رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لينا مظلوم تكتب: تركيا القادمة.. اضحك الصورة تطلع «أتاتوركية»

جريدة الدستور

«يُعيد التاريخ نفسه لأن الحمقى لم يفهموه جيدًا».. مقولة السياسى المخضرم تشرتشل- أبرز رؤساء وزراء بريطانيا- تلخص صعود وسقوط رئيس تركيا «أردوغان». فى بداية حكمه استطاع تحقيق شعبية نتيجة خطوات ناجحة فى المسار الاقتصادى.. ثم سرعان ما تحولت الإنجازات إلى سلسلة من الفشل الذريع نتيجة القمع والديكتاتورية، ثم بلغ به اللعب بالنار حين طال أهم مؤسسة وطنية اعتبرت مثار فخر تركيا عبر التاريخ.. الجيش.
عجز أردوغان عن فهم أن صبر الشعب على ديكتاتورية وصل جنونها أقصى مدى الأربع سنوات الماضية، لا يعنى رضوخهم لإلغاء موروث تاريخى أصبح جزءًا من النسيج الوطنى التركى، رسخ ثوابته زعيم منحه الشعب لقب «أبوالأتراك»، هو مصطفى كمال أتاتورك. وعى الشارع بدأ يستشعر بالتداعيات السلبية نتيجة تغريبه عن مبادئ رمز وطنى يُعتبر مؤسس تركيا الحديثة على يد حاكم يعيد استنساخ النمط العثمانى فى البذخ والحكم الفاشى باسم الدين.. الكارثة الأدهى، الإذلال البالغ الذى عرض له أردوغان الجيش أمام كاميرات العالم بعدما ظل طوال تاريخه أمينًا فى الحفاظ على مبادئ أتاتورك التى تجذرت فى نسيج الأجيال المتوالية.
تجرد أردوغان من آخر ورقة توت «الاقتصاد»، بعدما أوقع بلده فى معاناة ارتفاع معدل التضخم، تراجع حاد لقيمة العملة، ارتفاع نسبة البطالة. على الصعيد الخارجى، صورت عجرفة أردوغان له وهم اقتناص دور أكبر من حجمه الواقعى، هو إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التى هى أسوأ الإمبراطوريات عبر التاريخ.. حيث أدار مصير بلده بمنطق مائدة «بوكر» تحسم مكاسبها وخسائرها مهارة المقامرة.. جعل من إسطنبول مركزًا لتوزيع بذاءات على الدول المختلفة لا تليق بزعيم عصابة، فما بالك برئيس دولة! الأدهى أن هذه السقطات كانت تستهدف الداخل التركى أكثر من الخارج، ظنًا منه أنها ستكون ورقة رابحة فى انتخابات شهدت نهاية ربع قرن من تركيا أردوغان، بالإضافة إلى الدلائل الموثقة على وقائع فساد طالت أعضاء حزب العدالة والتنمية- تحديدًا فى إسطنبول- بما فى ذلك أردوغان وأفراد أسرته.
عدم استيعاب أردوغان دروس التاريخ، دفعه إلى فتح جبهات صدام وتوتر مع غالبية الأطراف الدولية والإقليمية ما عدا قطر، تعليقه مؤخرًا على تقرير أغنيس كالامار، مقررة الأمم المتحدة عن قضية مقتل جمال خاشقجى- التقرير الذى فندته السعودية رسميًا- خلق توترًا مع السعودية. التصريحات العدائية أيضًا بدأت مع الحليف الأمريكى التقليدى على إثر صفقة الصواريخ الروسية، ثم الخلاف حول الملف الكردى، أخيرًا حين رصدت أمريكا التلاعب التركى بالحظر الأمريكى فى ملف العقوبات ضد إيران، خصوصًا أن التصعيد الأمريكى الجديد، سيرشح هذا الملف للتصعيد كونه لن يبقى فى إطار التلاعب فقط.. بل سيصبح موضع خلاف علنى واضح. روسيا بدورها تلتزم باستراتيجية واضحة لا تقبل المساومات، تتقاطع مع المشروع السياسى لأردوغان مستندًا إلى الإسلام السياسى تحديدًا تنظيم الإخوان. صفقات السلاح واللقاءات المشتركة لا تجعل روسيا رهانًا مضمونًا.. بالنسبة للرئيس الروسى بوتين، نظيره التركى قد يكون مفيدًا فقط داخل إطار محاولات إزعاج الغرب. بيانات الإدانة من الاتحاد الأوروبى ضد تركيا تنذر بتحولها لعقوبات اقتصادية مع استمرار تحدى أردوغان الإنذارات حول السطو على ثروات قبرص من الغاز الطبيعى، مع تصاعد الخلاف بين الخارجية التركية ومجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى.
سيناريوهات تركيا القادمة بعد خسارة أردوغان إسطنبول، أو «الجوهرة» التى تمنح رئيس بلديتها موارد ضخمة وأهم منصة سياسية، كما كانت بمثابة الوقود الذى تعتمد عليه قوة حزب «العدالة والتنمية»، تتمثل فى احتمال دعوة أردوغان إلى انتخابات مبكرة لإقصاء العناصر المشاكسة من حكومته بعدما ضربت الانقسامات الحزب.. تكثيف محاولات اعتراض ولاية أكرم إمام أوغلو بكل الوسائل سواء قطع التمويل أو إعاقة قدرة مكتبه على تقديم الخدمات، ثم الإطاحة به تحت أى ذريعة بالتحايل على القانون. نتائج انتخابات مبكرة من المنتظر ألا تكون لصالح أردوغان بعدما فتحت سياساته جبهات الأزمات على الصعيدين الداخلى والخارجى، وهو ما سيزيد من صعوبة تحقيق أى حلول سريعة لهذه الأزمات من شأنها تحسين صورته محليًا ودوليًا، واستعادة شعبيته المفقودة.. خصوصًا أن أهم مصادر قلق حزب «العدالة والتنمية» وأردوغان لا تقتصر فقط على الاقتصاد التركى المتردى، بل هناك التوافق السياسى الوثيق بين حزب الشعب الجمهورى القومى الذى أسسه منذ حوالى قرن أتاتورك، لينجح مرشحه إمام أوغلو فى استعادة صدارته للمشهد السياسى، وبين حزب الشعب الديمقراطى المؤيد لحقوق الأكراد، ما يشكل جبهة سياسية موازية لتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية المتطرف. الأمر المؤكد أن ملامح تركيا القادمة ستجعل سقف التوقعات يرتفع حول من يخلف أردوغان حال الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة.