رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصوم.. عبادة لله ومحبة للإنسانية!!


تهنئة قلبية أتوجه بها إلى أحبائنا المسلمين شركاء الوطن بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم راجياً لبلادنا الحبيبة مصر مزيداً من الرفاهية والرجاء والتقدم، لغوياً يعرف «المعجم الوجيز» الصوم بأنه الإمساك والكف عن الشىء ويعرف قاموس «المصباح المنير»

الصائم بأنه كل ممسك عن الطعام أو الكلام أو السير، والصوم موجود فى كل الأديان بل وحتى قبل الأديان فلقد عرفه الإنسان ومارسه منذ فجر البشرية، فأقدم الوثائق التاريخية وما نقش فى معابد الفراعنة وما كتب فى أوراق البردى جميعها تؤكد أن المصريين القدماء مارسوا الصوم خاصة أيام الفتن حسب ما أملته عليهم شعائرهم الدينية آنذاك، كذلك فإن للهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة فى الصوم حددتها لهم كتبهم المقدسة، ومما لاشك فيه أن للصوم منافع عديدة أجمع عليها العلماء والأطباء منها المنافع الصحية والشخصية والعائلية والاجتماعية والعقلانية، فمن حيث الصحة يفيد الصيام فى تنظيف المعدة والشفاء من أمراض الجهاز الهضمى، ومن الناحية الشخصية يفيد الصيام فى التخلص من العادات السيئة والضارة، ومن الناحية العائلية يفيد الصيام فى جمع العائلة عند الإفطار وتقوية المحبة بين أفراد الأسرة، ومن الناحية الاجتماعية يفيد الصيام فى تقوية الروابط الاجتماعية بين الأقرباء والأحباء والأصدقاء، وزيادة أواصر المحبة بين الجميع، ومن الناحية العقلية فيفيد الصيام فى زيادة القدرة على التفكير والتركيز لأنه يزيد من كمية الدم المتوفر للعقل، ولكن على الرغم من كل منافع الصوم هل يجب على الإنسان أن يصوم طمعا فى هذه المنافع أم أن للصوم غرض آخر هو غرض روحى هو أن يرتفع الصائم عن مستوى الجسد ليسمو بالروح ويترفع عن الأرضيات ليرقى إلى السمائيات؟! وهل يقبل الله سبحانه وتعالى كل صوم يصومه الإنسان؟ فى حقيقة الأمر توجد أصوام لبعض الناس- فى كل دين- ليس لله أى نصيب فيها!! فالناس يصومون لأجل أغراض شتى فهناك من يصومون بغية أن يشعروا بالفقراء وما يعانونه من الجوع والحرمان، ولكن أليس الفقراء أيضا يصومون وهم ليسوا فى حاجة لأن يشعروا بأنفسهم؟! وهناك من يصومون بغية مسايرة الأغلبية فى صومها، وهناك من يصومون ليحصلوا على مدح الناس، وهناك من ينتهزون فرصة الصوم للتخسيس وعمل الريجيم! وهناك من يصومون عن خجل واضطرار، وهناك من يصومون بغرض التباهى والافتخار، وهناك من يصومون ويمتنعون عن الأطعمة ولكنهم فى ذات الوقت يمتعون أنفسهم بشهوات أخرى لا يقوون على الامتناع عنها! فهل يمكن أن يقبل الله سبحانه وتعالى مثل هذا الصوم؟! من الخطأ الفادح أن يظن الصائم أن الهدف من الصوم هو فقط الامتناع عن الطعام والشراب لفترة من الزمن دون أن يصوم قلبه عن ارتكاب المعاصى والمآثم، فما أكثر الذين يصومون أجسادهم عن الطعام ولكنهم يعيشون بألسنة وقلوب وأيد وعيون غير صائمة!! إن الصوم لا يتوقف عند حد الامتناع عن الأكل والشرب, ولكن للصوم معنى أعمق من ذلك، إن جوهر الصوم هو أن نجوع ليس إلى الطعام ولكن إلى الله، وأن نشعر بأننا فقراء إليه وأن نؤمن بأن الحاجة إلى واحد إلى هذا الإله الواحد الذى يغذينا بنعمته فنفهم أننا به نلنا كل شىء، إن الصوم ليس سوى ترويض النفس والقلب والعقل على أن الله هو المهيمن على الدنيا والتاريخ وهو كل الحياة، فالله سبحانه وتعالى إله قدوس يكره الخطيئة كما أنه يبغض الإثم والاعتكاف، لذا فهو يريد القلب النقى أكثر مما يريد الجسد الجائع والمعدة الخاوية !! إن الصوم الذى يقبله الله هو صوم القلب عن النيات الشريرة والدوافع غير النقية وهو صوم الشفاه عن التكلم بالكذب والتفوه بالأباطيل والخداع والغش والنفاق، وهو صوم العين عن النظرات الشريرة الشهوانية، وهو صوم الأرجل عن الجريان إلى السوء وإيذاء الآخرين,، وهو صوم الأيدى عن العنف وسفك الدماء البريئة, وكذلك صومها عن أخذ الرشوة والسرقة ونهب المال العام!! إن منع الجسد عن الطعام لابد أن يمتد ليكون منعا عاما عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى، لأن الذى يكف عن الطعام والشراب ولكنه لا يكف نفسه عن الغيبة والزور ولا يحفظ جوارحه عن الآثام، أو يصوم ويفطر على لحوم الناس بالغيبة هذا الإنسان لا يجنى من صيامه إلا الجوع والعطش!! إن جوهر الصيام هو تقوى الله وانطلاق الروح من مطالب الجسد لكى يسمو الجسد معها متجهين معا فى اتجاه واحد هو محبة الله والتمتع بعشرته، ويوم الصوم الذى لا يفكر فيه المرء فى الله سبحانه وتعالى وفى تقواه ينبغى أن يشطب من أيام الصوم!! يارب ونحن صائمون هبنا أن نتوب عن خطايانا وآثامنا وأعطنا أن نصوم القلب مع المعدة فتتنقى اتجاهاتنا ودوافعنا، واجعل هدفنا الرئيسى والأوحد هو مخافتك وتقواك وأعطنا أن نتخلى عن أنانيتنا فنمتنع بحريتنا عن الطعام حتى نؤازر الممتنع عنه غصبا، وأعطنا ياربنا فى صومنا أن نطعم الجائع ونؤوى المسكين ونكسو العريان ونحرر الأسير ونهدى الضال ونساند الضعيف ونقف بجوار المظلوم والمهزوم، وساعدنا لكى ننزع من قلوبنا الكراهية والضغينة ونزرع محلها بذور الحب والتسامح وبهذا نحن نثق أنك ستقبل صومنا ..... آمين.

■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف - شبرا

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.