رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخوف - الضعف - الحب


فى ضوء الأحداث المتزامنة والمتعاقبة التى مازلنا نعيش فى أجوائها وقد لاحظت الخوف فى عيون الملايين، ليس فى مصر وحدها، بل فى المنطقة التى نعيش فيها وما يجاورها، فالخوف الذى كنا نراه فى أعين أبنائنا الأطفال فى فلسطين،

وامتدادها إلى الأردن وجنوب لبنان والجولان فى سوريا رأيناه يمتد إلى تونس وليبيا والعراق وعلى أشده فى كل سوريا، ثم اقترب منا ليدخل إلى كل بيت فى مصر، رأيت فى ضوء هذه الأحداث والرعب والدموع فى أعين الصغار والكبار أن أكتب عن المشاعر الثلاث: الخوف والضعف والحب، مع ما يبدو من تقارب أو تضاد، لاسيما بين ما يهدد ويبدد، وكان المنطق يحتم أن يكون بديل الحب هو التعصب والكراهية والحقد والانتقام، فهى مشاعر طبيعية للإنسان الطبيعى، ولكننى اخترت الحب فى مواجهة كل هذه المواجهات، ولنبدأ الكتابة عن الخوف:

ويعرف الخوف بأنه إحساس غريزى يسببه تهديد متوقع يقابله سرعة انسحاب من الموقع أو الموقف للابتعاد أو الاختفاء بعيداً عن آثار الحدث المبرر للخوف، والابتعاد أو التجنب هنا هو عمل لا إرادى يحدث تلقائياً، أو ميكانيكياً بسبب تلك الأفعال، وعادة ما يصاحب هذا الشعور الألم، والشعور بالخوف هو المؤثر المدرك للخطر، والدافع لاتخاذ موقف تجاه الخطر.

وتختلف ردود الأفعال من شخص إلى آخر، فقد يسرع الشخص بالهروب من الخطر، أو بالمواجهة لمصدر الخطر، والمثل الأوروبى يقول حارب أو اهرب، وقد يكون الخوف بسبب حدث لا قدرة للفرد أو الجماعة على مواجهته لا حرباً ولا هرباً، ويطلقون على هذا النوع من الخوف أنه الفزع، أو الرعب، ومن شأن هذا الإحساس أن يصيب الخائفين بنوع من التجمد أو الشلل، حتى أن الخائف لا يقوى على الهروب أو المواجهة، والمؤثرات القوية هذه قد تحدث إثر الفرح، أو الحزن، أو الرعب، أو الفزع، أو الذعر، أو القلق، أو رد فعل الإجهاد الحاد، أو الغضب، ومع ذلك ينبغى التمييز بين الخوف وبين القلق العاطفى الذى يمكن حدوثه دون موثرات خارجية مهددة.

أما أسباب الخوف فيمكن تلخيصها فى الخوف من الموت، والخوف من المجهول، والخوف من البقاء، والخوف من عدم القدرة على التنبؤ، وسنمر عليها مروراً سريعاً، فعن الخوف من الموت، يقرر أطباء النفس أن المؤمنين هم أقل الناس عرضة له ليقينهم من مصيرهم الأبدى برحمة الله وغفرانه.

أما السبب الثانى للخوف فهو الخوف من المجهول، والمجهول قد يكون اللحظة الآتية التى يواجهها الإنسان، أو قد يكون الخوف من أمور متوقع حدوثها بعد سنوات أو بعد ساعات، وقد يسبب هذا النوع من الخوف الفشل الدراسى لكثيرين، كما يسبب لكثيرين أيضاً عادة التسويف والتأجيل فى اتخاذ قرارات مهمة أو مصيرية بسبب هذا النوع من الخوف، أما الخوف من البقاء، فسببه التغيرات العالمية السريعة والمتلاحقة التى أدت إلى أشد المخاوف من استمرارية المواجهة، فالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتعليمية كلها أدت إلى صعوبة المواجهة أو البقاء فى مواجهة نتائج هذه المتغيرات، وفى الإجمال قد تأثر الإنسان بهذه الأمور غير المحسوبة، أو غير الممكن توقعها أو حتى التنبؤ بحدوثها، مما أصاب الكثيرين بأنواع من القلق والأرق والاضطراب، والعديد من الأزمات النفسية.

ومهما قيل من أنواع الخوف وأسبابه فلا بد أن نذكر الأسباب التى تدعونا ألا نخاف، فمع اتفاقنا على أن المخاوف التى تترك آثارها العميقة على النفس والعقل والجسد، فهى مبررة وطبيعية، فالخوف من الطيران لا يمنعنا عن استخدامه، بل فى كل مرة نسافر فيها يعتربنا بعض الخوف، ولكن لا يعوقنا عن السفر والاستمتاع بالرحلة بعد اجتياز المطبات الهوائية، والرياح الشديدة، فالرغبة فى الأسفار ومشاهدة ما هو جديد تتغلب على الخوف من السفر، ونتحمل هذه المشاعر المؤقتة حتى لو استغرقت كل أو معظم ساعات الرحلة.

ومن أول أسباب عدم الخوف كينونة الإنسان أنه يوماً ستنتهى الحياة، فلا أبدية أو أزلية للخليقة كلها، فالكل له بداية وله نهاية، فلا مكان للخوف من الموت، إذ جعل لكل إنسان أن يولد ويعيش - طويلاً أو قصيراً - وحتماً سينتهى العمر، إذا فلا مبرر للخوف من الموت، أما السبب الثانى لعدم الخوف هو الحرية التى خلق الإنسان عليها، مع محدودية وقيود كل الخلائق، إلا أن الإنسان قد وضعه الله على قمة هذه الخليقة، وسلطه عليها، فأصبح الإنسان تاج الخليقة كلها، كما أراد الخالق أن يكون فليستمتع الإنسان بما وضعه له الخالق، ومهما قيل عن طبيعة الحياة ومتغيراتها ومقاومتها، فلا بد أن نؤكد أن الكون متغير، وهذا المبدأ تخضع له الخليقة كلها، فما علينا إلا أن نقبل القانون الطبيعى للكون، وهذا القانون هو التغيير الذى يلحق بكل الكائنات والخلائق، ولا مكان للثبات والدوام مهما قيل، إذ لا مناص من التغيير، بل وعلينا أن نقبله عن اختيار وافتخار وليس عن إكراه أو إجبار.

والسؤال: هل للخوف علاج؟، ولهذا السؤال نفرق بين الخوف المحمود والخوف المرضى، فالخوف المحمود هو مخافة الله، ولنا فى قصة يوسف الصديق خير مثال، فمع أنه كان شاباً شجاعاً وقوياً، لم تخيفه الأهوال وضيق الأحوال، بل كان متزناً فى كل تصرفاته، إلا أنه أمام الخطيئة خاف وهرب منها فى وقت كان كل «شىء ممهداً ومعروضاً وميسوراً للمعصية، إلا أنه واجه الموقف وكأنه ضعيف، حتى أنه ترك رداءه فى يد زوجة فوطيفار وفر هارباً.

وينصح علماء النفس بالمواجهة للمواقف علاجاً من الخوف منها، فإن كان الخوف من الظلام مثلاً جرب أن تقضى بعض الوقت فى الظلام، عملاً بالمقولة كلما ابتعدت عن مصدره زاد خوفك منه، ولكن للاقتراب من مصدر الخوف محاذير حتى لا تكون النتائج عكسية، وأهم المحاذير هو عدم اقتحام مصادر الخوف الضارة كالنار مثلاً، أو الاقتراب من مصادر خطرة، كأن يمد الإنسان يده إلى فم حيوان مفترس، أو كلب ضال، أو الاقترب من المرتفعات خطيرة، وبالتدريب والمران على التغلب على مصادر الخوف بالمواجهة المحسوبة والتدريب والتفكير الإيجابى، فالحياة مليئة بالجمال والفرح والتحدى، والاستمتاع بالحياة والاستمتاع بالجزء المملوء من الكأس بدلاً من الحسرة على الجزء الفارغ، ومع حسن اختيار الأصدقاء، والمشاركة معهم فى الأنشطة والرحلات وتطوير المهارات، وفوق الكل ضع ثقتك فى الله حتى تتبدد مخاوفك، وتهدأ نفسك لتواجه الحياة دون يأس أو فشل، وبذلك تنتقل من مراحل الخوف والضعف إلى متعة الحياة بقلب محب، وهذا ما سنتناوله فى المقال التالى حول الحب.