رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملتقى التصوف»: الحب يحرر الإنسانية من الطاقات السلبية الهدامة

د.منير القادرى بودشيش
د.منير القادرى بودشيش

تناول الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، في مداخلته موضوع "المقاصد التربوية للخطاب الصوفي" خلال مشاركته الافتراضية الخامسة عشر المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة "الجمال".

أوضح في بداية مداخلته أن الغاية من تناول هذا الموضوع هو إبراز كيف يمكن للخطاب الصوفي، وما يحمل بين طياته من عناصر معرفية وروحية أن يفسح المجال للتقارب والتحاور بين الأنا والآخر عبر إشاعة ثقافة السلم والمحبة والتعايش والتسامح ونبذ ظاهرة العنف والتطرف.

وبين أن مظاهر الدور الإيجابي الذي يقوم به الخطاب الصوفي في المساهمة في إنقاذ المجتمع الإنساني يتجلى في نشر ثقافة المحبة والسلام وبلورة رؤية صوفية روحية للعالَم والإنسان والتأسيس العالمية الخطاب الصوفي الإحساني واحتوائه للآخر.

وأوضح أن مبدأ المحبة يعد أهم مبدأ يرتكز عليه التصوف، باعتبارها أصل الوجود، موضحا أن حب الصوفي يكون كله لله، وأن أنوار الحب الإلهي تشحن الروح الإنسانية بطاقة إيجابية، متجددة بتجدد الشئون الإلهية لاتصالها بالحق سبحانه وتعالى، ومنها تسري تلك الإيجابية لتعمّ كل ما يحيط بها، فتعمّ خيريتها.

وأشار إلى أنه أمام الانتشار المهول لثقافة العنف والتطرف وهيمنتها على الذهنيات، صارت الحاجة ملحة إلى التصوف الذي هو مقام الإحسان من حيث هو حبٌّ، لافتا إلى أن الحب من حيث هو أصل الوجود يحرر الإنسانية من الطاقات السلبية الهدّامة، ويمنحها طاقة الحب الإيجابية البناءة.

وبين أن الرؤية الصوفية لها دور في تمتين ثقافة السلام، موضحا أن الصوفية المحسنون لا يرون في الكون نقصًا ولا قبحًا، ولا يشاهدون بعين القلب إلا الجمال الإلهي متجليا في كل شيء مهما جل هذا الشيء أو دَق.

وأورد مقولة للشيخ حمزة ابن العباس قدس الله سره: "من يرد الله به خيرا غيب عنه عورات الخلق فلا يرى فيهم إلا الجمال فهم الباب وهم الحجاب"، وكذا مقولة للشيخ الأكبر ابن عربي "لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقر جميع الخلائق ولا تحتقر مخلوقا ما دام الله قد صنعه".

وأبرز تميز التصوف بالأفق العالمي واحتوائه للآخر، لذلك فالخطاب الصوفي لا يعترف بالفروق بين بني البشر، مقدما نموذج مولانا جلال الدين الرومي الذي كان يحضر في مجلسه مختلف الأجناس باختلاف دياناتهم واتجاهاتهم وأفكارهم.

وأضاف أن "الرومي" جسد الإنسان الكوني الذي مثل الإنسانية في أسمى صورها، وكان يوصى الناس فيقول: "إنْ كان نورك ينبع من القلب، فإنك لن تضل الطريق أبدا"، مذكرا بجنازته المهيبة التي شهدها كل أهل بلده من مسلمين ونصارى ويهود، وبدت معها مدينة قونية قرية عالمية شهدت العولمة الإنسانية بدل العولمة الصراعية التي نعيشها اليوم، وهو ما جعل المسلمين يقولون: "إنه كان نورا من أنوار رسول الله، والمسيحيون يقولون: إنه كان على خلق المسيح، ويقول اليهود: إنه كان على خلق موسى".

وأكد أن هذا الطابع العالمي والإنساني للتصوف وخطابه ساهم في دخول الناس في دين الإسلام أفواجا، مشيرا إلى أن تراث الرومي كان له الأثر الأكبر في اقتناع الداعية الإسلامي الكبير رجاء جارودي بدين الإسلام، وأن جهود الصوفي الورع مالك بن دينار يرجع لها الفضل في انتشار الإسلام في المليبار والمويال والمالديف من بلاد الهند، وغيرها من الأمثلة.

وأردف: أنه أمام عجز الكثير من الخطابات الإسلامية المعاصرة عن اقتراح نموذج إنساني كوني، وعن تحويل الإسلام لنسق مفتوح، وانتشار ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وطغيان دولة الفكرة على دولة الإنسان، كل هذا يجعل الحاجة ماسة لإعادة إحياء الخطاب الصوفي الجمالي، القادر على خلق شروط حقيقية الاختلاف والتسامح والتلاقح، وترسيخ أخلاقيات الحوار والتكامل، والحدّ من نزق الإيديولوجيات وضيق أفق المعتقدات.

وأشار إلى أن الطرق الصوفية المغربية عبر تاريخها العريق بمختلف مشاربها مثل التيجانية والدرقاوية والشاذلية والقادرية وغيرها، تتوفر على رصيد أخلاقي زاخر بالكثير من القيم والأفكار، أهلتها لنشر الإسلام في ربوع إفريقيا.