رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور عادل أو معدل «3-3»


استكمالاً للمقالين السابقين تحت نفس العنوان، نؤكد أن الدستور يؤسس على أعمدة ثابتة دعمت بقاءه لأكثر من مائتى عام على أساس حكومة وطنية ترفض الاستبداد وتعمل على صالح المواطن وتشركه فى الحكم، وتضمن له الحفاظ على حرياته وأمنه ومساواته ورفاهيته كأعمدة لدستورهم،

حتى إن المواطن الأمريكى يكاد يحفظ دستوره الذى ينحصر عدد كلماته فى 4440 كلمة تجمع أهم المبادئ، ويكفى أن الأطفال يحفظون مقدمة دستورهم والتى تترجم بالعربية فى: « نحن شعب الولايات المتحدة رغبة منا فى تشكيل اتحاد متكامل، وفى إقامة العدل وضمان الاستقرار والأمن القومى، وحماية الخير العام، وتأمين الحرية لنا ولأجيالنا القادمة، نضع هذا الدستور للولايات المتحدة الأمريكية».

ومع أن الولايات التى شاركت فى وضع الدستور عن طريق مندوبيها، وعددهم خمسة وخمسون مندوباً، إلا أن هذا الدستور تخضع له خمسون ولاية، أما من قاموا بصياغته فهم سبعة أشخاص فقط، أبرزهم جيمس ماديسون الذى عرف باسم أبو الدستور الأمريكى، وأصبح فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة.

وكتب جيمس ماديسون فى المادة الخامسة ما ترجمته: «نتمنى أن يدوم نظامنا قروناً، ولكن يجب ألا يغيب عن بالنا التغييرات التى ستحملها العصور القادمة».

وفى عام 1791 عدل الدستور بإضافة عشر مواد عرفت بوثيقة الحقوق، والتى جاء فيها أنه لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، وتمنح حرية النقد والتعبير، و لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تمنع المواطن من حمل السلاح أو اقتنائه أو شرائه، ولا يحق لأى من ممثلى الدولة أو الجيش اقتحام منزل مواطن دون إذنه، ولا يحق للحكومة البحث فى أوراق أو ممتلكات مواطن. وعلى مدار تاريخ الدستور الأمريكى لم يدخل عليه سوى سبعة وعشرين تعديلاً فقط، كان آخرها تعديل سنة 1974، والذى يمنع تجديد انتخاب الرئيس أكثر من مرة واحدة، ثم تعديل 1992 بمنح البالغين 18 عاماً حق الانتخاب، ويبقى أهم ما يميز هذا الدستور نجاحه فى تقليص عمل السلطات بحيث لا تتعارض مع حريات الفرد، والفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية حتى يقال إن السلطات الأمريكية جسد دون أذرع أو أرجل.

والسؤال الأهم هو: أين نحن من الديمقراطية التى نتمحور حولها؟

وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى اجتماع عقد فى مدينة ليماسول القبرصية منذ أكثر من عقدين من الزمان، ضم الاجتماع أكثر من مائة من المفكرين العرب لبحث أزمة الديمقراطية فى المنطقة العربية، وتوصل المشاركون فى الندوة إلى نتيجة جوهرية «إن تفاقم الأزمات الوطنية والقومية والاجتماعية للشعوب العربية وصلبها المتمثل فى غياب الديمقراطية فى بلداننا، وسبب ذلك هو حرمان المواطن العربى من ممارسته حقوق الإنسان»، وانتشرت فروع المنظمة فى العديد من الأقطار العربية.

ولكن للأسف الشديد تفاقمت المشكلات الداخلية والخارجية حتى تراجع حد حماية الكرامة للمواطن إلى أدنى المستويات.

حتى عندما حانت الفرص فى فترة الربيع العربى نرى مؤشر الحريات والديمقراطية يتراجع، ويتضح من الموقف العربى أن الضحايا فى غالبية دولها هم المرأة والطفل والأقليات العرقية والدينية، الأمر الذى لن يُقبل طويلاً من هذه الفئات، لا سيما وقد قاد شباب المنطقة ثورات دفع الكثيرون منهم حياتهم، وروت دماؤهم أرض أوطانهم، فأصبحت الحرية والديمقراطية والمساواة مطالب لا يملك أى فريق التنازل عنها.. وللحديث بقية فى ضوء المستجدات فى الأيام القادمة، فإلى اللقاء مع العدد القادم.