهو راض وشاكر، يأتي بأجهزة الرياضة وببعض الأخشاب ويهيء المكان لاستقبال الفتيات الصغيرات اللواتي يرغبن في ممارسة الرياضة لتدريبهن يوميا. بعض هؤلاء الفتيات حصلن على بطولات محلية وإفريقية وعالمية، ومنهن فتاة جديدة يستشعر الكابتن رمضان أنها تملك مؤهلات البطلة، ويركز عليها، اسمها إسراء ويلقبونها "زبيبة" لسمار لونها.


يتتبع الفيلم مسيرة "زبيبة" منذ أن كان عمرها أربعة عشر عاما، وحتى حصولها على عدة ميداليات ذهبية وفضية في دورة الألعاب الإفريقة وعمرها سبعة عشر عاما، كما يتتبع بعض زميلاتها من البطلات المخضرمات، أو الطفلات الناشئات، والجهود والمتاعب التي يواجهها الكابتن رمضان وفتياته، وأقلها سخرية وتعليقات الصبية والمارة أمام "الخرابة" المكشوفة!
للكابتن رمضان حضور رباني كمدرب موهوب وملهم للآخرين، وكشخصية "كاريزماتية" وجذابة على الشاشة، وهو شخص نبيل، بدون ادعاء أو كلام كبير، يرفض أن يدرب في نواد كبيرة، ويصر على البقاء في حي القباري وسط الفقراء مؤمنا بأن صناعة الأبطال لا تحتاج إلى ملايين وأن الوطنية لا تحتاج إلى مناصب أو شعارات.
"عاش يا كابتن" فيلم تسجيلي تتوفر فيه كل مقومات الفيلم التسجيلي الجيد. إننا نرى ونعايش الشخصيات كما هي في حياتها الواقعية. لا أحد منهم يتحدث للكاميرا، وليس هناك معلق narrator يشرح لنا ما نشاهده، ويبدو الأمر كما لو أن فريق عمل الفيلم قد تلاشوا أو ارتدوا "طاقية الاخفاء" فلم تعد تراهم الشخصيات. والحقيقة أن الشخصيات نسوا وجود الكاميرا والمخرجة ومدير التصوير لإنهم اطمئنوا إليهم واعتادوا على وجودهم، والوصول إلى هذه الدرجة من الثقة والاحساس بالأمان يحتاج إلى وقت وجهد في الأفلام التسجيلية ولكنه مثمر جدا عندما يتحقق.
وبجانب كونه فيلما تسجيليا بامتياز، فإن "عاش يا كابتن" يحمل كل مواصفات الفيلم الروائي الجيد: شخصيات مليئة بالحياة والدراما، وقصص مشوقة ومبهرة، ومواقف عاطفية تدفع المشاهدين للبكاء بحرارة، سعادة وحزنا، ونهاية لا تنسى. 


"حنة ورد"..أخيرا في مصر
فيلم مصري مشرف آخر يشارك في مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة، وهو "حنة ورد" للمخرج مراد مصطفى، الذي يصل لمهرجان "القاهرة" بعد رحلة طويلة مر خلالها بحوالي تسعين مهرجانا دوليا.


"حنة ورد" هو أيضا فيلم مصري بامتياز، موضوعا واسلوبا. في سرد أشبه بواقعية وتلقائية السينما التسجيلية يدور "حنة ورد" حول تفاصيل حفل زفاف شعبي، وليلة "الحنة" السابقة عليه، حيث تصل للبيت رسامة حنة سودانية لعمل حنة العروس، ولكن ينتهي الأمر بمأساة للعروس، أو ربما للسيدة رسامة الحنة وابنتها الصغيرة، الصامتة، التي نرى الأحداث والعالم من وجهة نظرها.
ينجح المخرج الشاب في صياغة التفاصيل المحلية لطقس الحنة وحفلات الزفاف ولسلوكيات وكلام النساء المصريات الشعبيات، وفي تحقيق سرد محكم وايقاع سريع، وصولا إلى نهاية مفاجئة ولاهثة ومؤثرة.
وكالعادة لا يعرف معظم المصريين شيئا عن هذا الفيلم الذي لف العالم ولا عن فيلم "ستاشر" الذي حصل على السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير من مهرجان "كان"، ولا عن "عاش ياكابتن" وليس هناك فرصة لأن يشاهدوا هذه الأفلام إلا لو كانوا من مرتادي المهرجانات أو سينما "زاوية"!