رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف الصباغ: كورونا سرَّع عملية الرقمنة وسيادة الذكاء الاصطناعى

أشرف الصباغ
أشرف الصباغ

حول شكل العالم ما بعد الكورونا؟ وما التأثير الذي سيتركه على الأدب، وهل سيفرض هذا الوباء نفسه على الكتابة فيما بعد، قال الكاتب أشرف الصباغ: "كانت الأوبئة وتداعياتها في السابق تترك أثرًا على عملية الإبداع نفسها، وترتبط بدرجات ما وبأشكال ما مع موضوعات الكتابة نفسها. بل وفرضت العديد من الموضوعات في شكل روايات وقصص قصيرة ونصوص مسرحية، وفي السينما وعلى خشبات المسارح أيضا، أو على الأقل كانت جزءًا من أعمال أدبية وفنية كاملة.

تابع "الصباغ" في تصريحات خاصة لــ "الدستور": وباء كورونا تحديدًا يختلف عن كل الأوبئة والكوارث الطبيعية التي أصابت البشرية في السابق، لأنه وبالصدفة جاء في مرحلة انتقالية تمر بها البشرية على عدة مستويات، من بينها إشاعة الرقمنة، وإشاعة الذكاء الاصطناعي، وخروج الليبرالية الجديدة حاملة تراكمات مالية وفوائض قيمة ضخمة للبحث عن مناطق نفوذ وليس فقط أسواق، سيادة الشعبوية كنمط حكم ونمط علاقات اجتماعية.

استطرد موضحًا: "كل ذلك كان يسير على قدم وساق بشكل تدريجي ناعم وبهدوء، ولكن حدة الوباء وقسوته ومفاجآته كشفت كلها عن ضعف الدول والحكومات وفسادها وحساباتها غير الدقيقة. لكن الأخطر أن الوباء قد عَجَّل وسرَّع عمليات الرقمنة وسيادة الذكاء الاصطناعي ووسع مساحة الشعبوية في مستويات السلطة وفي المجتمعات على حد سواء. بمعنى أننا خلال 10 – 20 عامًا سننتقل إلى منطقة مختلفة تماما من الواقع، هذا إذا كنا سنطل نطلق عليه اسم "الواقع".

في هذا الواقع الجديد سيلعب الوباء دوره القديم في العملية الإبدعية من حيث فرض الموضوعات وطرح الرؤى والمعالجات الإنسانية المثالية أو غير المثالية، ولكن الجديد هنا، هو أن الوباء سيفرض أنماطًا حياة جديدة، وأنماط تفكير جديدة، وآليات للبحث ولزوايا النظر مخلفة تماما عن السابق. أي أن الأدب لن يكتفي بموضوعات الأوبئة والكوارث الطبيعية، بل سيتأثر هو من حيث طبيعته كفعل إنساني وكنشاط ذهني وروحي. إضافة إلى آليات نشر وترويج هذا الأدب وطرحه على الناس.

هناك جانب مهم للحدث بشقيه (الوباء والعزل)، ألا وهو أنه كشف الكثير من الطبيعة البشرية للمحيطين والقريبين، بل والغرباء، وأظهر جوانب متناقضة في الناس، وكشف زيف المنظومات السياسية والإعلامية والدينية، وفضح كل المزاعم والادعاءات التي كانت تستخدمها الحكومات لتخدير الناس وتضليلهم. هذه الجوانب مهمة للغاية بالنسبة للكاتب والأديب في تكوين رؤية عامة، وربما رؤية شبه تفصيلية حسب اجتهاده وثقافته ومخزونه، حول شكل المجتمع، وتوقع المسارات المختلفة والمتناقضة التي يمكن أن يسلكها البشر بعد انتهاء الوباء.

واختتم مؤكدًا: يرى البعض أن وباء كورونا سيغير الإنسانية إلى الأجمل والأفضل، وسيعمل على أنسنة العلاقات بين الدول، وبين الدول ومواطنيها، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وسيعلمنا التضامن والتعاضد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيذكرنا دومًا بالحب والضمير والأخلاق وفعل الخير. هذا الكلام يصلح للروايات والقصص والأشعار وفق أنماط الكتابة القديمة (كتابة ما قبل الوباء)، وأن يحوله البعض إلى مسرحيات وأفلام ومسلسلات، ويقدمه البعض الآخر كوجبات روحية وإنسانية في المدارس ودور العبادة. لكن الحياة والواقع شيء آخر تمامًا: كل المؤشرات وقوانين الاقتصاد وتوحش الدول والأنظمة السياسية تؤكد كلها أننا بصدد دخول مرحلة جديدة تماما.