رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سوريا والجامعة العربية.. وحكاية يوسف وإخوته




كيف يمكن أن تدافع الجامعة العربية بصدق وإخلاص عن سوريا بعد ثمانية أعوام من تجميد عضويتها فى الجامعة، رغم أنها إحدى الدول التى شاركت فى تأسيسها فى منتصف أربعينيات القرن الماضى؟ سؤال خطر على بالى وأنا أتابع عن كثب المؤتمر الطارئ للمجلس الوزارى لجامعة الدول العربية، والذى دعت إليه مصر عقب الغزو التركى شمال سوريا.
لقد جاء الاجتماع بدعوة من مصر، التى تقف دائمًا إلى جانب سوريا، وتدافع عن استقلالها ووحدة أراضيها من منطق عروبى حقيقى، ومن منطق التاريخ المشترك الذى يؤكد لنا أن مصيرنا واحد فى كلا البلدين، وأنه لا عروبة من دون سوريا، لكن هل تشعر باقى الدول العربية داخل هذه المنظومة بنفس الأمر، وهل تحركها نفس الدوافع خاصة تلك الدول التى دعت إلى طرد سوريا من الجامعة العربية، وعلى رأسها قطر، وتلك الدول التى أشعلت النار ومولت التنظيمات الإرهابية فيها، ليس بسبب ما وصفوه بـ«جرائم بشار»، ولكن بسبب الخلاف على تمرير أنبوب غاز إلى أوروبا عبر الأراضى السورية؟.
فى الجلسة الرسمية، التى تحدث فيها وزراء الخارجية العرب، استمعت إلى الكلمة التى ألقاها وزير خارجية لبنان جبران باسيل، وتأثرت كثيرًا بها لأننى شعرت بأنه يتحدث بلسانى وبلسان ملايين العرب، خاصة عندما قال إننا نجتمع اليوم من أجل سوريا فى ظل غيابها، ألم يحن الوقت بعد لعودة سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية، باعتبارها دولة مؤسسة لها؟!.
لقد كدت أن أصدق ما قاله وزير الخارجية العراقى محمد الحكيم، من أن الاجتماع التشاورى الذى سبق الاجتماع الرسمى لوزراء الخارجية شهد بوضوح رغبة كبيرة فى عودة سوريا إلى مقعدها، لكننى ومتابعى الاجتماع، الذى كنا ندرك سلفًا أنه سيقتصر على خطب حماسية وبيان إنشائى منمق لامتصاص غضب الجماهير العربية، أدركنا أن ما قيل عن المطالبة بعودة سوريا إلى الجامعة، لا يعكس رغبة حقيقية ولا سندًا له على أرض الواقع، فقبل الاجتماع وخلاله لم تتقدم دولة عربية واحدة، بطلب رسمى لعودة سوريا إلى عضوية الجامعة.. إذن فالمسألة مجرد كلام للاستهلاك الإعلامى فقط.
لكن إجابة الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبوالغيط عن سؤال لمراسل عربى، حول إمكانية عودة سوريا، جعلت الصورة تبدو أكثر قتامة، فقد قال إن عودة سوريا تحتاج إلى إجراءات «معقدة»، وإن من بين هذه الإجراءات خطوات يجب أن يتخذها الجانب السورى نفسه، حتى لا تفاجأ الجامعة- والكلام لا يزال للسيد أبوالغيط- بأن سوريا تضع شروطًا للعودة، مؤكدًا أن الجامعة لن تقبل بأى شروط.
وكلام الأمين العام، الذى كان بنبرة لا تخلو- كعادته كثيرًا- من الانفعال، عكست صورة قاتمة، وجعلت الجميع يتساءل: هل ترفضون أن تضع دولة مؤسسة لهذا الكيان العربى شروطًا لعودتها، بعد تجميد عضويتها وهى سابقة لم تحدث فى تاريخ الجامعة؟ هل تريدونها أن تبتلع إهانتها دون أن تحاول رد اعتبارها أمام دول لا تمتلك نفس تأثير سوريا ولا تاريخها ومكانتها فى نفوس الشعوب العربية أم أن هذه الدول- وبعضها بلا تاريخ- ما زالت تضغط للحيلولة دون عودة سوريا إلى مقعدها الذى تستحقه؟.
هل أنتم مخلصون حقًا فى الدفاع عن سوريا تجاه الغزو التركى.. أم تحاولون أن تتبرأوا من ذنبكم أمام شعوبكم وأمام التاريخ، ومن الدماء السورية التى أسالها وسيسيلها أردوغان وجنوده، والتى سالت من قبلها دماء على يد الأمريكيين والإسرائيليين والروس والإيرانيين، والإرهابيين من داعش والقاعدة؟.
هل تتألمون لأن قوات تركيا تغزو شمال سوريا؟، لماذا إذن لم تتألموا لوجود قوات من عشر دول أجنبية تتقاسم النفوذ على أرضها منذ انطلاق أحداث الربيع العربى الأسود؟ وهل تخافون حقًا من أن الغزو الأردوغانى يمكن أن يؤدى إلى تهجير ٣٠٠ ألف سورى؟، ولماذا لم يخفكم نزوح أكثر من تسعة ملايين سورى منذ ٢٠١١؟.. لا أحد يمكن أن يصدق حزن وبكاء «بعض» أعضاء الجامعة العربية الموقرة على سوريا بعد الغزو الغاشم لأراضيها، لأن بكاءهم أشبه بدموع التماسيح، وهى دموع مزيفة يذرفها التمساح وهو يلتهم فريسته بفكيه. كيف نذرف الدمع على الشقيق الغائب ونحن الذين غيبناه وأبعدناه، بل حاولنا قتله حسدًا وبغضًا؟، تذكرنى حكاية سوريا و«بعض» أعضاء الجامعة العربية، بجوانب من قصة نبى الله يوسف وإخوته، الذين دفعهم شعورهم بالحسد تجاهه إلى إلقائه فى البئر، وعادوا ليخبروا أباهم بأن الذئب قد قتله «وجاءوا على قميصه بدم كذب»، لكن الله نصر عبده ونجاه من كيد إخوته، ومكنه من خزائن مصر، ورغم هذا لم ينكر إخوته الذين كانوا له حاسدين.