رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صور| «رماد متحرك».. القصة الكاملة لأزمة مصنع كليوباترا في سمالوط

جريدة الدستور

اعتاد مصطفى السيد أن يشاهد أدخنة سوداء اللون تنبعث من المصنع، على شكل غيوم كاحلة السواد، تغطي سماء المنطقة المحيطة التي تتسم بشدة الرياح، الأمر الذي حمل أزمة كبرى تتمثل في حملها للأدخنة والأتربة ونقلها لمئات الأسر التي تستوطن تلك المنطقة، والتي تسببت في أمراض صدرية لغالبيتهم.. هنا قرية بني خالد التابعة لمركز سمالوط.

مصطفى واحد من الآلاف الذين تضرروا نتيجة تلك اللأدخنة المنبعثة يوميًا من مصنع كيلوباترا المتواجد في القرية، فهناك العشرات بل المئات الذين تغلغل السرطان أجسادهم، أو من نجى من المرضي اللعين أصيب بحساسية صدرية ضربت أنفاسهم، أو أزمات متتالية في الإبصار، ليصل الجميع لنتيجة واحدة وهي الهلاك الحتمي.

"أولادنا وأهالينا جالهم سرطان" بهذه الكلمات بدأ محمد إبراهيم، 30 عامًا، حديثه لـ"الدستور" ، منوهًا أن مصنع كيلوباترا للأسمنت عند امتلاك الشركة البريطانية له، قامت بعمل فلاتر لتنقية الأدخنة والغازات المنبعثة من المصنع، غير أن الأمور تغيّرت عندمت قام بشراءه المهندس أحمد سعيد، الذي قرّر إزالة تلك الفلاتر، لتنطلق الأدخنة السوداء نحو صدور الأهالي بلا رحمة.

وتابع "إبراهيم"، أن الأدخنة الناتجة من المصنع تشكل خطرًا على محافظة المنيا بأكملها، مسببة لأهلها سرطان الرئة، موضحًا أنه يقوم بتكوين أدخنة أشبه بالسحابات السوداء التي تغيم على المنطقة بالكامل.




تعتبر صناعة الإسمنت من الصناعات الملوثة للبيئة بشكل خطير وتتسبب بالأمطار الحمضية، كما تتسبب بمشاكل صحية للعاملين فيها وللسكان المحيطيين والمجاورين بالمصنع نتيجة لغبار الإسمنت والكلنكر ورذاذ الغازات المنبعثة عن هذه الصناعة الناتجة عن تحميص الكلنكر حيث تنبعث غازات سامة جزيئآتها تعلق بغبارالكلنكر عند خروجه من فوهة المصنع وإنتشاره في المناطق المجاورة له.

تطلق فوهات المداخن العملاقة لمصانع الإسمنت غبار الكلنكر وغبار الإسمنت والدخان وأكاسيد الكربون والكبريتيك والنيتروجين والهيدروجين والرصاص وغيرها من الغازات وهي المُكون الرئيسي لتلوث البيئة حيث يعلق رذاذ هذه الأكاسيد بالغبار.


فيما يقول محمد شعبان، القاطن بالقرب من قرية بني خالد لـ"الدستور"، إنه يقطن على بعد بضعة كيلومترات من مصنع كيلوباترا للأسمنت، معتادًا أن يشاهد أدخنة سوداء تنبعث من المصنع، وتشكل خطرًا على أولاده، منوهًا أنه اشتكى العديد من المرات، وأهالي القرية بالضرورة الملحة لغلق المصنع، حفاظًا على سلامة الأهالي، لكن دون جدوى.

وأوضح "شعبان"، أن أهالي القرية أصيبوا بالعديد من الأمراض، والمشاكل الصحية، ولم ينجو الكبير والصغير منها سواءً في القرية أو القرى المجاورة، مطالبين الدولة بغلق المصنع، أو نقله بعيدًا عن المناطق السكنية لما تسببه من ضرر.


ويحكي حسام عمر، أحد المتضررين من مصنع كيلوباترا للأسمنت، أن أغلب قاطني قرية "بني خالد" ترتدي نظارات لتصحيح النظر، نتيجة الإنبعاثات الناتجة من المصنع، منوهًا أن أهالي القرية مصابين بأمراض صدرية مزمنة، والعديد منهم أصيب بسرطان فمنهم من يعمل بالمصنع، والبعض الآخر يقيم بجوار المصنع.

وأشار "عمر"، لـ"الدستور" إلى أن عند إزالة الفلاتر المنقية للهواء، لم تستطيع القرية بأكملها أن تستنشق الهواء، وأصيبوا بأزمات صدرية، قائلا: "احنا باستمرار في المستشفى متصابين ومفيش حد بيهتم بينا"، متابعًا أن هناك مادة أكسيد الحديد الضارة تُخزن في المصنع.



أثبتت بعض الدراسات أن طحن ألفي طن من الكلنكر ينتج عنه من 40-50 طن أتربة علما بأن النسبة المسموح بها عالميا هي 15-25 ملغرام بالمتر المكعب، فإذا كان الغبار أقل من 10 ميكرون يكون خطره كبيراً لأنه قابل للإستنشاق بسهولة وإذا الغبار كان أقل من 3 ميكرون فإنه يتسبب بإضرار صحية بالغة للإنسان لإنه والحالة هذه يكون قادر على إختراق الدفاعات التنفسية للإنسان والحيوان.

كما أفادت الدراسات أن الأغبرة المنبعثة من المصانع تلحق أضرارًا بيئية كبيرة بالأرض والزرع وقيعان البحار وخصوصًا عندما تكون تلك المصانع بالقرب منها، حيث تتشكل طبقة رغوية شبه هلامية تضر بالثروة السمكية وتقضي على البيئة في تلك البحار.

في الوقت نفسه تقول المهندسة ولاء صلاح الباحثة بالشئون البيئية بمحافظة المنيا، إن الهيئة تقوم بالتفتيش على جميع المصانع والهيئات المنشئات المختلفة بشكل دوري وذلك خلال العام ضمن خطه تتبعها الهيئة في التفتيش الدوري والمستمر على المنشآت والهيئات الحكومية والخاصة.

وتابعت "صلاح" إن الهيئة تقوم بأخذ عينات مائية وهوائية من مدخنة المصانع المختلفة وذلك بفريق معاون من معمل التحليل بأسيوط وهو معمل معتمد ونتائجه دقيقة للغاية, إذا ثبت مخالفة ضد أي مصنع فإنه يتم عمل محضر وإتباع الإجراءات القانونية حيال هذا المصنع المخالف وعمل مذكرة عرض على السلطة المختصة بالقاهرة.

من أهم الأمراض التي تتسبب فيها صناعة الإسمنت للعاملين فيها بشكل خاص وعلى صحة الإنسان المجاور بشكل عام هي مرض السيليكوز والسعال وضيق التنفس والربو وإنتفاخ الرئة والتأثير على الأغشية المخاطية والتحرش بها والتأثيرعلى الجملة العصبية بشكل كبير.