رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دخان قاتل».. مكامير الفحم تخنق 3 مليون مواطن سنويًا

مكامير الفحم
مكامير الفحم

في مركز بالباجور بمحافظة المنوفية، تظهر كتل سوداء تتصاعد منها أدخنة من أشجار وأخشاب محترقة، جرى رصها بطريقة منظمة على جانبي الطريق، الذي يسكنه ألاف من المواطنين بقرية كفر الدوار، والتي تعود عليها الأهالي، رغم خطورة تلك الأدخنة التي تتسبب في إهدار حالتهم الصحية تدريجيًا.

قبل أيام ليست ببعيدة، استغاث المواطنون ذلك المركز، من الأدخنة التي تتصاعد وتلتقطها أنفاسهم، من مكامير فحم مجاورة لهم، والتي تُسبب إصابات عديدة منها حساسية مفرطة وتتضايق في النفس.

"الدستور" سلطت الضوء على مكامير الفحم الموجودة في عدد من محافظات مصر، والتي تُعتبر وسيلة للموت البطيء كما يصفها الكثير من الضحايا الذين يُعانون من وجودها بجوار مناطقهم السكنية، ولكون هذه الأدخنة تحتوي على ميكروبات سامة لا يجب دخولها جسم الإنسان.

من جانب تلك الكتل السوداء، يستغيث مئات المواطنين باللواء سعيد عباس محافظ المنوفية، من أدخنة مكامير الفحم بالقرية، مؤكدين أنهم وجهوا العديد من النداءات إلى المسئولين دون أدنى استجابة، فقط الرجوع للخلف وتغذيتُهم على تلك السموم الوبائية.

يقول مرسي عبدالله، أحد الضحايا، أنَّ مكامير الفحم تسبب أضرارًا صحية وبيئية جسيمة، والأدخنة المنبعثة منها تلتقطها أنفاسهم، بسبب تقطيع الخشب، ثم رصه داخل المكمورة، ثم يتم إشعال الفرن لمدة أسبوع قبل أن تأتي السيارات لنقل الفحم إلى المصانع والمقاهي، حسبما يؤكد.

يتابع عبدالله، أنَّ أجسامهم كادت أن تنتهي من شدة الأبخرة السامة التي تحيط بيهم من كل جانب ولا يستطيعون الفرَّ منها، مضيفَا أن أطفالهم يُعانون من هذه الاختناقات المتكررة وتلوث الهواء الناتج من الطبيعة: "إحنا وولادنا بنموت كل يوم من الأدخنة دي وبنعاني بقالنا سنين مع المسؤولين، والأخر بنصبر ونشيل الهم احنا وعيالنا تمرض واحنا غلابه مش معانا فلوس نروح نكشف على العيال كل يوم".

في عام 2018 صدرت إحصائية لجهاز شؤون البيئة، اعتمدت على حصر من وزارة التنمية المحلية، قالت أنَّ المكامير التي جرى حصرها تصل إلى نحو 1600 مكمورة موزعة على محافظات مصر المختلفة، وتذهب التقديرات إلى أن العدد الفعلي للمكامير على مستوى الجمهورية يتخطى الـ5000 مكمورة، ويتركز معظمها في محافظات الدلتا، وفي مقدمتها القليوبية والغربية والمنوفية والشرقية".

كامل عبد المعبود، 51 عام - من محافظة الغربية -، أُصيب بحساسية على الصدر منذُ ثلاث سنوات دون شفاء منها، وبالرغم أنّه يتابع مع الأطباء ويتناول العديد من الأدوية، إلا أنَّه مازال يتألم حتى الأن، لكونه أصبح يعاني من الحساسية؛ فهو لا يستطيع النوم ليلاً من كثرة الـ"بلغم" الذي يستنزفه جسمه على فراش النوم، حسبما يصف.

يضيف عبد المعبود: "المخاطر السابقة لم تكن أكثر من ناقوس خطر لمشهد يزداد قتامةً عندما يتحول التعامل مع الفحم في مصر إلى روتين عمل يومي لا ينقطع، سواء بالنسبة للعاملين داخل المكامير أو بالنسبة للدوائر السكنية المحيطة بها، فقد أصبح هذا العمل يؤلمنا كثيرًا ويجعل الموت أقرب لنا في صمت،" انقذونا من الأمراض والموت البطيء".

تُفيد تقارير منظمة الصحة العالمية الصادرة أوائل مايو 2018 من التحذيرات من تلك المخاطر؛ إذ يضع أحدث تقاريرها الفحم ضمن مسبِّبات التلوث داخل المنزل، مشيرًا إلى وجود نحو ثلاثة مليارات نسمة ممّن يحرقون الكتلة البيولوجية، وأنًّ التعرُّض للهواء الملوث داخل المنزل ينجم عنه 3.8 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويًّا.

وتشير التقارير إلى أن نسبة 17% تقريبًا من الوفيات الناجمة سنويًّا عن سرطان الرئة بين صفوف البالغين في مرحلة مبكرة، ترجع إلى التعرُّض لمواد مسرطنة موجودة في الهواء الملوّث داخل المنزل بسبب الطهي باستخدام أنواع الوقود الصلب.

المهندس محمد صلاح، الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة، يقول أنَّ زيادة أعداد مكامير الفحم، ترجع لعدم ضم العديد منها تحت منظومة الاقتصاد الرسمي للدولة، فضلًا عن أنَّ البعض يعمل دون ترخيص وبالمخالفة لنص القانون 4 لسنة 1994بشأن حماية البيئة، والتي تسبب تأثيرات على الصحة العالمية والبيئة.

يضيف رئيس جهاز شؤون البيئة، أن أكاسيد الكبريت التي تنبعث من المكامير تضر بالحياة النباتية والحيوانية، وتتسبب في ظاهرة التحمض التي تؤدي إلى تآكل المعادن والأحجار، أما غاز ثاني أكسيد الكربون فهو المسؤول عن الاحتباس الحراري، كما أن نشاط المكامير ينتج عنه القطران والدخان الأسود، مما يؤثر سلبًا على الكائنات الحية والهواء والمجاري المائية الملاصقة لتلك المكامير، أيضًا إزمات صحية للمجاورين لهذه المكامير السوداء.

أعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، يناير الماضي من عام ٢٠١٩، تطوير آلية تمويلية عبر بروتوكول تعاون بين الوزارة، ووزارة التنمية المحلية، وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بإتاحة قروض ميسرة لمساعدة أصحاب المكامير فى أعمال التطوير وإنشاء مكامير متطورة «صديقة للبيئة»، لافتة إلى تقديم التمويل لـ16 مستثمراً بإجمالى 549 ألف جنيه.