رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة اللاجئين السوريين



قضية عودة اللاجئين السوريين كانت عنوانًا لمؤتمر دولى انعقد فى قصر الأمويين للمؤتمرات بالعاصمة السورية دمشق، أمس الأول وأمس، الأربعاء والخميس، وشاركت فيه الأمم المتحدة بصفة مراقب ووفد روسى كبير، وممثلون عن الصين، إيران، فنزويلا وعدة دول عربية، بينما قاطعه الاتحاد الأوروبى، الذى يفرض عقوبات على الحكومة السورية.
منذ أن ضرب ما يوصف بـ«الربيع العربى» سوريا، فى مارس ٢٠١١، تشرّد أكثر من نصف سكانها، داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من خمسة ملايين و٥٠٠ ألف لاجئ مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، فروا بشكل أساسى إلى الدول المجاورة، ولعلك تعرف أن الرئيس التركى تقاضى «ويتقاضى» ثمن منع اللاجئين من دخول دول الاتحاد الأوروبى، ولم يتوقف عن ابتزاز تلك الدول، أملًا فى الحصول على مزيد من الأموال، أو لكى تتغاضى عن انتهاكاته القرارات الأممية والقانون الدولى فى سوريا وليبيا وشرق المتوسط.
بموجب اتفاقية، أو صفقة، حصلت تركيا على ستة مليارات يورو من الاتحاد الأوروبى، كان من المفترض أن يستفيد منها اللاجئون السوريون، غير أن ذلك لم يحدث، وفشلت ضغوط ديوان المحاسبة بالمفوضية الأوروبية، على أنقرة، حتى تكشف عن بيانات المستفيدين، كما أظهرت تقارير عديدة أن غالبيتهم سقطوا فى براثن المتاجرين بالبشر، وأن الرجال والأطفال منهم اضطروا إلى التسول، بينما انتهى المطاف بالنساء والفتيات إلى العمل فى الدعارة، ولن نتوقف عند المرتزقة الذين استعملتهم تركيا، أو غيرها، فى تخريب بلدهم وبلدان أخرى.
خلال افتتاح المؤتمر، قال الرئيس السورى بشار الأسد، فى كلمة عبر الشاشة، إن أن بلاده تعمل «من أجل عودة كل لاجئ يريد العودة والمساهمة فى بناء وطنه»، لكنها تواجه قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة: ملايين اللاجئين الراغبين فى العودة، مئات المليارات التى تحتاجها البنية التحتية المدمرة، والإرهاب الذى ما زال يعبث فى بعض المناطق.
الرئيس السورى رأى أن خطوات تسهيل عودة اللاجئين «ستكون أسرع» لو انتهى الحصار الاقتصادى، وتم رفع العقوبات «اللاشرعية» التى تحرم الدولة من أبسط الوسائل الضرورية لإعادة الإعمار وإعادة تأهيل المناطق التى دمرها الإرهاب. كما أشار الأسد إلى أن بعض الدول قامت باستغلال اللاجئين «أبشع استغلال» وقامت بتحويل قضيتهم الإنسانية «إلى ورقة سياسية للمساومة» ومارست ضغوطًا عليهم لمنعهم من العودة.
حل أزمة اللاجئين السوريين، كما أكد سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، يتطلب مشاركة المجتمع الدولى وتوقف بعض الدول عن تسييس هذا الملف، وفى كلمة ألقاها عنه المبعوث الخاص للرئيس الروسى إلى سوريا، أكد أن الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية فى سوريا هى نفسها التى تقوم بتسييس قضية اللاجئين، ولهذا فإنها تتحمل المسئولية عن معاناة ملايين السوريين الذين اضطروا إلى مغادرة وطنهم، كما اتهم الدول التى فشلت فى إسقاط الحكومة السورية بأنها تمارس أساليب الخنق المالى والاقتصادى، وتتخذ من جانب واحد إجراءات تقييدية غير قانونية تعيق عودة اللاجئين والنازحين.
قضية اللاجئين كانت، أيضًا، أبرز محاور المباحثات، التى أجراها الرئيس السورى مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، الإثنين الماضى، عبر الفيديو كونفرانس. وفيها أشار بوتين إلى أن الظروف باتت مهيأة لعودة اللاجئين بعد انخفاض مستوى العنف بشكل ملحوظ، وعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجى، واستمرار العملية السياسية الشاملة، تحت رعاية الأمم المتحدة، لكنه شدد على ضرورة أن تكون العودة «بطريقة طبيعية ودون إكراه»، وبعد أن يتخذ كل لاجئ قراره بنفسه، بناء على معلومات موثوقة حول الوضع فى وطنه.
الاتحاد الأوروبى، الذى تلقى عدد من أعضائه دعوات لحضور المؤتمر، رفض المشاركة، وقال وزير خارجيته جوزيب بوريل، الثلاثاء، إن الظروف الحالية فى سوريا لا تشجع على عودة اللاجئين، زاعمًا أن حالات العودة «المحدودة» خلال الفترة الماضية كشفت عن وجود «عقبات كثيرة» تحول دون عودة المزيد، من بينها «التجنيد الإجبارى والاعتقال العشوائى والاختفاء القسرى» على حد زعمه. وهناك أيضًا، منظمات حقوقية، أو توصف بأنها كذلك، ترى أن توقّف المعارك فى منطقة ما، لا يعنى أنها باتت مهيأة لعودة اللاجئين، فى ظل افتقارها للبنى التحتية والخدمية، وفى وجود مخاوف من حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.
أزمة اللاجئين السوريين، كشفت عن الجانب الأسوأ فى دول عديدة، تزعم أنها تفتح ذراعيها لهم، بينما كانت تعاملهم بعنصرية وتتفنن فى استغلالهم. ولو عدت إلى تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، مثلًا، ستجد أنهم صاروا، فى أفضل الأحوال، ورقة سياسية مغمسة بالمآسى، ما يُوجب على المجتمع الدولى التعاون من أجل إنهاء أزمتهم، ويفرض على الدول، الهيئات والجهات المانحة تقديم المساعدات لهم فى وطنهم، فى سوريا، لا فى أى مكان آخر.