رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انفراد| أخصائى أوبئة بـ«ووهان»: موجة ثانية من «كورونا» فى نهاية الخريف

إخصائى أوبئة ووهان
إخصائى أوبئة ووهان

من «ووهان» التى بدأ منها الوباء العالمى، نفى الدكتور على الوعرى، المتخصص فى علوم الأوبئة والأمراض الصدرية، والمقيم فى المدينة الصينية منذ ٢٥ عامًا، ما يشاع عن تخليق فيروس «كورونا المستجد» وانتشاره من أحد مختبرات المدينة، فى ظل الإجراءات الصارمة المطبقة به، وابتعاده عن سوق الحيوانات التى شهدت ظهور حالات الإصابة الأولى.
ودعا الطبيب من أصل فلسطينى، إلى التعايش مع الفيروس، الذى يتوقع ألا ينتهى أبدًا، وأن يستمر فى الوجود مثل فيروسات الإنفلونزا الموسمية وغيرها، مشددًا على ضرورة اتباع الإجراءات الوقائية، مثل: ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعى وغسل الأيدى بالماء والصابون باستمرار، مع عزل المناطق المصابة وتخصيص مستشفيات للتعامل مع الفيروس، أسوة بما فعلته مدينة ووهان ونجحت عبره فى السيطرة على الوباء.
■ بداية.. ما تخصصك ومنذ متى تعيش فى مدينة ووهان الصينية؟
- أنا طبيب متخصص فى البيوتكنولوجى، وتحديدًا الأمراض الصدرية، وأعمل فى شركة «Hubei Topgene Biotechnology»، وهى شركة مطورة تعمل فى مجال الصناعات الكيميائية والصيدلانية وإنتاج المضادات الحيوية والهندسة الوراثية لعلاج الأمراض المستعصية وغيرها، وأقيم فى مدينة ووهان الصينية منذ نحو ٢٥ عامًا.
■ كيف اكتشفت ووهان تفشى فيروس كورونا المستجد؟
- بداية اكتشاف فيروس كورونا المستجد فى ووهان كان عن طريق تسجيل عدد من حالات الإصابة بالالتهاب الرئوى بين المواطنين، وبعد الفحص المخبرى لمسببات المرض تبين أن السبب غير معروف، أى أنه لا يرجع لفيروسات أو أمراض معروفة من قبل.
وبعد دراسة دقيقة للحالات المصابة تبين أن حالات الالتهاب الرئوى ناتجة عن إصابة فيروسية، وأن المسبب لها يتبع عائلة «كورونا»، لكنه يحمل صفات جديدة.
■ حمّل البعض معهد ووهان المسئولية عن تخليق الفيروس.. فلماذا تم اتهام هذا المعهد بالتحديد؟
- معهد أبحاث ووهان هو مؤسسة تديرها الأكاديمية الصينية للعلوم لدراسة الفيروسات، وهو يقع فى تشونج شيانج بمدينة ووهان، فى مقاطعة «هوبى»، وتأسس عام ١٩٥٦ كمختبر لعلم الأحياء الدقيقة، وفى عام ٢٠١٥ انتهى تجهيز مختبر السلامة البيولوجية بميزانية تصل إلى ٤٤ مليون دولار، وهو معهد أبحاث عالمى يجرى أبحاثًا مهمة فى علم الفيروسات والمناعة.
■ تعمل فى مجال الأوبئة والأمراض الصدرية.. فهل تصدق اتهام المعهد بالمسئولية عن تسرب الفيروس إلى إحدى أسواق المدينة؟
- أنا ضد نظرية تسريب الفيروس من مختبر ووهان لعدة أسباب، أهمها أن إجراءات السلامة مطبقة بشدة فى المختبر، الذى يتبع فى إدارته الأكاديمية العلمية العليا التابعة للحكومة المركزية فى بكين، أى أن إجراءات السلامة داخله مطبقة بصرامة شديدة، كما أنه يقع فى الجزء الجنوبى من المدينة، ويبتعد حوالى ٣٥ كم عن سوق الحيوانات البرية التى تقع فى الطرف الآخر من المدينة، ويفصلهما نهر اليانزى المعروف بعرضه الذى يبلغ نحو ٤ كيلومترات.
وظهور وانتشار الوباء كان يتمركز فى البؤرة المحيطة لسوق الحيوانات البرية، التى كانت الأكثر تضررًا من ناحية تسجيل أعداد كبيرة من الإصابات بالفيروس، فيما ظلت نسبة تسجيل الإصابات فى محيط مختبر ووهان للفيروسات ضئيلة جدًا، وهذا يؤكد عدم تسرب الفيروس منه.
وإلى جانب ذلك دقق عدد كبير من العلماء والباحثين بعلوم الفيروسات السلالة الجينية للفيروس، واجتمعت آراؤهم على أنه ليس من صنع الإنسان، وذلك استنادًا لمكان الطفرة الجينية على شريط سلالة الفيروس، التى كشفت عن حدوثها عشوائيًا وبعوامل طبيعية يصعب على الإنسان صنعها.
وأخيرًا فإن الدراسات التى زعمت أن الفيروس بدأ بالانتشار من ووهان منذ ٤ أغسطس الماضى لا تستند للبرهان العلمى، خاصة دراسة جامعة هارفارد الأمريكية التى استندت نتائجها إلى تحليل كثافة حركة المرور بمنطقة المختبر والمستشفيات المجاورة، وتحليل كلمات البحث على الإنترنت وغير ذلك.


■ فى رأيك.. كيف نجحت المدينة فى القضاء على الوباء؟
- عاصرت تفشى وباء «سارس» عام ٢٠٠٣، وعانيت كثيرًا وقتها، الأمر الذى جعلنى مؤمنًا فى بدء انتشار كورونا المستجد بأننا سننجح فى السيطرة عليه، وفى رأيى عوامل نجاح ووهان ترجع إلى إجراءات مختلفة منها، إغلاق مدينة ووهان ومقاطعة هوبى بالكامل، مع العزل التام لجميع السكان، وفرض حظر التجوال الشامل لجميع المناطق والمدن داخلها.
كما ترجع إلى طلب المساعدة من باقى المحافظات بالإمدادات من الكوادر الطبية والمعدات اللازمة وتدخل فرق طبية من الجيش للمساعدة، إلى جانب تخصيص أماكن محددة لعزل المشتبه فى إصابتهم بالفيروس، خاصة أن طريقة العزل المنزلى لهؤلاء الأشخاص أثبتت فشلها، بالإضافة إلى بناء مستشفيات ميدانية فى فترات وجيزة جدًا لمعالجة المصابين، وعزلهم عن باقى مستشفيات المدينة.
وترجع أيضًا إلى نشر التوعية لجميع المواطنين بطرق الوقاية الصحيحة والنظافة الشخصية وغسل اليدين ولبس الكمامة عند الخروج من المنزل، مع تسخير التكنولوجيا للتوعية، وتخصيص لجان طبية تكون مسئولة عن التجمعات السكنية، وفحص جميع السكان بشكل دورى، والإبلاغ المبكر عن أى إصابات.
وبعد تسجيل صفر إصابة، بدأت الحكومة فى تخفيف إجراءات العزل الصحى، ومع ظهور حالات جديدة بين السكان حاملة لهذا الفيروس، دون ظهور أعراض الإصابة،
قررت الحكومة الصينية إجراء فحص كاشف الحمض النووى «rtPCR» لجميع سكان ووهان، مع عزل من تبين إصابتهم.
ورغم ذلك أقول إن ووهان وإن كانت قد سيطرت على انتشار فيروس كورونا المستجد بتطبيق الإجراءات المذكورة، فإنه لم يتم القضاء عليه نهائيًا، لذا بعد رفع الحظر عن السكان يجب أن تكون إجراءات الوقاية مطبقة بصرامة من قبل السكان أنفسهم، مع ارتداء الكمامات عند الخروج، والحفاظ على التباعد الاجتماعى، وعدم الوجود فى الأماكن المزدحمة.
■ هل عادت الحياة إلى طبيعتها فى ووهان؟
- الفيروس أثر على الحياة بشكل كبير، فما زالت المدارس مغلقة، وطريقة التعليم عن بُعد مستمرة، وجميع الندوات والاجتماعات تنعقد عبر الإنترنت، مع توقف جميع النشاطات والفعاليات الاجتماعية.
■ هناك أخبار عن ظهور موجات جديدة من الوباء.. ما رأيك؟
- من المتوقع ظهور موجة ثانية لانتشار فيروس كورونا المستجد فى نهاية فصل الخريف أو فى بداية الشتاء المقبل، وبالتأكيد هناك خطط موضوعة للوقاية، ومنها ما هو مطبق حاليًا، مع محاولات ابتكار طرق جديدة للتشخيص المبكر وتعقب المصابين، فضلًا عن التسابق من أجل التوصل للقاح أو علاج فعال، وربما يكون ذلك متاحًا قبل بدء الموجة الثانية.
■ هل تعتقد أن فيروس كورونا المستجد سينتهى أم سيتحول لمجرد مرض عادى مثل الإنفلونزا الموسمية؟
- أعتقد أن فيروس كورونا المستجد لن ينتهى أبدًا، وعلينا التعايش معه كما نتعايش مع فيروسات أخرى، مثل الإنفلونزا الموسمية وفيروسات التهاب الكبد الوبائى، لكنى أعتقد أنه سيكون له دواء ولقاح فعال فى المستقبل بمشيئة الله.
■ أخيرًا.. بماذا تنصح المصريين فى التعامل مع كورونا؟
- أنصح الحكومة المصرية بتطبيق تجربة ووهان على وجه الخصوص فى المناطق والمدن الأكثر تضررًا، مع وضع خطة مدروسة بالتعاون مع المنظومة الصحية لتطبيق الإجراءات الوقائية وعزل المناطق الموبوءة عن غيرها، وتخصيص لجان طبية للكشف المبكر عن الحالات المصابة، وتوفير مستشفيات ميدانية لعلاج المصابين بعيدًا عن المستشفيات العادية.
كما أناشد الشعب المصرى أن يلتزم بقرارات الحكومة بهذا الخصوص، ويتبع الأساليب الصحيحة للنظافة الشخصية، وغسل اليدين بالماء والصابون باستمرار، ولبس الكمامات عند الخروج من المنزل، وتجنب الأماكن المزدحمة، وتطبيق أسلوب التباعد الاجتماعى، مع إلغاء كل النشاطات الاجتماعية والفعاليات والندوات مؤقتًا، فى ظل غياب الدواء أو اللقاح حتى الآن.