رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراع الإخوان المصيرى


نظر معتقلو الإخوان إلى الاضطهاد الحكومى للجماعة على أنه واقع مر. فعلاوة على فقد المعتقلين الثقة فى قيادة التنظيم وأحكام المحكمة، فإنهم كذلك قد تساءلوا عن دورهم فى هذه الكارثة. فكأن صمتهم هذا كان دليلاً على انكفائهم على أنفسهم لتقييم الذات.

وبعد قرابة العامين من بروز «الإخوان» ومتفرعاتهم فى مصر وتونس والمغرب واليمن وليبيا والأردن وسوريا، ليس من الممكن إصدار حكم على التجربة مع «الإخوان» «من جانب الأمريكيين بالطبع!» باستثناء مصر، لأنهم انفردوا بالسيطرة فيها دونما عقبات جدية تقريباً، وبمساعدات أمريكية وعربية قوية وظاهرة، وعدم الملاحظة عليهم أو إعاقتهم حتى عندما اندفعوا باتجاه إيران وروسيا، ورفضوا سياسات الجامعة العربية تجاه الأزمة والحرب فى سوريا!.. بل إن الأمريكيين نصحوهم وحاولوا مساعدتهم مرارا فى أمرين مهمين: طرائق التعامل مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وطرائق التعامل مع المعارضة الداخلية. فقد نصحهم جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، قبل أشهر بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة محمد البرادعى أو عمرو موسى. وذكر أمامى أحد «الإخوان» الذين كانوا يؤيدون وجهة نظر كيرى أن مكتب الإرشاد عارض ذلك بنصيحة عربية وأخرى تركية. لكن أحمد داود أوغلو نفى ذلك بشدة، وقال إن أردوغان نصحهم بعدم شيطنة الخصوم، والدخول فى العقائديات، شأن ما فعله سلفه نجم الدين أربكان، وأدى إلى اصطدامه بالعسكر!

إن ما قامت به القوات المسلحة ليس انقلابا على الشرعية السياسية وإنما إجراءً شرعياً لإنقاذ البلاد والمنطقة من كارثة تاريخية تشابه مخطط الغرب بتقسيم الشرق الأوسط 1916 بما عرف بسايكس بيكو، لقد كنا على مشارف تجربة ألمانيا على يد النازى والتى بدأت بانتخابات ديمقراطية وانتهت بهلاك أكثر من ستة ملايين شخص عبر جميع أنحاء العالم حتى قرر الألمان والمجتمع الدولى حظر الفكر النازى العنصرى..إننا فى مصر لا نمارس صراعاً سياسياً فقط مع الإخوان وإنما نخوض صراعاً مصيرياً من أجل إنقاذ هويتنا وأراضينا وانتمائنا الوطنى..كل الشواهد والأدلة على الأرض أكدت ضلوع الإخوان فى مسلسل مشروع شرذمة الشرق الأوسط الجديد من وجهة نظر الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، صحيح أن الإسلاميين نجحوا فى الانتخابات. ولكن الصحيح أيضا أنهم سقطوا فى الامتحانات، على نحو يجعل ترديد أسطوانة «الشرعية الانتخابية» مجرد تمرين فى العدم. إن كان هناك من ناقض للشرعية ومن معطل لسنّة التداول الديمقراطى على السلطة، فهم الإسلاميون أنفسهم. إذ إن لديهم ماركة مسجلة: ينتصرون بالانتخاب ثم يسارعون لإنتاج الشروط الموضوعية وأولها الحالة الشعبية المحتمة للانقلاب. كل ذلك مرده فكرة الهيمنة لدى جماعة الإخوان كتنظيم قوى متماسك قادر على إدارة حكم البلاد منفرداً، دون حاجته لأحد، ولفكرة تكفير الآخر التى تلازم الجماعة. على الإخوان مراجعة حساباتهم وطرق تعاملهم مع الآخر وسبل عيشهم وانتشارهم بين الناس، كما عليهم احترام عقول الآخرين وعدم اللعب بالدين والقدسية الإلهية، وإعادة ترتيب صفوفهم للسباق الانتخابى القادم، والذى يجب أن يتم فى إطار من المناقشة بمحبة وقبول وإلغاء فكرة الرفض من منهجهم. إن عزل الجيش لمرسى جاء نتيجة لاستفتاء شعبى واسع وكبير وغير مسبوق، من خلال الملايين التى طافت فى الشوارع والميادين، وفكرة الشرعية هى ملك للشعب وللشعب ولا يجب أن تستخدم ضده، فالأصل فى الديمقراطية هى رضى الشعب لا إرغامه وإلا بماذا اختلفت الديمقراطية عن الاستبداد والدكتاتورية. وإذا سلمنا بأن عزل مرسى انقلاب، فإن الجماعة هى من بدأت بالانقلاب على الشعب عندما سرقت الثورة بعدما لحقت بها متأخرة، وهى التى خطفت الحكم لها وحدها ولم تشرك به الثوار ولا القوى السياسية ولا الشعب، وهى التى جعلت من أصدقاء الأمس أعداء اليوم.

هذا مرشدهم الأسبق قال طز فى مصر وجاء مرسى ليمنح السودان وعوداً شفهية بترك حلايب وشلاتين وكانت حادثة قتل جنودنا فى رفح نموذج عملى للاستهانة بالدم المصرى لصالح مخطط دنىء حتى تواترت أنباء جاءت عن اتفاق بالتخلى عن جزء كبير من سيناء للغزاويين برعاية حماس.. نعم فقد انتهى زمن الانقلابات العسكرية ونحن فى مصر أكبر من أن نقع فى تلك الهنة التى لا تتم إلا فى مجتمعات متخلفة ولكننا لا يمكن أن نتخاذل لمجرد الإلحاح من الخارج على أن ما حدث انقلاباً لأننا كنا ندافع عن مصيرنا وهويتنا وأرضنا..إننا ندعو كل الأحرار والمخلصين لبلادنا ألا يتحفظوا أبدا على تلبية القوات المسلحة لنداء الشعب فى الوقت الذى ألقت فيه الإطاحة المدعومة من الجيش، بالرئيس المصرى محمد مرسى، بظلال من الشك على المستقبل السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، تواجه الجماعة أزمة أكثر عمقاً على الصعيد الداخلى، وذلك بحسب محللين.

وبعد أقل من عامين، من تسجيل جماعة الإخوان المسلمين سلسلة من الانتصارات الانتخابية، اهتزت الجماعة بشدة، لقيام الجيش بالإطاحة بمرسى وهى الخطوة التى لاقت ابتهاجا ساحقا فى الشارع المصرى. وأن يدافعوا عن رغبة الغالبية العظمى من الشعب لإنقاذ المنطقة من هلاك محقق تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، آثار وبصمات دول المنطقة ظاهرة فى الصراع المصرى - المصرى، مساعدات سعودية وإماراتية وكويتية عاجلة للنظام المصرى الجديد. تنديد من أردوغان التركى، وسرادق عزاء فى قطر لخسارة الإخوان، وغيظ فى إيران. وهلع عند حماس غزة ونهضة تونس. أما وراء حدود المنطقة فتبدو واشنطن فى حالة استنفار وارتباك، كما اختلفت مؤسساتها فى التعامل مع البحرين وسوريا من قبل. فقيادات الكونجرس رحبت بإقصاء مرسى، واعتبرته فاشيا وإن فاز عبر الصناديق، أما الرئيس باراك أوباما فقد هنأ المسلمين بدخول شهر رمضان وأطلق نصائح تميل نحو الإخوان، وبدأ إجراءات عقابية مثل وقف المعونة العسكرية للجيش المصرى. للإخوان المسلمين تاريخ حافل بالأحداث والصراعات، ولنبدأ بالنشأة، حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد المرشد الأول المؤسس حسن البنا، وكان الهدف المعلن من تشكيلها نشر التعاليم الدينية والتمسك بها وتفقيه العباد، وكان واضحاً من أهداف النشأة المعلنة الغيرة على الدين الإسلامى الذى كان يواجه قصوراً آنذاك حسب رؤية الإخوان. وخلال بضع سنوات ومنذ عام 1938 باتت الجماعة تتدخل فى كل شاردة وواردة فى الحياة اليومية العامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر، بل لفظت الدستور وأوضحت أن الدستور الواجب اتباعه هو القرآن.

■ أستاذ القانون العام -جامعة القاهرة طنطا