رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاء عبدالحميد: الفن المعاصر بعيد عن حيز الوعي الأكاديمي

جريدة الدستور


تأثر الفن التشكيلي في العالم بتياري الحداثة وما بعد الحداثة بشكل يمكننا أن نطلق عليه باطمئنان أنهما كانا بمثابة ثورتين في الفن التشكيلي، فالحداثة ارتكزت على ضرورة تخفيف الصلات مع الماضي والبحث عن أشكال جديدة للتعبير، فمع الحداثة تنحت المبررات الاجتماعية التى كبلت الفن، كما لم يعد للموضوعات التاريخية سطوة وسلطة على العمل الفني، ما ساهم في تكوين قاموس مفردات فنية تشكيلية مخالفة لما كان عليه الفن من قبل.

أما تيار ما بعد الحداثة فقد ساهم في ابتكار مفاهيم في الفنون البصرية يمكن تسميتها بفن التركيب والفن المفاهيمي والوسائط المتعددة، لا سيما وسيط الفيديو الذي أصبح أبرز الوسائط التى برزت في مجال الفن المعاصر، كما استخدم الفن ما بعد الحداثي الكلمات بشكل بارز كعنصر فني مركزي، وإعادة تدوير الأنماط والمواضيع السابقة في سياق العصر الحديث.

ظلال تياري الحداثة وما بعد الحداثة ظهرًا في نتاج الفنان البصري والكاتب علاء عبدالحميد الذي يعتبر أنه يميل للفن المعاصر، فنرى في مكتبته مجسم "سوبر مان"، الذي يحيل بشكل رمزي إلى سوبرمان نيتشه، الإنسان الأعلى المستقل أخلاقيًا عن القيم الدينية القديمة، التي تستعبد الجنس البشري دون رحمة، وكما أن الفن المعاصر يستوجب دومًا دحض فكرة الوصول والاستقرار والبداهة، فإن الإنسان الأعلى في حالة تغير وصيرورة مستمرة، وفي حالة دائمة من الولادة المتجدّدة والنضج.

وغير تمثال مجسم "سوبرمان" يبرز بشكل لافت في مكتبة علاء عبدالحميد كتابي "النحت في الزمن" لتاركوفسكي و"الحداثة السائلة" لزيجمونت باومان، وكأننا أمام مكونات فكرية واضحة تشكل وتخدم مشروع فنان بصري معاصر، غير المؤلفات الأخرى المتنوعة بين الأدب والفلسفة والتاريخ، فإن كتاب "النحت في الزمن" يعد موضوعيًا في كادر المعاصرة، فتاركوفسكي الذي اعتبر الزمن والذاكرة وجهان لعملة واحدة والسينما وسيلة للإمساك بهذا الزمن، فإن الفن المعاصر يعتمد على الذهنية بشكل كبير في محاولات للإمساك بالزمن أيضًا دون قولبته.

هذه التركيبة الخاصة في محاولة خلق مشروع فني بصري معاصر دفعتنا لإجراء حوار مع الفنان علاء عبدالحميد.

- لماذا تصر على وصفك بالفنان البصري المعاصر دون وصف النحات أو الفنان التشكيلي؟

للأسف هناك خلط كبير بين الفن التشكيلي والفن الحديث والفن المعاصر، هناك تطور بالغ حدث في السنوات الماضية عالميًا على مستوى المفاهيم والمدارس، لكن في مصر وداخل أروقة كلية الفنون الجميلة ما زال يتم وصف أي فن بأنه تشكيلي، في تجاوز واضح للقفزات التى حدثت في السنوات السابقة، فأنا أكاد أجزم أن هناك فنانين كبار لا يفرقون بين الفن الحديث والفن المعاصر، بل هناك منهم من يسخر من مصطلح الفن المعاصر وتقنياته وأساليبه، رغم أن وراء مصطلح الفن المعاصر فلسفة يتم دراستها والاحتفاء بها في العالم أجمع، تخيلي أن كلية فنون جميلة ما زالت تقف في تدريس الفلسفة عند سارتر، لم يتم تجاوز سارتر إلى اليوم في التدريس الأكاديمي للفنون في مصر.
- لماذا يتم تجاهل الفن المعاصر بهذا الشكل في رأيك؟

لأن الفن المعاصر ضد فكرة المركز ولا يعتمد على أي ثوابت حتى في فى تقنية الرسم أو النحت ذاتها، لا يشترط أن يجيد الفنان المعاصر الفن بالمناسبة، ولا يشترط أن يعتمد على تكنيك ثابت، الفن المعاصر هو فن ذهني بالدرجة الأولى يستخدم أدوات معاصرة للتجهيز في الفراغ، كاستخدام الإضاءة والساوند سيستم، وهى أدوات اعتمد عليها في معارضي، فمن منحوتاني ينبع الصوت والإضاءة، والتجهيز في الفراغ لا يعتمد على شكل جمالي مقولب، فقد يتم بشكل فوضوي له رؤية ما وفلسفة تنبع من ذاته، هذه الخطوات التى يتبناها الفن المعاصر لا يبذل المتلقى ولا بعض الفنانون التشكيليون الجهد لفهمها واستيعابها، رغم أن الفن المعاصر منتشر في العالم منذ الستينات ويلقى احتفاء بالغ في كل دول العالم وبالصين، لكن في مصر ليس لدينا أقسام للفن المعاصر ولا متاحف للفن المعاصر، لازالوا يتعاملون مع الفن المعاصر باعتباره فن حديث!.

-هل الخلط في المصطلحات هو السبب في هذا اللبس أم هناك رفض لاستقبال هذا الفن في محيطنا المصري؟

وزارة الثقافة لديها توجه ضد الفن المعاصر ربما تري أن الفن المعاصر لا يخدم فكرة الهوية التى تسعى لترسيخها والتأكيد عليها طوال الوقت، كما أن الخلط في المصطلحات لدينا كارثي وهوما دفعني لاجراء بحث عن مصطلحات الفن البصري في مصر خلال مائة عام أو أكثر، من أول سعد الخادم وفتحية ذهني، قرأت خلالها آلاف المقالات، وهو ما دفعني لتجميع عدة مقالات للعقاد في كتاب سيصدر قريبا عن الهيئة العامة للكتاب بعنوان" العقاد مقالات نادرة عن الفنون الجميلة" سأنشر فيه 30 مقال للعقاد عن الفنون، منها مقالات رد على العقاد في الفن من جانب الرافعي ورمسيس يونان وسلامة موسى وغيرهم.
تابعت أيضا خلال بحثى في المصطلحات الاعداد الكاملة لمجلة "صوت الفنان" وهى أول مجلة متخصصة في الفنون، وأرشيف مجلة "التطور" التى كان يصدرها جورج حنين.
- بمناسبة اهتمامك بالأرشيف ما بواعث هذا الشغف بالأرشيف بشكل عام؟

هناك توجه عام للعودة للأرشيف في السنوات الأخيرة بالأخص في مجالات الفنون البصرية والثقافة، وأظن هذا الاهتمام له علاقة بـ "إحباط" الثورة، الثورة ساهمت في دفعنا للنظر للأرشيف ربما لتصحيح المسار أو البحث في التاريخ غير الرسمى أو التاريخ البديل، الدافع الأساسي في اعتقادي سياسي.
أظن أن فكرة التجميع التى تقوم بها في الأرشيف هى طريقة تنتهجها حتى في مجسماتك البصرية التي تعمل عليها.

نعم هذا له علاقة بطريقة إنتاجي للمجسمات فكلها قائمة على فكرة تجميع القطع من البيئة المحلية سواء قطعة خشبية أومعدنية مهملة قد تكون ملقاة في الشارع، هي بالنسبة له جزء من قطعة يمكن أن استخدمها في خلق مجسم، هذه القطعة هي بمثابة مفهوم، أونمط أعيد تدويره، أجلبه لخلق مجسم من مجموعة من المفاهيم أو الأنماط المعاد تدويرها، هنا نعود إلى مفهوم الفن المعاصر باعتباره فن مفاهيم.

-هل تهتم بالمساهمة في صالون الشباب والمعرض العام وسيمبوزيوم أسوان؟

كنت أساهم في صالون الشباب وحصلت على جائزة الصالون عام 2013، لكن بعد ذلك توقفت عن المشاركة لأن الصالون والمعرض العام وهذه الفعاليات بدأت تأخذ اتجاه رسمي وروتيني اوتوماتيكي، وبدأت تفقد معناها، أما سيمبوزيوم أسوان الذي أسسه آدم حنين فهو تجربة مغامرة بالطبع أحب أن أشارك في السيمبوزيوم طوال فترات إقامته أظن أن تجربة السيمبوزيوم لم تفقد معناها ولا مغامرتها حتى الآن.

- حدثنا عن تجربة كتابك"المجسم الذي تم العثور عليه مرتين.. دفتر الهوامش"

الكتاب تم طباعته بدعم من مؤسسة مفردات وبدعم المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة والمدينة الدولية للفنون في باريس، وصدر عام 2016
يعتمد على النصوص والوسيط البصري"الصور" ويأتى النص تأويل لثلاثة نصوص متشابكة أولهم وصفي وثانيهم أدبي وثالثهم فلسفي قمت بالاعتماد بشكل كبير على كتابات وأفكار ونمط حياة بعض الكتاب مثل اميل سيوران وألبير قصيري ووالتر بنيامين.

على المستوى التقني تلعب الهوامش دورا أساسيا في دعم هذا النص ويتم الاعتماد عليه بشكل دائم لأن الكاتب يفترض اختلاف ثقافات من سيقع تحت أيديهم هذا النص، والاستشهادات، والمقتطفات من النصوص الأخرى هى تماهي مع طريقة والتر بينيامين في التعامل مع اللغة فقد كان يسمى هذه الطريقة – استخدام نصوص أخرى للاستشهاد- "الموزاييك الأكثر جنونا"، كما أن النص يتسم بالوضوح فليس بالضرورة أن يكون معقدا حتى يبدو أهم، مثلما قال ألبير قصيري في حواره مع ميشال ميتراني"إن البساطة في حد ذاتها عمق، ولكن لا أحد يفكر في ذلك، فبالنسبة للنقد كلما كان الكاتب غير مفهوم كليا كلما كان عميقا".