رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كاشف المستور».. الطب الشرعي الحكم العدل في الحوادث الإرهابية

DNA
DNA

كانت مهمة صعبة، مٌلقاه على عاتق أفراد الطب الشرعي، لاسيما أن الجثث هنا لم تكن مكتلمة، إنما أشلاء متفرقة وأعضاء جسدية لا صلة لها ببعضها، فيكف يمكن معرفة الجاني وجثته ضمن عشرات الجثث المتناثرة في ذلك الحادث الأليم.

جمع الطب الشرعي، الذي لم يكن أمامه سوى تلك الطريقة، جميع الأشلاء، وقام بمضاهاتها بتحاليل الـ"DNA"، الخاصة بأفراد العائلات المختلفة، حتى وصل إلى هوية الجاني الذي استهدف مبنى المعهد القومي للأورام، عبر سيارة مفخخة انفجرت بالقرب منه وراح ضحيته 23 قتيلًا و46 جريحًا.

توصل الطب الشرعي إلى أن المنفذ هو الإرهابي "عبدالرحمن خالد محمود عبدالرحمن"، المنتمي لجماعة "حسم" الإرهابية، ونجحت قوات الأمن بتصفية 15 من أعضائها. لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها دور الطب الشرعي في كشف الألغاز الخاصة بجرائم الإرهاب وتستعرض "الدستور" ذلك.

الدكتور أيمن فوده، رئيس الأطباء الشرعيين الأسبق، أكد أن جميع حوادث ضبط الإرهابيين يتم استخدام الطب الشرعي للكشف عنهم، وذلك مثل ما حدث من قبل في التسعينيات من الكشف عن مرتكبي تفجيرات دهب الشهيرة، وفندق أوروبا وغيرها من التفجيرات مشددًا على أنه لا يمكن الاستغناء عن دور الطب الشرعي في تحديد هوية الإرهابيين ومرتكبي الجرائم.

وعن كيفية عمل الطبيب الشرعي بالحوادث الخاصة بالإرهاب، يقول أنه الطبيب يعمل أولًا على فحص موقع الانفجار محددًا أقرب نقطة له، والتي ينشأ داخلها حفرة بسبب قوة هذا الإنفجار، يتراتب عنها وجود آثار تحطم السيارة على سبيل المثال.

يستكمل أنه من خلال هذه القياسات يستطيع الطبيب الشرعي أن يحدد وزن العبوة المتفجرة، وقوة الانفجار، والتعرف كذلك على المادة المستخدمة به من خلال الكشف عنها بجدول المتفجرات، ومن ثم معرفة ما إذا كانت محلية الصنع أم لا، وذلك من خلال جهاز يدعى "جي سي ماس".

يبدأ الكشف بعد ذلك عن هوية الجثث، يقولها فودة، موضحًا أن العملية تنقسم إلى ثلاث أنواع النوع الأول غير مفقود المعالم، وهوسهل التعرف عليه من خلال الصور الفوتوغرافية، والإبلاغ عنه للتعرف عليه من خلال الأقارب والمحيطين.

وأضاف: "وهناك نوعًا أقل في وضوح المعالم، وبه يتم الاستدلال على هوية الجثة، من خلال بعض آثارها مثل الأحذية وماركات الملابس والحلي، وخلافه وهذه جميعًا معالم، يمكن من خلالها توضيح المستوى الإجتماعي والكشف عن جنسها، وكذلك العديد من التفاصيل المتعلقة بالجثث والحادث".

تابع: "أما النوع الثالث فهو فاقد المعالم بشكل كامل، وهو بالغالب يخص الأفراد الأكثر قربًا من الانفجار، وكذلك منفذي العملية الانتحارية، فمن أجل تحديد هوية هذه الجثث من خلال جمع الأشلاء للتعرف على نوع الشخص (ذكر أو أنثى)، وتحديد الطول، من خلال عظمة الفخذ أو العضد التي تصل الكتف بالمرفق، ثم يتم وضع احتمالات لشكل الرأس وأبعادها، بحيث تتناسب مع طول صاحبها والخطوة التالية تجميع عظام الجمجمة وتركيبها معًا، وقياس الأبعاد، بحيث تتناسب مع الطول".

وفي حادث انفجار جرار القطار بمحطة القاهرة الرئيسية، الذي أودى بحياة 22 مواطنًا، فبعد جمع الأدلة الجنائية وتحليلها تحليلًا دقيقًا، أثبت الطب الشرعي أن الجاني بهذه المرة هو الإهمال، وليس للحادث أي علاقة بالأعمال الإرهابية نظرًا لعدم وجود أيًا من آثار لمواد متفجرة بجثث الضحايا.

شيرين محفوظ، المحامية الجنائية، تقول أن الطب الشرعي هو حلقة الوصل بين الطب والقانون، من أجل تحقيق العدالة بكشف الحقائق مصحوبة بالأدلة الشرعية، مشيرة إلى أن الطبيب الشرعي لا يعمل بشكل منفصل، وإنما يعمل وسط مجموعة تضم فريقا مهمته فحص مكان الجريمة، وفريقا آخر لفحص البصمات، وضباط المباحث وغيرهم، وفي القضايا الأخلاقية يقوم الطبيب الشرعي بالكشف الظاهري، وكذلك يبدي الطب الشرعي رأيه في قضايا الوفاة الناتجة عن الأخطاء الطبية.

وتوضح أن الطب الشرعي يستخدم في حالات الكشف عن الاغتصاب، وهو ماحدث بالواقعة الشهيرة عن اشتراك أب وفتاة في قتل خطيبها، والتي سميت إعلاميًا "فتاة الرحاب" تلك الواقعة الشهيرة ادعت الفتاة أثتاء التحقيقات أنها مارست الجنس مع خطيبها عدة مرات، ثم عايرها بفضح أمرها ما دفعها للاشتراك بقتله، وهو ما أثبت الطب الشرعي عدم صدقه مؤكدًا عذرية الفتاة، الأمرالذي من شأنه له بالغ الآثر في إصدار المحكمة حكمها على المتهمين.

ومصلحة الطب الشرعي كما يقول رئيس الاطباء الشرعيين الأسبق الدكتور أيمن فودة، تعمل على شراء أحدث الأجهزة والتي يصل أسعار الجهاز منها على عدة ملايين الجنيهات، وذلك من أجل تطوير المنظومة في سبيل الوصول لأدق النتائج بتحليل الأدلة الجنائية، كما تعمل المصلحة على إرسال الأطباء الشرعيين ببعثات للخارج للوقوف على أحدث ما توصل إليه العلم في عالم الطب الشرعي وتحليل الأدلة.

وحصلت مصلحة الطب الشرعي، على شهادة الاعتماد الدولي «الآيزو» في مجال تحليل البصمة الوراثية وفقاً لمتطلبات المواصفة الدولية، وذلك في إطار خطط وزارة العدل لتطوير وتحديث الجهات المعاونة وكفالة الإمكانيات التي ترفع من مستوى أدائها، لاسيما تلك المرتبطة بترسيخ ثقة المواطنين في المنظومة القضائية.