رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل الأمور تعمل معاً للخير


فى فجر الرابع عشر من أغسطس 2013 كانت قوات الشرطة الباسلة مُدعمة بأبطال القوات المسلحة يقومان بفض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية تلبية لنداء الشعب المصرى بعد أن استفحل الشر بهاتين المنطقتين، وبعد ظهر نفس اليوم تلاعب عدو الخير بأبناء المعصية الأشرار وذهبوا ليصبوا غضبهم الشرير على كنائس ومحال ومنازل الأقباط، فكان لسان حال الأقباط وسلوكهم الراقى يقول: «يا رب لا تقم لهم هذه الخطية، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون!!».

الشىء العجيب والمذهل والمفرح أن طاقات الحب والتماسك والترابط انفجرت بقوة فأخرج الشعب الواعى – من داخل قلبه النقى – مشاعر حب صادقة بكلمات لم يكن أحد يتخيل أنها فى يوم من الأيام أن يقرأها على صفحات الجرائد أو يسمعها عبر القنوات الإعلامية سواء المرئية أو المسموعة. آخرها ما حدث صباح الاثنين 23 سبتمبر 2013 فى طابور الصباح بمُجّمع مدارس إسكو بشبرا الخيمة، عندما طلبت إدارة المدرسة من أحد الطلاب الأقباط أن يقرأ نصاً من الكتاب المقدس فى الإذاعة المدرسية فى وجود السيد وزير التربية والتعليم، أليست هذه روح جديدة تسرى فى دماء الشعب المصرى!!

بجريدة الأخبار بتاريخ 10 سبتمبر 2013 كتب الصحفى القدير الأستاذ صفوت محمد مقالاً رائعاً بعنوان «عزيزى البابا تواضروس» جاء فيه: «عادت بى الذاكرة إلى سنوات بعيدة ماضية .. بداية ستينيات القرن الماضى.. كان العام الأول لوجودى فى حضانة مدرسة اكيسلر النموذجية.. على أطراف حى الزيتون بالقاهرة شيدها مغترب بلجيكى وتبرع بالمبانى لتتحول إلى مدرسة .. جلس بجوارى زميل الصف.. عرفت أن اسمه ماهر.. كنا نقضى فى الدراسة يوماً كاملاً يبدأ من السابعة والنصف صباحاً وحتى الرابعة والنصف عصراً .. فى إحدى الأيام وخلال فترة ما بعد الظهر اكتشفت أنى نسيت الحصول على نصف القرش المصروف اليومى لشراء الحلوى من مطعم المدرسة.. سلمت أمرى لله ولزمت الفصل ليفاجئنى زميلى بالسؤال عن السبب لعدم الخروج وعندما عرف السبب أعطانى نصف قرش وقال لى رده لى غداً.. بفطرة طفولية شكرته وفعلت.. أحد الأيام فاجأنى ماهر برغبته فى اقتراض نصف قرش منى وذلك بعدما رددت إليه قرضه .. فعلت راضياً سعيداً .. تعددت طوال أيام الدراسة حالات الاقتراض والسداد بيننا .. لكنى فوجئت به يوماً وأنا أرد له دينه يسألنى: أمعك نصف قرش آخر وأنت تسدد قرضك؟ فلما أجبت بالنفى قال: إذن احتفظ به اليوم وأعده لى غداً يومها تمتلك قرشاً كاملاً تسمح لك بالسداد وشراء الحلوى.. تعجبت من منطقه وسألته عمن علمه ذلك .. أجابنى بأنه الراعى فى الكنيسة.. يومها عرفت ولأول مرة أنه مسيحى وأن ديانته تدعو إلى الرحمة والمودة والألفة .. تذكرت ذلك وأنا أشاهد مدى الدمار والخراب الذى أصاب محال وبيوت المسيحيين فى المنيا من فئة ضالة اختارت من الدين ستاراً ولافتة تحقق به ما تصبو وتريد وتسوق البسطاء الذين غررت بهم ليكونوا وقوداً يديرون دفتها الوجهة التى يريدونها ليجنوا الغنائم ويقسموا المناصب ويرفعون شعارات ويتشدقوا بها ويدعو الناس إليها وينسوا أنفسهم.. لكم ولكل أقباط مصر التحية .. سلام عليكم فى كل وقت وحين .. وعاشت مصر بأبنائها».

كما سجل الكاتب الأستاذ محمد على الهوارى مقالاً على موقع «الدستور الأصلى» بعنوان: «المسيح المصرى» قال فيه بشجاعة ومحبة كاملة ووطنية صادقة وفهم مستنير، فقال: «كثيرون من المصريين تفاجأوا وخجلوا من أنفسهم، بعد أن أخرجت الكنيسة أسلحتها المخفية من المحبة والتسامح والوطنية فداءً ودفاعاً عن مصر، من شبح الفتنة والحرب الأهلية، وتحمل المسيحيون بصبر يُحسدوا عليه، هذا الثمن من الترويع والإرهاب، بحرق هذا العدد القياسى من الكنائس والأديرة».

يقول الدكتور عبد الله المغازى البرلمانى السابق فى تصريح له: «إن ما حدث من الكنيسة هو أمر متوقع دائما من أقباط مصر المشهود لهم بالوطنية وعشقهم لتراب هذا الوطن». أما المفكر الإسلامى الدكتور ناجح إبراهيم، والذى نبذ العنف بعد أن كان عضوا بالجماعات الإسلامية الإرهابية، فيقول ممتدحا سماحة المسيحيين: «كان أولى بهم – أى الإسلاميين - أن يقدموا للمصريين خطاب التسامح كخطاب الإخوة المسيحيين بعد حرق كنائسهم».

كتبت الإعلامية بثينة كامل تقول: «المفارقة المدهشة أن من يتهمهم البعض بالصليبيين العلمانيين الكفرة، هم بالتحديد الأحرص على الأرض والعرض فى مواجهة الغرب». وبتلقائية كتبت – على موقع التواصل الاجتماعى – كينزى بدر: «أنا كل يوم أسمع عن كنيسة ودير إتحرق أقول يالهووووووى ها نودى وشنا فين؟؟ طيب هنطيب خاطرهم إزاى؟؟ .. ألاقى مافيش أى رد ولا تعليق عنيف .. ألاقى كلام كله تسامح ورضا، وإحنا فدا مصر .. يا دى النيلة ع الإحراج!! وأفكر لو أنا مسيحية كان إحساسى بقى إيه؟؟ وهمسك نفسى إزاى؟؟ ومن كتر كلمات التسامح والوطنية أبقى عايزة أقول لأصحابى طب حد يشتم، حد يتنرفز، حد يفقد أعصابه!! .. بجد أنتم أذهلتم مصر وأسرتم قلوبنا .. ناس ولاد أصل، لستم شركاء وطن، أنتم أصحاب الوطن!».

فى الصلاة اليومية– سواء بالكنائس أو بالمنازل – يصلى الأقباط صلاة تُسمى الصلاة الربانية، يقولون فيها: «.. أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمسيئين إلينا، ولا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير ..».

■ أستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.