رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عفاف برغش.. خدمت مرضى العزل بدمنهور بعين واحدة حتى نالت الشهادة

عفاف برغش
عفاف برغش

الثلاثاء هو موعد خضوع "أسماء" صاحبة الـ 45عام لجلسة الغسيل الكلوي الأسبوعية والتي داومت عليها لأكثر من 5 أعوام، وكانت هذه المدة كافية لتكوين علاقات إنسانية مع العاملين بالقسم من أطباء وممرضين.

وانقطعت عن التردد على مستشفى دمنهور بسبب إجراءات العزل الصحي، وحينما عاد العمل المعتاد
وذهبت للمستشفى هذا الأسبوع وجدت لوحة تكريمية معلق عليها صورة " عفاف برغش" التي لطالما عكفت على رعايتها طيلة الجلسات بالونس قبل العلاج، لذا صار ما بينهم يفوق الألم والمرض؛ حيث غلفه الحب لذا تأثرت كثيرًا حتى دمعت عيناها لرحيلها.

عملت "عفاف" لربع قرن في خدمة المرضى بمستشفى دمنهور التعليمي، لم تترك كفاحها في تربية أبنائها بعد أن رُملت في صغرهم ليوم واحد، وخلال تلك الرحلة أصيبت بأمراض الشيخوخة فعانت لمدة سنوات من ضمور في الكلى وفشل في وظائفها، مما أخضعها لـ 11 عملية جراحية، ورغم ذلك فإن معانانها الصحية لم تنته عند هذا الحد كما يذكر ابنها محمد حماد، فقد أصيبت نتيجة ارتفاع ضغط الدم المستمر لانفصال في الشبكية فقدت على اثرها العين اليسرى واستبدلتها بأخرى زجاجية.

كل هذه الوعكات الصحية كانت تؤهلها بامتياز للاعتذار عن العمل في مكافحة الجائحة فيروس كورونا المستجد خاصة بعد تخصيص المستشفى التعليمي للعزل، لكن كان اختيار عفاف على خلاف التوقع فباتت تحاجج أبنائها وتقنعهم ان الاستمرار في أداء واجبها أمر ضروري، وتكليف إلهي في هذه الفترة الحرجة، فلطالما كانت تردد "شغلي لو وقف يوم ما حد من أهلي يمرض هيتساب لحد ما يموت"، فمضت في عملها بدأب، وذكر ابنها انه كان يمنعها بالقوة للبقاء في المنزل.

في العاشر من يونيو الماضي لم يكن هناك سوى 6 أشهر متبقية على بلوغ "عفاف" التقاعد حيث تجاوز عمرها ال 59 عام، لكن بدلًا من إنهاء أوراق إنهاء الخدمة كانت تجري فحوصات طبية ليتبين أنها مصابة بفيروس كورونا المستجد.


و تروي ابنتها " هبة" أن مستشفى دمنهور العام خصصت لها غرفة رعاية مركزة على الفور، وتلقت فيها اهتمام ورعاية بالغة، تقديرًا لجهدها لأكثر من ٣٨ عام في التمريض داخل دمنهور وخارجها، تناوب عليها الممرضين ليل نهار لتسهيل فترة علاجها وقضاء حاجتها، لكن كانت الأزمة الحقيقية التي واجهت الاطباء لتجاوز مرحلة الخطر هُو تراكم المياة داخل الرئة حيث تخلفت نتيجة تناولها عقار الكورتيزون لسنوات.

و استمرت محاولات الأطباء لإسعافه، لمدة 5 أيام ولكن حال تهالك مؤشراتها الحيوية دون نجاحها، فقاموا بعملية "بذل" للمياه حتى تقوم الرئة بعملها ولو بشكل جزئي، ولكن تدريجيًا تمكن فيروس كورونا المستجد من التمكن من باقي أجهزتها، لذا اضطر الأطباء لوضعها تحت جهاز التنفس قرابة 3 أيام.

وعاشت الأسرة خلال تلك الفترة لحظات من الرعب والقلق الشديدين، تواصلوا فيها مع الأطباء والممرضين لحظة بلحظة لكن التطمينات لم تكن كافية، لذا فضلت " عفاف " أن تتصل هاتفيًا لتطمئنهم عليهم وتبث فيهم الأمل بالشفاء رغم تدهور حالتها، كررت عليهم مرارًا أنها بخير وتعلم حالها جيدًا أفضل من اَي طبيب، وستعود متعافية لتكمل عملها على عكس كلام الاطباء الذي لم يكن مبشرًا لتزايد الأضرار الصحية، حتى وافتها المنية في 18 يونيو الماضي، لتصبح الشهيد رقم 17 بين الأطقم الطبية.

عقب وفاتها قدم المحافظ العزاء لأسرتها بشكل شخصي، ولم يشعر مُحَمَّدْ وهبة أن تضحية أمهما ذهبت سُدى بعدما نالت تكريم شعبي وحفاوة من سكان البحيرة ونعيها من كافة الأطقم الطبية في دمنهور، وإشادتهم بجهدها حتى أنهم يخبروا أحفادها ان جدتهم شهيدة كجنود الجيش في الجبهة لا تقل عنهم، لذا يأملوا أن يطلق اسمها على جناح علاج الكلى بمستشفى دمنهور العام، أو أحد قاعات التدريس بالمستشفى التعليمي تخليدًا لذكراها.