رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شباب جامعاتنا والإعداد النفسى




يعانى شباب الجامعات العديد من المشاكل التى تتزايد وتتراكم مع زيادة الطلب على التعليم الجامعى وازدحام المدرجات وقاعات الدرس والمعامل والمكتبات، وتراجع دور الأستاذ الجامعى كمعلم وباحث ورائد ومشرف على الأنشطة وقائد إدارى فى مواقع الإدارة الجامعية المختلفة، ويعانون أيضًا من تراجع فاعلية الأجهزة الإدارية المعاونة وفى مقدمتها إدارات رعاية الشباب «ولا أعرف من العبقرى الذى أطلق عليها ذلك المسمى (رعاية) الذى يحمل معانى الوصاية والمن والتفضل على شباب فى مرحلة عمرية نأمل أن يعيشوها فى انطلاق، وعبر إتاحة مساحات رحبة للإبداع وتنمية الوعى والتشابك الإيجابى مع قضايا الوطن وإنجازاته وهمومه».
أضف إلى ذلك معاناة الشباب فى تعاملهم مع الجامعات الموازية «دكاكين ومكتبات للتصوير والنسخ الإلكترونى فى الأحياء المجاورة، مثل بين السرايات وهى الموازية لجامعة القاهرة، والعباسية ومنشية الصدر لجامعة عين شمس.. إلخ» للحصول على نسخ رديئة لمذكرات ونماذج امتحانات وخدمات أخرى كثيرة كتقديم الوجبات السريعة والأدوات المكتبية رغم وجود قطاعات مسئولة عن تقديم مثل تلك الخدمات فى كل الجامعات.. لقد أسهمت تلك الظروف السابق الإشارة إليها وغيرها فى أن تلعب جامعاتنا للأسف دورًا سلبيًا فى مجال تهيئة وإعداد شبابنا ليكتسبوا اللياقة الذهنية والمعرفية والبدنية والنفسية.
لذا استرعى اهتمامى الاطلاع على دراسة استكشافية على عينة من طلبة وطالبات جامعة القاهرة حول الفاقد فى اللياقة النفسية بين الشباب.. وأهمية تلك الدراسة تعود إلى أسباب لعل أهمها استشعار مراكز بحوث الجامعات وأقسامها العلمية أهمية التفاعل الإيجابى الواقعى والعلمى مع مشاكل شبابنا، وأيضًا لأنه أتانى من عالم جليل هو الدكتور زين العابدين درويش، أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة صاحب الإسهامات العلمية الرائدة فى ذلك المجال، كما أن البحث يتلامس مع قضية مهمة شغلتنا جميعًا فى الفترة الأخيرة حول مدى جاهزية شبابنا لدخول عالم المستقبل.. وقد عاون الدكتور درويش فى إجراء تلك الدراسة د. إبراهيم شوقى ووفاء عبدالفتاح.. وقد أجريت الدراسة على عينة قوامها ٨٠٠ من طلاب وطالبات الجامعة متنوعى التخصصات بهدف استخلاص مجموعة من المؤشرات السلوكية الكاشفة عن توجهات هؤلاء الشباب فى الحياة، وحدود تفعيلهم لكفاياتهم الشخصية، ومدى استثمارهم ما يملكونه من مهارات متعددة الجوانب، ومنها مؤشرات اللياقة النفسية فى حدود الوعى بالواقع المعاش، ومدى استشراف المستقبل، وحدود الوعى بصورة الذات، وأيضًا مدى كفاءة الامتداد خارج حدود الذات.. وقد تبين من نتائج الدراسة ما يؤكد فاقد التفعيل الواجب لعدد كبير من هذه الكفاءات، والضعف الواضح فى مختلف المهارات والخصال النفسية والاجتماعية المحققة للنجاح فى الحياة.. وأشير فى عجالة لبعض النتائج والأرقام: هناك فاقد ملحوظ فى إدراكهم قيمة الوقت فى حياتهم «نسبته ٥٤٪ بين المجيبين»، وإلى تبنى عادات تعبر عن قصور واضح فى التخطيط الدقيق لهذا الوقت «٦٣٪» وإلى صور من العجز عن تحقيق أقصى استثمار له «٤٩٪».. قرر ٨٦٪ منهم «٦٩٢ طالبًا وطالبة، من أصل ٨٠٠، حجم العينة ككل»، معاناتهم من مشكلات حالية، فقد وفق ٢٦٦ منهم فقط «نسبتهم ٣٨٪» فى ذكر مشكلات ذات معنى تكشف عن وعى واضح بطبيعة المشكلات المهمة، كما توحى بدقة التمييز بين المشكلات التى تستحق بالفعل أن تكون مصدرًا للمعاناة، والمشكلات الأقل أهمية أو الأقل استحقاقًا لاعتبارها مشكلات أصلًا! هناك فاقد لدى هؤلاء الشباب فى كفاءة التحديد الدقيق للمشكلات مقداره ٦٢٪، مضافًا إليه قصورًا بالغًا فى مهارة حل المشكلات، بلغت نسبته ٥٦٪، فى أوساط الشباب الذين عبروا عن معاناتهم من مشكلات مؤرقة فى واقعهم الراهن.
تبين أن ٧٠٪ من الشباب عبروا عن تعرضهم لضغوط حياتية مختلفة «عددهم ٥٦٢، من مجمل العينة»، أما من كشفت إجاباتهم عن تحديد واضح وذى معنى لطبيعة هذه الضغوط فلم يتجاوز عددهم «١٣٥ فردًا»، أى ما نسبته ٢٤٪ من جملة القائلين بتعرضهم للضغوط، مما يشير إلى فاقد فى كفاءة تحديد طبيعة هذه الضغوط مقداره ٧٦٪، أما نسبة الفاقد فى استخدام الأساليب الفعالة فى مواجهة هذه الضغوط، بين من حددوا الضغوط بكفاءة، فبلغت ٥٥٪ مما يشير إلى قصور واضح فى استخدام الأساليب الفعالة من جانب هؤلاء الشباب فى مواجهتهم الضغوط التى يعانون من وطأتها، وكل ذلك يمثل مؤشرات بالغة الدلالة على نقص المعرفة بعدد من المهارات السلوكية المهمة، المعينة على التعامل الكفء مع مختلف ضغوط الحياة.
٧١٪ من الشباب عبروا عن استقلالهم فى اتخاذ القرارات فى مختلف أمور حياتهم «٥٧١ من مجمل العينة»، أما من لجأ منهم إلى طرق أو أساليب فعالة تدل على امتلاكهم المهارات، أو معرفتهم بالاستراتيجيات الملائمة فى عملية اتخاذ القرار بالفعل، فلم يتجاوز عددهم ٥٠ فردًا «نسبتهم ٩٪» ممن قرروا نزوعهم إلى الاستقلال فى اتخاذ القرارات فيما يختص بمختلف أمور حياتهم، ومعنى ذلك أن هناك فاقدًا مقداره «٩١٪» فى كفاءة عملية اتخاذ القرار عمومًا.
تحية لأصحاب ذلك الجهد العلمى الرائع، ونأمل أن تتناول وسائل الإعلام تلك الأبحاث بالعرض والدعم الإعلامى لمعاونة متخذ القرار والهيئات المعنية بقضايا تطوير العمل مع الشباب.