رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل المقاتلين بحرب الإستنزاف تكشف معنوياتهم العالية

رسائل المقاتلين بحرب
رسائل المقاتلين بحرب الإستنزاف

في كتابه "المصريون والحرب..من صدمة يونيو إلي يقظة أكتوبر" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب٬ يشير مؤلفه جمال الغيطاني إلي أن مصدر حملات التشويه ضد الإنسان المصري بشكل عام والمقاتل المصري بشكل خاص العدو الإسرائيلي٬ لأن تشويه المقاتل المصري باعتباره طليعة الكفاح ضد المستعمر المستغل يؤدي إلي تشويه الإنسان ثم تشويه مصر ذاتها٬ لكن مكونات الوطنية المصرية٬ والحضارة التي تحرك المصري هي التي تحسم الأمور٬ وتصد الدعايات المضادة وتمنعها٬ وتحولها إلي وقود يلهب طاقة النضال.

ويذهب "الغيطاني" إلي أنه ومن خلال وقائع التاريخ المدون٬ مكتشف حقيقة موضوعية مهمة٬ وهي أن المقاتل المصري أقدم من حمل السلاح في التاريخ البشري٬ فالحضارة المصرية تمثل فجر الإنسانية.

هذه الحقيقة الساطعة والتي تدحض الأكاذيب واللطاميات التي تنصب كل عام عندما يحل الخامس من يونية٬ وما تبعه من خطاب التنحي وخروج آلاف المصريين لرفضه٬ رفضا للهزيمة والإصرار علي النصر والثأر لهزيمة 1967. وهو ما تدعمه خطابات المقاتلين علي الجبهة إلي أسرهم٬ والعمليات التي ما لبث الجيش المصري أن قام بها من اليوم التالي للهزيمة٬ خلال حرب الإستنزاف والتي كانت البروفة الجنرال للعبور.

ومن هذه الخطابات التي أدرجها "الغيطاني" في كتابه لأحد المقاتلين:"هنا فوق سيناء يجود أغلي أبناء مصر بأثمن ما يملكون٬ بأعمارهم٬ هنا يضحي زهرة شباب مصر بأثمن ما لديهم٬ كل معركة هنا تشهد حوادث ترقي إلي مستوي المعجزات٬ هنا ينفض الشعب آلامه وجراحه٬ عبر مخاض وعر٬ قاس٬ وطويل.

وفي رسالة أخري يقول:"أحار عمن أتحدث ولكنني بدون تفكير أو محاولة مدبرة للاختيار سأكتب لكم عن بعض من زملائي٬ من أصحابي٬ تعرفت إليهم تحت السلاح٬ ونمت بيننا علاقات قوية فوق الزمان والمقاييس العادية التي تعرفونها٬ خلال الحرب يعرف الإنسان أخيه أكثر تتفتح السبل بين القلب الإنساني والقلب٬ لا توجد عكارات٬ إنما يفسح المجال لأنقي ما في البشر. المقاتل "عبد الوهاب" يشدني إليه بهدوء وجهه بسيط وعيناه دائما تتطلعان إلي الأمام٬ كأنه يحاول استيضاح تفاصيل شيئ ما. عام 1969 اشترك في الإغارة علي أحد المواقع الحصينة بخط بارليف٬ رفع العلم لأول مرة فوقه بعد يونيو 1967 وفي بداية هذا الأسبوع بعد أن استسلم نفس الموقع.

تقدم "عبد الوهاب" حاملا العلم بهدوء وغرسه٬ ثبت الصاري٬ قام واقفا٬ أدي التحية العسكرية بخشوع وجلال٬ رحت أرقب وجهه الهادئ وعيناه الخضروان٬ بعد أن هتف ثلاثا "تحيا مصر" تفجر هدؤوه في موجات متعاقبة وانحني فوق الرمال٬ ليقبلها٬ يهيلها فوق وجهه ولمحت دموعا خافتة في عينيه٬ فجأة استدار إلي الخلف حاملا سلاحه٬ عاد إلي هدوئه٬ هذا الهدوء ما هو إلا وجه واحد٬ أما الوجه الثاني يبرز خلال فترات الاشتباك عندما نهاجم العدو٬ نلتحم بجنوده٬ بفولاذ مدرعاته٬ وجهه الهادئ يندفع في المقدمة٬ يرفض نزول الأجازات الميدانية الصغيرة٬ لا يريد الغياب ثانية واحدة من ميدان القتال٬ اليوم خلال لحظات هدوء قال عبد الوهاب بعد صمت طويل اعتدته منه أنه يشكر ظروفه التي أتاحت له الانضمام إلي القوات المسلحة الآن.

في هذه الظروف٬ أن يعايش سنوات المرارة والمعاناة٬ ثم يري النصر٬ يشارك فيه٬ قال إنه لو خرج من الجيش بدون أن يحارب٬ أو بدأت هذه الحرب وهو بعيد عن ميدان القتال٬ لجم ثم عاد إلي صمته٬ ولم أجادله عهدت منه هذا وكزنه يلقي درسا واضحا وعلي أن أفهمه٬ أن أصغي إليه ولا أعلق.