رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزت شاكر يكتب: عايش ليه؟.. أزمة مواجهة الأزمة «15»

عزت شاكر
عزت شاكر

لا توجد حياة خالية من الأزمات والضيقات والمتاعب، والسؤال الذى يطرح نفسه: عندما تواجه الملحد أزمة أو كارثة ما الذى يعطيه الصبر والتعزية والقدرة على التحمل؟
كان دانيال دينيت «Daniel Dennett»، وهو رابع رباعى الإلحاد فى العالم مع سام هاريس وكريستوفر هيتشنز وريتشارد دوكنز، قد استضاف ريتشارد دوكنز فى منزله، عام ٢٠٠٨، لكى يجرى معه الأخير مقابلة، هى واحدة من سلسلة مقابلات أجراها البيولوجى التطورى لحساب القناة البريطانية الرابعة، وكانت تحمل «عنوان عبقرية تشارلز داروين» (The Genius of Charles Darwin)، والمقابلة موجودة على «يوتيوب»، أرجو أن تشاهدها على حساب مؤسسة دوكنز (Richard Dawkins Foundation for Reason Science)..
كان لذلك اللقاء سِمة واحدة وطابع أوحد وهو الإفلاس المنطقى.. فعلى سبيل المثال حينما طلب دوكنز من دينيت أن يخبره بتجربته التى أوشك فيها على الموت، قال دينيت إن شريانه الأورطى كان قد انفجر، وقد أجرى على إثر ذلك جراحة رُكِّب له فيها شريان اصطناعى، وبعد ذلك بدأ الاثنان يحاولان بشكل شبه هزلى شرح حياة الإنسان ومماته ومعاناته برؤية إلحادية دون أن تُفسر قدومه للدنيا ورحيله عنها على أنه مجرد حيوان متطور، جاء من العدم مصادفة، ثم سيرجع إلى العدم الذى أتى منه إلى الأبد.
كيف السبيل إلى الجمع بين التطورية الداروينية المادية الإلحادية وبين إعطاء معنى أسمى لحياة الإنسان ومماته حسب دينيت ودوكنز؟.. على ما يبدو أن الطريقة المُثلى تأتى على أربع خطوات أساسية كما يلى، أولًا: أن يتصور الإنسان احتمالية وجوده الضئيلة جدًا.. ثانيًا: أن يتصور الزمن التطورى المديد.. ثالثًا: أن يتصور عدد الكائنات الحية الهائل وعدد أنواعها فى الكون، ثم يختم بتصور حجم وعمر الكون نفسه!
أما التطبيق العملى لما سبق فإنه يكون على النحو التالى: فى حال تعرّض الملحد إلى أى كارثة أو مصيبة فإن زعماء الإلحاد أولئك يفتونه بأن باستطاعته أن يستمد الصبر ويحصل على السلوان من تذكره أولًا أنه محظوظ جدًا لوجوده أصلًا على قيد الحياة، ثم بعد ذلك عليه أن يُلهى نفسه بالتفكر فى أن وجوده على شكله الحالى احتاج إلى مليارات السنوات من التطور التدريجى البطىء، الذى تسبب فى النهاية فى وجوده ووجود باقى الأحياء، وهذا أمر ينبغى أن يُنسِى الملحد حزنه على ما يبدو، وأخيرًا على الملحد أن يعرف حجمه الحقيقى مقارنة بباقى الكون، وأنه جزء صغير لا يُذكَر من عالم كبير، وعليه أيضًا أن يتذكر أن هناك مجرَّات تبعد عنه مسافات تُقدّر بمليارات السنوات الضوئية تقع داخل كون يتجاوز عمره الثلاثة عشر بليون سنة.. والمعنى: تَفكّر فى جمال الكون لتنسى همك.
طبعًا لا يمكن لعاقل أن يتصور أن هذا الكلام الساذج السابق يمكن أن يُصبِّر مريضًا أو مكلومًا، ولا أن يواسى أسيرًا أو مهمومًا.. وبالرغم من هذا لا يعترف الملحدون بأن فكرهم الإلحادى المادى يعجز تمامًا، وبشكل كلى، عن تغطية الحاجات الروحية للجنس البشرى، بما فى ذلك المواساة عند الأزمات.. ولو كان ما يتفلسف به دوكنز ودينيت صحيحًا فلماذا كان كريستوفر هيتشنز يتحسر حتى أواخر أيامه على الطريقة التى انتحرت بها أمه، وعلى عدم تمكنه من مكالمتها وسماع صوتها قبل أن تُنهى حياتها مع عشيقها على تلك الشاكلة؟ لماذا لم يتصور فقط أنها مجرد «حيوانة متطورة» محظوظة ثم يتخطى الأمر؟ لماذا قال فى أواخر حياته فى مقابلته مع أندرسون كوبر، على قناة الـ«CNN»، إن عينيه تدمعان حينما يفكر فى أبنائه الذين يُعتبر مرضه بالنسبة إليهم صدمة مروعة؟ فقد كان يعانى من سرطان فى المرئ، ماذا عن الزمن التطورى؟ ألم يواسه ذلك؟
فى حوار لى مع صديق ملحد، وقد اجتهدت أن يكون الحوار وديًا وليس جدليًا، قلت له: هل تحب أن يصبح ابنك مثلك؟ فقال: لا، وقال لى بالحرف: طريقنا ليس سهلًا، أنتم فى أزماتكم تعرفون لمن تذهبون، أما نحن فلا نعرف.. وحكى لى قائلًا: فى إحدى الليالى وقرب الفجر وصلت حرارة ابنى إلى ٤٠ درجة ولم أعرف لمن أصرخ، ولمن ألتجئ؟
ولا أنسى ما اعترف به صديق لى، وهو طبيب كبير ملحد يعيش فى إنجلترا: «لقد تأكدنا أن نسبة شفاء الإنسان المؤمن بوجود الله أكبر من غير المؤمن، وأن المؤمن يتعافى بصورة أسرع من غير المؤمن».
فى دراسة قامت بها «Georgetown University»، جامعة جورج تاون، على ١٠٢٨ شخصًا مصابًا بالاكتئاب تحت العلاج، وكان ٥١٤ شخصًا منهم مؤمنين و٥١٤ شخصًا غير مؤمنين، ثبت أن المؤمنين حالاتهم تتحسن ٦ أضعاف غير المؤمنين، والسر يعود إلى عدة أسباب، هى:
إيمان الشخص بوجود إله مسيطر على كل الأحداث؛ محب، حكيم، صالح، قدير يساعده على الشفاء.
- سلوك المؤمن: عدم السكر بالخمر، عدم الكذب والنفاق والرياء والكراهية والحقد يساعد على الشفاء.
- الممارسات الدينية: من صلاة وصوم وعبادة تساعد على الشفاء.
مسكين من يواجه الحياة بكل أزماتها وضغوطها وحيدًا، ويا بخت من عرف الله معرفة حقيقية وعاش فى طاعته ورضاه ومخافته.