رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشاعر: أبوالقاسم الشابى

جريدة الدستور


أيْها الشعبُ! ليتنى كنتُ حطَّابًا
فأهوى على الجذوعِ بفأسى!
ليتَنى كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سالَتْ
تهدُّ القبورَ: رمْسًا برمٍسِ!
ليتَنى كنتُ كالريّاح، فأطوى
ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتنى كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّى
كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسى!
ليتَ لى قوَّةََ العواصفِ، يا شعبى
فأُلقى إليكَ ثَوْرة َ نفسى!
ليت لى قوةَ الأعاصيرِ! إن ضجَّتْ
فأدعوكَ للحياةِ بنبسى!
ليت لى قوةَ الأعاصيرِ..! لكْ
أنتَ حىٌّ، يقضى الحياة برمسِ..!
أنتَ روحٌ غَبِيَّةٌ، تكره النّور،
وتقضى الدهور فى ليل مَلْس..
أنتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ
حواليكَ دون مسّ وجسِ..
فى صباح الحياةِ صَمَّخْتُ أكوابى
وأترعتُها بخمرةِ نفسى..
ثُمَّ قدَمْتُها إليكَ، فأهرقْتَ
رحيقى، ودُستَ يا شعبُ كأسى!
فتألَّمت..، ثًمَّ أسكتُّ آلامى،
وكفكفتُ من شعورى وحسّى
ثُم نَضَّدْتُ من أزاهيرِ قلبى
باقةً، لمْ يَمَسَّها أىُّ إِنْسِى..
ثم قدّمْتُها إليكَ، فَمزَّقْتَ
ورودى، ودُستَها أىَّ دوسِ
ثم ألبَسْتَنى مِنَ الحُزْنِ ثوبًا
وبشوْك الجِبال توَّجتَ رأسى
إننى ذاهبٌ إلى الغابِ، يا شَعْبى
لأقضى الحياةَ، وحدى، بيأسى
إننى ذاهبٌ إلى الغابِ، علَّى
فى صميم الغابات أدفنُ بؤسى
ثُمَّ أنْسَاكَ ما استطعتُ، فما أنت
بأهْلِ لخمرتى ولكَأسى
سوف أتلو على الطُّيور أناشيدى،
وأُفضى لها بأشواق نَفْسى
فَهْى تدرى معنى الحياة، وتدرى
أنّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَةُ حِسِّ
ثم أقْضى هناك، فى ظلمة الليل،
وأُلقى إلى الوجود بيأسى
ثم تَحْتَ الصَّنَوْبَر، النَّاضر، الحلو،
تَخُطُّ السُّيولُ حُفرةَ رمسى
وتظَلُّ الطيورُ تلغو على قبْرِى
ويشدو النَّسيمُ فوقى بهمس
وتظَلُّ الفصولُ تمْشى حوالىَّ،
كما كُنَّ فى غَضارَة أمْسى
أيّها الشّعبُ! أنتَ طفلٌ صغيرٌ،
لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ..!
أنتَ فى الكَوْنِ قوَّةٌ، لم تَنسْسها
فكرةٌ، عبقريَّةٌ، ذاتُ بأسِ
أنتَ فى الكَوْنِ قوةٌ، كبَّلتْها
ظُلُمَاتُ العُصور، مِنْ أمس أمسِ..
والشقىُّ الشقىُّ من كان مثلى
فى حَسَاسِيَّتى، ورقَّة نفسى
مقطع من قصيدة
«النبى المجهول»