رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات أغنيات كاظم الساهر.. «مصدر إلهامه مقال لسلماوي وخصومة مع العراقي»

كاظم الساهر
كاظم الساهر

كتب كريم العراقي أول ما كتب وهو في المرحلة الإعدادية، ونشر في العديد من المجلات الثقافية وقتها، وكتب لكاظم الساهر وحده أكثر من 60 أغنية، وكل أغنية من هذه الاغنيات لها حكاية، في هذا التقرير ترصد الدستور ثلاث حكايات لثلاث أغنيات كتبها كريم العراقي لكاظم الساهر..

دقيت باب الجار

تلقى كريم العراقي خطابًا من أحبته في الغربة، يصفون له كيف يعيشون ويفتقدونه، فأخذ كريم الخطاب وصعد إلى بيته، وأخرج مفتاح شقته ووضعه في الكالون، لكنه لم يستجب، وهنا شعر بيد تربت عليه من الخلف وبجاره يقول: انها شقتي لا شقتك يا كريم، فاعتذر كريم لجاره، ولكن الجار تابع، لو احتجت اي مساعدة فأنا اخوك يا كريم، فالجار دائما أخ، فتلعثم كريم وتحشرج صوته وهو يشكر جاره، وذهب إلى شقته وارتمى على الأريكة التي كان أحبابه يجلسون عليها، وقام ليحضر كوبا من املاء، واخذ يشرب ويشرب محاولا تهدئة النيران التي تستعر في صدره، وأحضر ورقة وقلما وكتب
دقيت باب الجار كل ظنتي بابي
ذاكرتي صارت عدم
من فرقة احبابي
يا جاري هذا العشق
يحرق ولا يحترق
وأكمل الكتابة واتخذ قراره ببيع شقته كيلا يموت من الذكريات التي تداهمه، رن جرس الهاتف، وكان كاظم الساهر من الطائرة في أمريكا متنقلا من ولاية إلى أخرى:كريم عندي شعور أنك انجزت نصا جديدا.
وسرد له كريم له الحكاية مع الجار، والحقها بالكلمات التي كتبها، فقال له كاظم:ابدعت يا كريم..
وانتهت المكالمة وذهب كريم ليعرض شقته للبيع، وقبل بيعها اتصل به كاظم واسمعه لحن "دقيت باب الجار".

كثر الحديث عن التي أهواها

قال كريم العراقي أن السبب في أغنية كثر الحديث عن التي أهواها، هو كاظم الساهر، فبعد جولة في لبنان ومن طرابلس إلى صيدا، وصور إلى بعلبك وبحمدون، ومن صفاء غابات الأرز إلى زحام بيروت حصد العراقي مع الساهر نجاحات ونجاحات..

وفي الفندق حكى كريم لكاظم عن أغنية يريدها، وهي الأغنية التي سيغنيها كاظم في افتتاح مهرجان بابل الدولي في العراق، وسمع كاظم الأبيات، وعلى عكس ما كان يتوقع كريم، تجهم وجه كاظم، وقال: للأسف هذا ليس كريم الذي أعرفه، يبدو أنك نضبت.

وامتلأ وجه كريم العراقي بالعرق، ورمى الاوراق والقلم من يديه، وعرف كاظم انه كان قاسيا على كريم، فضحك محاولا تلطيف الجو، ولكن كريم كان لا يزال على تجهمه، فطلب منه كاظم ان يرتدي ملابسه حتى يذهبان إلى سهرة، ولكن كريم رفض مغادرة الفندق.

يحكي كريم: طرق كاظم باب غرفتي وكلف بعض أعضاء الفرقة، بدعوتي ولكني كنت مصرا على البقاء في الفندق، وبعد أن خرجوا وجدت نفسي منفردا بالسماء والبحر، وأمسكت بقلمي والورق وكتبت كثر الحديث عن التي أهواها. كثر الحديث من التي أهواها. ما سرها.. ما عمرها..
ما إسمها? ما شكلها.. شقراء أم سمراء.. عيناك أحلي أنت أم عيناها..
يكمل كريم: عاد كاظم من سهرته فجلست إليه في غرفته وقلت له: اسمع.
وبعد أن استمع قال لي: الله، الله، هذا هو كريم، لقد نجحت في استفزازك.

وأمسك كاظم بالعود وهو يذوب مع نغماته وكنت مستغربا اللحن الذي استهل به الأغنية فلم أصفق له ورحت أتابعه بحذر ولم يحركني اللحن إلى أن وصل إلى: هي أجمل من كل جميلة، وزاد حماسي ودهشت من استمرار كاظم في التلحين دون توقف كما لو كان يحفظ اللحن منذ زمن.. إنه يلحن دون عناء، فوجدته يتوقف عند مقطع: عيناها بيتي وسريري، وأعاد وغير وجدد وتجهم وتأوه وابتسم بعد صمت، فقلت له: إنك تلحن أوبريتا وليست أغنية.

وظل كاظم يعاني حتى ختمها وقال لي: مبروك يا كريم، انهض الان سأحتفي بك، سامحني، كنت أريد استفزازك لأخرج منك الأجمل، لقد كسبنا أغنية عظيمة سوف تسجل في تاريخنا الفني.

محمد سلماوي كان السبب في أغنية تذكر

كان الكاتب المصري محمد سلماوي هو السبب في أغنية "تذكر" التي كتبها كريم العراقي، ويحكي العراقي هذه الحكاية بقوله: القصة أنني كنت وكاظم الساهرنفكر في إبداع قصيدة عن أطفال العراق، حين كلمني كاظم الساهر الساعة الثانية بعد منتصف الليل من بيته في العجوزة، وكنت في شقتي في المهندسين وكنت منغمسا في مجموعة من الكتب تصدرها مكتبة الأسرة ذات الأسعار الزهيدة، قال لي كاظم: هل قرأت جريدة الأهرام الليلة. قلت: لا، فقال إقرأها أرجوك.

جئت "بالأهرام" وتصفحتها وتوقفت عند الموضوع الذي يعنيه كاظم وهو مقال للصحافي المسرحي محمد سلماوي: "العراق.. من الجامعة العربية إلى كاظم الساهر"، احتوي المقال على تحليل لقضية العراق بلغة إنسانية قومية صميمة تجعل الصخر، يهب من صومعته ليستحيل شظية في وجه من يلوث حليب أطفال العراق ويحجب عن، أمهاتهم الدواء والخبز والحرية.

وحملت سماعة الهاتف: اسمع يا كاظم، الله الله أكبر، دعي أكتب أن شعر جسمي كله وقف..
وبدأ كاظم يلحن في اليوم التالى حيث كنا في مطار القاهرة بانتظار الطائرة الإماراتية إلى دبي حيث يقام مهرجان Art للفنانين العرب مباشرة على الهواء عبر المحطات الفضائية.

وأسعدنا التأخير في موعد انطلاق الطائرة، حيث تأخرت ساعتين وأخذ كاظم يلحن وبيده العود وهو جالس في صالة الانتظار والموزع الموسيقي منشغل بالتنويط وأنا أضيف وأحذف وأمامي حزمة أوراق، غير ابهين بعيون المسافرين، وحين حلقت الطائرة كانت الأغنية قد اكتملت تماما، وغامر كاظم بعد نزولنا في مطار دبي إذ لم نستقر ساعة في الفندق حتى جمع الموسيقيين وبدأ يحفظهم لحن -تذكر - أما موعد الحفلة فهو غدا، لم يبذل الموسيقيون جهدا في حفظ الأغنية بل سبقتهم دموعهم في الإعلان عن التصاقها بضمائرهم.
وعرضت الأغنية مباشرة فكانت مفاجأة، وبعد انتهاء الأغنية أعلنت الإمارات عن سفينة دواء تشق أمواج الخليج باتجاه البصرة، ووصلت صرختنا إلى أسماع الأمم، ولفتت نظر منظمة اليونسيف وخصتها بجائزة
أفضل أغنية تعبر عن معاناة الأطفال، وذلك حسبما ذكر كريم العراقي في كتابه "الأغاني وحكاياتها"، والذي صدر عام 2003 عن دار مصر المحروسة بالقاهرة.