رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا أخطر من الوباء



الاعتراف سيد الأدلة. وما جاء عنوان المقال، أقر به الرئيس التركى، رجب أحمق أردوغان، ضمنيًا، ربما بغباء أو دون أن يقصد، حين قال مخاطبًا شعبه: «اطمئنوا، لا يوجد فيروس أو وباء أقوى من تركيا»، طبقًا لما نقلته وكالة أنباء الأناضول. ومن محاسن الصدف، أن «جماعة الإخوان» أعربت، قبل ساعات، عن أملها فى أن تظل تلك الوكالة «صوتًا صادحًا بالحق»!
الأزمة المزدوجة، الاقتصادية والصحية، أخرجت أسوأ ما فى النظام التركى، وجعلته يضيف عددًا جديدًا من الجرائم إلى سجله الحافل، محليًا ودوليًا. إذ ذكرت جريدة «تايمز أوف مالطا» أن مستودع شحن تركى قام بالسطو على شحنة من ٥٠ ألف بدلة طبية كانت متجهة إلى مالطة. وطبقًا لما ذكرته الجريدة، فإن تلك ليست هى المرة الأولى التى يفقدون فيها إمدادات طبية بسبب السطو التركى عليها. كما سبق أن أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية عن قيام السلطات التركية بالاستيلاء على شحنة أجهزة تنفس صناعى كانت فى طريقها من الصين إلى إسبانيا.
يزداد عدد الإصابات بفيروس كورونا فى تركيا بحوالى ٤ آلاف حالة فى اليوم، بالضبط ٣٨٩٢، واقترب إجمالى عدد الإصابات من ٣٥ ألفًا، منذ الإعلان عن الإصابة الأولى قبل أربعة أسابيع. بينما لم يتم الإعلان، حتى أمس الأول، الثلاثاء، إلا عن ٧٢٥ حالة وفاة. ويومًا بعد يوم، يتضح أن هذا الشهر، شهر أبريل، كما توقعنا، سيكون أكثر الشهور قسوة وسوادًا فى تاريخ تركيا، بسبب الأخطاء الكارثية التى ارتكبها نظام أردوغان، وتعامله بالرعونة المعتادة، أو بالغباء المستحكم المعهود، مع تفشى الوباء فى بلاده.
أعداد الوفيات التى يتم تسجيلها، أو الإعلان عنها، أقل بكثير من الواقع، ولا تتناسب إطلاقًا مع أرقام الإصابات التى تؤكد أن تركيا لديها أسرع عدد متزايد من الحالات المؤكدة فى العالم. والأرقام فى الحالتين، أرقام الإصابات والوفيات، رسمية، ما يجعلها محل شك. ليس فقط لأن نظام أردوغان يكذب ويتلاعب بالأرقام كما يتنفس، ولكن أيضًا لأن السلطات التركية أقرت بأن أجهزة الاختبار التى استوردتها من شركات صينية «لم تكن دقيقة». وعليه، فإن الرقم الذى ذكره أيكان إردمير، فى مقال نشرته مجلة «فورين بولسى»، قد يكون هو الأقرب للحقيقة.
فى المقال المنشور أمس، الأربعاء، نقل إردمير عن خبراء أن عدد الوفيات فى تركيا قد يتجاوز خمسة آلاف بحلول منتصف هذا الشهر. وأكد أن استمرار أردوغان فى المراهنة على أخطائه السابقة، سوف يؤدى إلى مزيد من الضحايا، مع عواقب مالية وجيوسياسية ستستمر إلى ما بعد نهاية الوباء. والإشارة هنا مهمة، إلى أن إيطاليا، التى تتصدر دور العالم فى عدد الوفيات، لديها أكثر من ضعف عدد الأطباء وثلاثة أضعاف عدد الممرضات مقارنة بتركيا. وما زاد الأوضاع سوءًا، أن نظام أردوغان قام، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة «أو المزعومة»، بفصل أكثر ١٥ ألفًا يعملون فى قطاع الرعاية الصحية.
ما يضاعف حجم الكارثة التى تنتظرها تركيا، هو أن سجونها صارت بؤرة لتفشى الوباء. وهناك سجناء ماتوا بالفعل، ولم يعرف ذووهم، إلا بالصدفة، بعد مرور أيام على دفنهم، من بينهم، مثلًا، محمد ياتار «٧٠ سنة»، الذى مات فى سجن «سامسون»، والذى قال نجله إنه عرف بخبر وفاته عندما اتصل به أحد السجناء، بعد مرور خمسة أيام من إجراءات الدفن التى تمت دون أن تبلغهم بها إدارة السجن أو أى جهة رسمية.
برلمانيون وسياسيون أتراك طالبوا بالإفراج عن السجناء والمعتقلين بعد تفشى الوباء فى السجون. غير أن الرئيس التركى يصر، كعادته، على المقامرة بأرواح الأتراك، ويواصل تعامله مع تفشى الوباء بالرعونة المعتادة، أو بالغباء المستحكم المعهود. بينما عملاؤه، عبيده، أو غلمانه، مستمرون فى التطبيل له، وإطلاق الشائعات ضد مصر، التى يحمل بعضهم، بكل أسف، جنسيتها.
فى برنامجه «٩٠ دقيقة» على شاشة قناة المحور، تحدى زميلنا وصديقنا محمد الباز، هؤلاء العبيد، أو من وصفهم بـ«أبواق الإعلام الإخوانى» أن يطالبوا فى برامجهم بالإفراج عن المعتقلين فى سجون أردوغان. وبما أنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا، نخشى أن يهللوا لمشروع قانون، سيوافق عليه البرلمان التركى، هذا الأسبوع، يقضى بالإفراج عن ثلث نزلاء السجون التركية. وليس مستبعدًا أن تدفعهم عمالتهم أو عبادتهم لأحمق تركيا إلى تجاهل أن مئات الصحفيين وآلاف السياسيين وقادة الفكر والرأى، وغيرهم من المعتقلين، لن يستفيدوا من هذا القانون. بل إن مئات آخرين، لحقوا بهم لمجرد أنهم كتبوا آراء أو شاركوا معلومات عن تفشى الوباء فى بلادهم!
تركيا صارت، بالفعل، أقوى وأكثر خطورة من الوباء، على الأتراك، قبل غيرهم، الذين تدهورت أوضاعهم السياسية والاقتصادية، ثم الصحية، كنتيجة طبيعية لاهتمام رئيسهم بتوسيع نفوذه، وبدعم وحماية الإرهابيين، أكثر من اهتمامه بحمايتهم.