رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيفية تنمية الصعيد


مشروع تنمية الصعيد هو الحاضر الغائب فى برامج الحكومات المتعاقبة، إن تنمية الصعيد فرصة جيدة للاستثمار لأنه يمتلئ بفرص الاستثمار اللانهائية ولديه مقومات وموارد ومناخ استثمارى مميز

تنمية الصعيد.. قضية قديمة جديدة سبق أن صال وجال فيها الكثيرون طوال العقود الماضية، ولعل أبرز المشكلات التى تجسدت فى هذا الملف الشائك وتلك القضية المفتوحة المغلقة أنها أصبحت دائرة مفتوحة للنقاش والكلام بلا صدى أو مردود حقيقى يتناسب أو يقترب من حجم الضجيج المثار حولها، فما من حوار من مسئول حكومى إلا وتجد على لسانه جملاً مستهلكة مثل: تنمية الصعيد، تشجيع المستثمر على الاستثمار فى الصعيد،وغير ذلك من العبارات، ولكن بلا شك ثمة تطور حدث فى الصعيد طوال العقود الماضية فى مختلف المجالات وغيرها، ولكن السؤال المهم: هل لبت هذه التطورات حاجة أبناء الصعيد الحقيقية؟، وهل استطاعت هذه التطورات أن تحدث تغييرًا جذريًا فى ثقافة وبناء هذه المجتمع؟ هل هذا ما ينتظره أبناء الصعيد؟ هل توارت المشكلات والعوائق التى يعرفها جيدًا أبناء الصعيد أمام هذه التطورات؟ الإجابة بلا شك «لا»، لأن ما تحقق على أرض الواقع هو أقل مما يحتاجه الصعيد، وهذا يطرح أمامنا التساؤل القائم: كيف ننمى الصعيد؟ وكيف نحيى ما تبقى من إرث حضارى مازال يكمن فيه حتى الآن؟ الاستثمار قضيتى الأساسية وتأمين الاحتياجات اليومية للمواطنين، نريد أن نستثمر الاستقرار الذى تتمتع به محافظة أسيوط عن غيرها من المناطق فى العمل لصالح المواطنين وتحقيق تنمية تعوض شعبها سنوات طويلة من الظلم.. يقول اللواء إبراهيم حماد - محافظ أسيوط وفى حواره الأول قبل أن تجف زهور باقات التهنئة حول مكتبه بالمنصب الجديد.. سأنزل للناس فى المدن والقرى وأتبنى مطالبهم وأعمل على تحقيق آمالهم وطموحاتهم

بل يجب توفير عوامل جاذبة للاستقرار فى الصعيد بالنسبة لأبناء الصعيد الذين مازالوا يرون أن القاهرة هى مركز الضوء الرئيسى بل هى محور الحياة، فلابد من توفير فرص العمل وتهيئة هذه البيئة لاستقبال نشاط اقتصادى حقيقى. إذا أردنا أن نعمل بإخلاص على تنمية الصعيد فيجب أن نرى مشكلات الصعيد على أرض الواقع وأن نستمع إلى مشكلات الصعيد من أبناء الصعيد أنفسهم بدلاً من الاستعانة بدراسات أو أبحاث ترى الصورة من بعيد ولم تعش الواقع الفعلى أو الحقيقى الذى لا يعرفه إلا من يعيش فى هذا المجتمع الذى يحتاج إلى وقفة جادة وعمل جاد لتحقيق نهضة حقيقية فى جميع المجالات.

إن مشروع تنمية الصعيد هو الحاضر الغائب فى برامج الحكومات المتعاقبة، إن تنمية الصعيد فرصة جيدة للاستثمار لأنه يمتلئ بفرص الاستثمار اللانهائية ولديه مقومات وموارد ومناخ استثمارى مميز، إن الحكومة مطالبة بالتنمية البشرية وتقدير حجم الفقر ودراسة المشروعات الصغيرة والمشروعات القومية، بالإضافة إلى وضع حوافز للمدن الصناعية المقرر إقامة المشروعات عليها وإقامة المرافق والبنية التحتية. إن تنمية الصعيد تحتاج لبرنامج واضح لأن الصعيد يمثل الأمن الاقتصادى، وتحقيق العدالة المطلوبة له أبعاد إقليمية والصعيد به العديد من المجالات الاستثمارية مثل الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.

زيارات مرسى إلى الصعيد أعادت إلى الأذهان زيارات مبارك إلى هناك والتى كانت قليلة للغاية وربما نادرة أيضًا، كما أنها لم تكن تتزامن إلا بذهابه لافتتاح مشروعات وصفها البعض بالوهمية كما أنها لم تحتو على أى لقاءات جماهيرية حتى ولو كانت جماهير «حزبه الوطنى». إلا أن زيارات مرسى المتعددة للمحافظات والتى عادة ما تأخذ طابعاً جماهيرياً، أعادت جزءًا من الأمل لدى الشارع الجنوبى المهمش فى مصر بأن «يناله أخيراً من الحب جانب»، وأن تتغير أوضاعه بعد عقود من الإهمال والتهميش، وهى الأمور التى لن تحققها خطب مرسى للجماهير بقدر ما تترجمها تحركات فعلية على أرض الواقع تشعر «الصعايدة» بأن هناك تغييراً ملموساً قد تشهده حياتهم فى المستقبل القريب، وأن الحديث المستهلك حول تنمية الصعيد قد وجد طريقه أخيراً وباتت التنمية حقيقة لا «شو إعلامى». يُحسب لمرسى بلا شك أن الصعيد قد تردد اسمه كثيراً فى العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التى وقعت مؤخراً كنتيجة لجولاته الخارجية المتعددة، ولم يكن الصعيد هو فقط مجال اهتمام الاستثمارات التى حاولت مصر جذبها وإنما شمل ذلك العديد من المناطق كسيناء والقناة، إلا أن الصعيد اكتسب أهمية خاصة كون أن الحكومة قد أكدت أن هذه المشروعات والاستثمارات الهدف منها النهوض بالجنوب وانتشال أهله من إهمال عانوا منه على مدى عشرات السنين. وتُعد أسيوط، المحافظة التى يزورها مرسى، واحدة من أفقر محافظات الجمهورية، ويعول أهلها كثيراً على هذه الزيارة التى من المتوقع أن تمثل مؤشراً مهمًا لرؤية الدولة للصعيد، وما إذا كان بالفعل ينتظره مستقبل أفضل بعد الثورة أم أنه كعادة التاريخ فإن الصعيد يظل رغم كل الظروف والتغييرات نسياً منسياً.

التركيز على تنمية الصعيد كضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية.. ويرى ضرورة النزول إلى الشارع وفتح حوار واسع حول الاحتياجات الفعلية لتنمية المجتمع الصعيدى.. والاستفادة من خبرات الدول ذات الظروف المشابهة التى سبقتنا إلى التنمية مثل البرازيل التى عمل بها قنصلاً لمصر وشهد تجربتها وانتقالها من مرحلة الزراعة إلى مرحلة الصناعة القائمة على الزراعة حتى أصبحت الآن أكبر دولة فى العالم إنتاجًا للميثانول البديل النظيف للطاقة.. ودعا المحافظ إلى التركيز على نقل التكنولوجيا ودعم صغار المستثمرين.. يقول إن رءوس الأموال الكبيرة لا تنتظر ذلك النوع من الحوافز الحكومية. وإن العقبات مازالت من نصيب صغار المستثمرين.. طلبت 3 آلاف متر لإنشاء مصنع وحيد من نوعه لطحن خامات المحاجر وتجهيزها للتصدير فأعطونى 1800 متر فقط رغم أن الطاحونة وحدها تحتاج إلى ألف متر.. إن المستثمرين الشباب هم الأولى بالتسهيلات.. وإن الاستثمار والتنمية لها وجوه متعددة تتطلب تحرير إدارة المجتمع من البيروقراطية والتخلف ووضع قواعد بسيطة وواضحة لاستصلاح الأراضى الصحراوية وتحريرها من سيطرة «مافيا التسقيع» التى تعوق التعمير.

■ خبير القانون العام - جامعة الدول العربية