رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد الطوخى يكتب: للمسئولية الاجتماعية وجوه كثيرة

خالد الطوخى
خالد الطوخى

مع ظهور فيروس كورونا على هذا النحو من الشراسة واجتياحه العالم، فإنه لم يترك أى خيار آخر غير أن يتكاتف الجميع من أجل مواجهة هذا العدو الغامض الذى يفتك بالبشر بلا هوادة، وأسفر هذا الشعور العام عن ظهور شعور بأهمية الوقوف إلى جوار الدولة فى تلك الأزمة التى ربما لم تشهد البشرية لها مثيلًا من قبل، فالوقوف إلى جوار الدولة واجب مقدس ومساندة غير القادرين التزام أخلاقى تفرضه العقيدة ويتطلبه العقل والمنطق خاصة فيما يتعلق بمبادئ التكافل الاجتماعى التى تعد بمثابة صمام الأمان للمجتمع، إلى جانب المساهمة فى العديد من المبادرات الإنسانية التى يتنافس فيها المتنافسون من أجل تقديم المساعدات بجميع أنواعها وأشكالها المتعددة سواء كانت تلك المساعدات تتم بشكل فردى أو بشكل مؤسسى، الأمر الذى تزامن معه تعظيم فكرة الالتزام بالمسئولية الاجتماعية التى هى بكل تأكيد ليست وليدة ظروف فيروس كورونا، ولكنها فقط تزايدت وأصبحت تمثل جزءًا لا يتجزًا من العمل العام خاصة أن الالتزام باعتبارات المسئولية الاجتماعية، عمل قائم ويتم العمل بها منذ سنوات فى العديد من مجالات الحياة، وعلى وجه الخصوص فى مجالات الرعاية الطبية والاجتماعية المتعلقة بالفئات محدودة الدخل والتى تعيش تحت خط الفقر.
والحق يقال فإن الالتزام بالمسئولية الاجتماعية لم يتوقف عند حد القيام بنوع معين من الأنشطة الإنسانية. فقد ترتب على أزمة فيروس كورونا الكثير والكثير من الأنشطة والمبادرات. فهناك من يقوم بدعم المستشفيات وهذا الجانب يعد من أبرز وأهم الأنشطة التى يمكن أن تتم تحت مظلة المسئولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات والأفراد، لأن دعم ورعاية الجيش الأبيض من أطباء مصر وطواقم التمريض، أصبح هذه الأيام واجبًا وطنيًا والتزامًا أخلاقيًا يحتم على الجميع المشاركة فيه، خاصة أن الأطباء وطواقم التمريض، يقفون فى الصفوف الأولى فى المعركة التى تخوضها الآن الدولة المصرية ضد «كورونا»، بمشاركة جميع مؤسسات الدولة، وبالطبع يمكن أن تكون المشاركة وفق اعتبارات المسئولية الاجتماعية عن طريق توفير الكمامات الطبية وأجهزة التنفس الصناعى ومعدات التعقيم للأفراد والأجهزة والمبانى.
وفى هذا السياق نجد أن هناك العديد من الجوانب والأنشطة التى يمكن المساهمة فيها كنوع من أنواع المشاركة تحت مظلة المسئولية الاجتماعية خلال شهر رمضان، وعلى سبيل المثال ما كان يتم إنفاقه على إقامة موائد الرحمن، يمكن أن يتم تخصيص تلك المبالغ التى كانت مخصصة لهذه العادة الرمضانية، فتتم الاستفادة من هذه المبالغ فى القيام بتوجيهها إلى مجال آخر من مجالات المسئولية الاجتماعية، وبالطبع يمكن القيام بحصر الأسر والفئات الأكثر احتياجًا، وتوجيه مساعدات عينية لها عبارة عن وجبات جاهزة يتم توزيعها كبديل عن المأكولات التى تتضمنها موائد الرحمن.
وما يتم فى مسألة موائد الرحمن يمكن تطبيقه أيضًا على تلك المبالغ التى كانت مخصصة للقيام بأداء عمرة رمضان، بحيث تتم الاستفادة من تلك المبالغ وتوجيهها فى تنفيذ أنشطة إنسانية أخرى تحت مظلة المسئولية الاجتماعية أيضًا، وخاصة للفئات الفقيرة من أصحاب العمالة اليومية والمهن التى تأثرت بشكل كبير بسبب أزمة فيروس كورونا، حيث تعتبر المسئولية الاجتماعية من أهم وأبرز الواجبات التى تقع على عاتق الأفراد والمؤسسات سواء كانت هذه المؤسسات حكومية أو خاصة، فضلًا عن بعض الوزارات، كما أنها تعد التزامًا مستمرًا من أجل المساهمة فى تطوير وتحسين بعض المجالات، بما يعود بالنفع على الكثير من أفراد المجتمع، وذلك من خلال توفير الخدمات المتنوعة أو حتى بتقديم دعم مادى من شأنه الارتقاء بمستوى معيشة الفئات الأكثر احتياجًا.
ولعل التعريف الأبرز للمسئولية المجتمعية الذى يلقى انتشارًا واسعًا يتمثل فى أن المسئولية المجتمعية فى الأصل عبارة عن أشكال مختلفة من الأنشطة الإنسانية التطوعية التى تقوم بها الشركات لتحقيق أهداف اجتماعية، بحيث يكون لتلك الأنشطة أثر إيجابى على المجتمع ككل والحياة العامة التى تعمل فيها تلك المؤسسات أو الشركات أو حتى الأفراد الذين يؤمنون بمبادئ المسئولية الاجتماعية.
وقد أصبحت مفاهيم المسئولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات تتجاوز الكيانات التجارية لتشمل أيضًا المؤسسات والهيئات الحكومية، وفى ظل النمو السريع فى إدراك أهمية المسئولية المجتمعية للشركات، أصبح مستقبل العديد من الكيانات التجارية وغيرها يتوقف إلى حد كبير على مدى التزامها بتطبيق وممارسة مفهوم المسئولية المجتمعية.
وكما سبق أن أشرت إلى تنوع الأنشطة التى يمكن أن تقام فى إطار المسئولية الاجتماعية، تأتى أيضًا مبادرات تحدى الخير التى يتزايد الإعلان عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعى منذ ظهور أزمة «كورونا» التى تعصف بالكثير من الكيانات الاقتصادية، وما يترتب عليها من فقد الكثير من المواطنين وظائفهم التى تمثل المصدر الوحيد للحصول على لقمة العيش. فهذا النوع من المبادرات يمكن أن يسهم وبشكل كبير فى تغيير مفهوم أنشطة المسئولية الاجتماعية، خاصة أن ما يمكن المساهمة به سواء كان عبارة عن مبالغ مالية أو أدوات طبية أو مواد غذائية، يصب فى صالح تخفيف العبء عن الدولة من ناحية، وتقليل الآثار السلبية المترتبة على الأزمة والتى تؤثر بشكل مباشر فى الحالة المعيشية للفئات الأكثر احتياجًا، حيث إنه من الثابت أن المسئولية الاجتماعية تمثل للقطاع الخاص واجبًا إنسانيًا والتزامًا أخلاقيًا طوعيًا تجاه المجتمع بمختلف فئاته.
وبالطبع فإن القيام بأى نشاط يندرج تحت مظلة المسئولية الاجتماعية، يضفى على من يقوم بذلك صفة أخلاقية نبيلة. فالأخلاق الفاضلة من أبرز الصفات التى ينبغى أن يتحلى بها الإنسان، لأنها وبكل تأكيد سوف تكون وسيلة فاعلة فى تطور وتقدم المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها، حيث يتميز صاحب الأخلاق الفاضلة بمكانة اجتماعية مرموقة وينظر إليه بتقدير واحترام من قبل الآخرين، لأنهم يرون فيه نموذجًا وقدوة لغيره من الذين يريدون الوصول إلى مكانته الاجتماعية.
ونظرًا لهذه المكانة المتميزة والمنزلة السامية لصاحب الأخلاق الفاضلة والنظرة الاجتماعية التى تجعل منه شخصًا مميزًا وفاعلًا فى محيطه وبيئة تأثيره، فإن معظم الناس يسعون إلى أن يكونوا من أصحاب الأخلاق الفاضلة ويعملوا فى أغلب الأحيان على تحسين صورتهم أمام الآخرين وبأنهم على حق دائمًا، ولكن هناك شيئًا مهمًا أيضًا وهو أن صاحب الأخلاق الفاضلة ينبغى أن يكون كذلك من وجهة نظر الآخرين، وليس من وجهة نظره الشخصية، لأن الإنسان يكون فاضلًا وصالحًا عندما يراه الآخرون كذلك، ومن خلال أعماله وتصرفاته الحقيقية دون تصنّع ورياء، لأن هذا الشىء يؤدى إلى هدم البناء الاجتماعى والقيمى فى المجتمع فيما لو انتشر وأصبح سمة مرافقة لأخلاق معظم أبناء المجتمع.
خلاصة الأمر أننا أمام تطور نوعى فى معنى المسئولية الاجتماعية، وهذا التطور وإن كان ناشئًا عن أزمة «كورونا»، فإنه سوف ينعكس بالإيجاب على المجتمع ككل. فاعتبارات المسئولية الاجتماعية وفى ظل تنوعها وتطورها، كفيلة بتغيير وجه الحياة فى المجتمع بالكامل، واللافت للنظر أن أهمية خدمة المجتمع وتنمية الشعور بالإحساس بالمسئولية المجتمعية، قد برزت بوضوح مع التحولات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التى تزامنت مع عصر ثورات المعلومات والاتصالات وأيضًا فى ظل الأزمات الكبرى التى من بينها بالطبع أزمة فيروس كورونا.