رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجدار بيننا وبين أمريكا


يحكى أن رجلاً كان يدّعى أنه من أهل الفتوى، يُصعّب على الناس أمور حياتهم، ويعلن لهم من الفتاوى فى أمور دينهم ما يجعلها عسيرة، حتى أتاه رجل يسأله عما يمكنه فعله فى جدار بال عليه كلب، وهو يصلى إلى جواره، فأفتى له «المدعى» بأن يهده ويبنيه سبع مرات، فلما أخبره السائل بأنه الجدار الذى يفصل بين داريهما، سارع «المدعى» بفتواه بأن قليل من الماء يطهره!

هكذا يفعل الأفراد، كما تفعل الدول، الكلام سهل وحلو مادام لا تتعلق آثاره بنتائج سلبية على مُطلقه.. وهكذا تفعل أمريكا دائماً.. وفى هذه الأيام، تتضافر ذكرى ما بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر مع تنامى تهديدات تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية والتكفيرية الناشطة فى الشرق الأوسط، ومع تنامى مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة الأمريكية فى كثير من بلدان العالم، لتشتد أعراض «متلازمة الخوف من الإرهاب» لدى الإدارة الأمريكية، وجعل الرئيس باراك أوباما أكثر الرؤساء الأمريكيين تعرضاً للتهديدات بالاغتيال.. ومن هنا فإن الأمر صار يتعلق بهيبة الدولة الأمريكية، وبالتالى فإنها لن تتوانى بنفسها عن تطبيق كل ما تراه مناسباً من إجراءات، حتى وإن دعت لنقيض ما تدعو إليه عالمياً، بدعوى دفاعها عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان!.

قبل عدة أيام من الآن، طيرت وكالات الأنباء العالمية تقريراً من واشنطن، كشف النقاب عن أن السلطات الأمريكية خرقت القوانين المتعلقة بالحياة الخاصة للمواطنين آلاف المرات خلال العامين الماضيين، بل ألقت القبض على عشرات الأشخاص، من بينهم ثمانية أعضاء بالكونجرس، لمشاركتهم فى محاولة تنظيم عصيان مدنى ضمن مظاهرة للمطالبة بإصلاح قوانين الهجرة أمام مبنى الكابيتول هيل، وكان من بين الذين تم إلقاء القبض عليهم، القيادى فى مجال حقوق الإنسان، جون لويس 73 عاماً عضو مجلس النواب الذى شارك فى تدريس «المقاومة السلبية» للنشطاء خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى.

وقد أشار التقرير، الذى أعده مركز «برينان من أجل العدالة» التابع لجامعة نيويورك، إلى تجسس الولايات المتحدة على مواطنيها، لدرجة أنه تم عمل ملف إليكترونى لكل مواطن أمريكى، وتم تخزينه لفترة طويلة لدى وكالات المخابرات الأمريكية، مؤكداً أن عمليات جمع وتخزين هذه المعطيات كانت تتم غالباً دون وجود أى علاقة مع تهديدات إرهابية محددة، وهو ما يفتح الباب أمام ما وصفه التقرير بـ «تجاوزات ضد الحريات».

فإذا ما أضفنا ذلك إلى ما سبق وأقدمت عليه أمريكا فى سجن أبى غريب بالعراق، وحجم الانتهاكات الإنسانية التى تمت فى زنازينه ومعتقلات تعذيبه لأبناء شعب مسالم، خدعته واشنطن ذات يوم بأوهام ديمقراطية ذهبت إلى غير رجعة وضاع العراق فى تيه الانقسام والتشرذم، كما أننا لم ننس لها سجون جوانتنامو، التى زجت المعتقلين إليها دونما محاكمات، أو إبداء أسباب، اللهم غطرسة دولة تمارس كل المتناقضات، بين ما تعلنه أمام العالم وما ترتكبه فى الخفاء.. إذا ما اضفنا كل ذلك إلى بعضه البعض، صار لزاماً علينا أن نسلك ما ناديت به فى مقال سابق، من ضرورة غض الطرف عن كل ما يقال حول منظمات حقوق الإنسان، بل والانتصار لمصلحة مصر، ليس على حساب أبنائها كما تفعل أمريكا، بل بالحيلولة دون اختراق أمن بلادنا وتهديد سلامة حدودنا، وقبل ذلك وبعده، محاولات هدم الدولة من الداخل على يد شرذمة لا تؤمن بمعنى الأوطان، ولا حقوقها التى تتجاوز الخاص إلى العام.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.